الحديث عن الصعيد لا ينقطع.. الجميع يتطلع لطرح المشاكل ولكن دون البحث عن حلول ايجابية تضع نهاية لما يتعرض له هذا الجزء العزيز من الوطن . لغة الاحصائيات تقول إن أكثر من 28 مليون نسمة فى محافظات الصعيد تعانى الإهمال الكلى وبالطبع فقد شمل ذلك الإهمال القطاع الرياضى أيضا بطبيعة الحال، فالحالة هناك لا ترقى للمستوى المعقول..فالملاعب مفقودة.. والمنشآت غائبة.. وبين كل هذا وذاك غياب واضح لبصمات المسئولين على مستوى الملاعب فالإستادات الرياضية فى المحافظات حدث ولا حرج فالدولة اهتمت بالاستادات الرياضية فى الوجه البحرى ولم تعط نفس الاهتمام للصعيد وكل البطولات التى تقام بمصر دولية أو قارية أو افريقية لا تقام ابدا بالصعيد، وهو مايترتب عليه عدم اعداد أو صيانة أى من تلك الملاعب وفى كل دورة رياضية تنظم البطولات فقط فى القاهرة والجيزة والسويس والاسماعيلية وبورسعيد وعلى ذلك يتم فى كل دورة اعادة صيانة استادات تلك المحافظات . وعندما نطالب بوضع مجموعة فى الصعيد حتى ولو لضمان الصيانة، يتعلل المنظمون بدرجة الحرارة رغم ان السبب الخفى هو ان تكون البطولات قريبة من اماكن اقامتهم وقريبة من أجهزة الإعلام والقنوات التى يعملون بها. وبالنظر الى ملاعب الصعيد ، بنى سويف مثلا التى تبعد عن القاهرة 120 كيلو وهى نفس المسافة التى سيقطعها المتفرج الكروى من مدينة 6 أكتوبر وحتى استاد القاهرة ذهابا وايابا بها استاد سعته تزيد على 40 ألف متفرج ولكن بدون ارضية صالحة، والحكاية لاتحتاج الا تغيير ارضية بعدها يمكن لنا ان نشاهد اللاعبين وهم يمررون الكرة امامية وعرضيه وفى كل اتجاه.. وأما حجرات تغيير الملابس فلم يعرفها هذا الاستاد.. وبطبيعة الحال الغرف ستحتاج إلى دورات مياه وحمامات لزوم النظافة إذا كان ضروريا إنه لأمر يدعو فعلا إلى السخرية، فهى مأساة مستمرة تدهس اى لاعب نفسيا وعصبيا وجسديا اذا مافكر ان يكون بطلا أو يحلم بالبطولة.. لكن القهر المستمر والمتسع فى كل ملاعب تذهب اليها فى الصعيد، فأستاد الفيوم الذى يتسع ايضا لأكثر من 40 ألف متفرج غير صالح للعب إطلاقا رغم آنه لا يحتاج لشيء سوى الصيانة الدورية، ومع ذلك فلاصيانة ولا لعب، اما المنيا فالاستاد الذى اقيمت عليه مباريات الدورى الممتاز هو واحد من اكثر الملاعب المحرومة والفقيرة فى مصر فلا ارضية مناسبة ولاترتان حول الملعب. ولانعرف كيف يصمت اتحاد الكرة او يعتمد نتائج مباريات مسابقاته والملعب قانونا لايصلح وكأن الفساد يسدد ركلاته اينما كنا ولو حتى فكرنا فى لحظات للترفيه .. ويأتى « الفاول الاعظم « أى الخطأ الجسيم والمجسد بوضوح على ارضية ملعب اسيوط التى بها استاد عالمي، يتسم بمواصفات قياسية عالمية رائعة وهو استاد الجامعة ولكن لعدم الاستفادة به فى المسابقات الدولية، لقى حتفه مثل جيرانه من الملاعب الاخرى فالارضية مستهلكة وغرف خلع الملابس لاتصلح للاستخدام الرياضى والادمى ، ورغم أن ساعة واحدة بالطائرة يمكن لأى فريق دولى ان يصل ويتدرب ويستمتع بشمس الصعيد لاسيما الدول الاوروبية مثل فنلندا وكندا وروسيا وغيرها من الدول التى بحاجة إلى تنظيم معسكرات تدريبية لفرقها والاستفادة بشمس الصعيد الدافئة لاسيما فى فصل الشتاء « يعنى « سياحة رياضية واقتصاد رياضى اذا صح التعبير .. ليبقى السؤال .. لماذا لا يتم اختيار اسيوط لاستضافة هذه الفرق والدول فى لتنظيم معسكراتهم الدوليه أو حتى تنظيم بطولات دوليه مصغرة ، بالقطع لانريد ان نرهقكم بالجرى معنا داخل وخارج هذه «الخرابات» المسماة مجازا بالملاعب.. فلو جففت عرقك قليلا وقررت ان تواصل الجرى تعالى معنا الى ملعب طهطا بسوهاج .. على الفور ستتذكر الاغنية الشهيرة لام كلثوم «ياجمال الورد ياجماله «، لانه ملعب احمر وابيض بدون انشاءات ، مجرد طوب احمر وارضية بلا «نجيلة» خضراء وكنا نتمنى ان يكون هناك لون بنفسجى حسب ألوان الورد لكن النوافذ داخل مبنى استاد طهطا حرمتنا من ذلك لأنها غير مدهونة وبلا اى لون، كذلك قنا التى تملك استاد الالومنيوم المعروف انه من الملاعب الجيدة، الا انها وللاسف تعانى الاهمال فى غالبية ملاعب مراكز الشباب والاندية الاخرى بالمحافظة، بل تستطيع ان تقول عليها مراعى وليست ملاعب، فاللاعبون المسموح لهم فقط هم الاغنام والماعز يمرحون ويقفزون فى جو مشحون بالحماس والتشجيع من الصبيان والبنات رعاة الغنم، تكاد تسمعهم وهم يهللون وكلما قفزت معزة أو خروف فرحا بلعبة حلوة داخل ملعب هجره ابطاله ولاعبوه، بالقطع لانريد ان نأخذك إلى رحلة سياحية الى ملاعب الاقصر ، فهى ملاعب فرعونية فعلا.. المومياوات وحدها تسكنها ولعنة الفراعنة ترفرف على كل عارضة وشبكة مرمي، فالملاعب ماهى الا جبانات تدفن فيها كل الأحلام بالبطولات التى طالما داعبت اذهان هؤلاء الابطال، لعبة جماعية كانت او فردية.. انه الصعيد المنسى لاعبا كان أو متفرجا أو حتى ملعبا.. فالكبار فى المقصورة يتفرجون ويستمتعون بدهسه لاجل ان يكون الفوز دائما من نصيبهم.. وإذا كان ذلك يحدث للملاعب وهذا هو حالها ، فبطبيعة الحال وكما أشرنا لن يكون هناك لاعب او لاعبون ، فكل الفرق الرياضية غالبا فى هذه الاندية الفقيرة لاوجود لها، والدليل ان فرق السلة والطائرة واليد بأسيوط كانت تلعب فى الدورى الممتاز ، وكلها تراجعت. أما الفريق الذى يحمل اسم اسيوط وهو نادى اسيوط الرياضي، فلا دعم ولا رجال اعمال من أبناء الصعيد يفكرون بالاستثمار فى صناعة البطل وهى الصناعة التى تعد من الاستثمارات الناجحة والمغرية فى بلدان العالم المتقدم ،لكن الحال عندنا مختلف ، وحتى التمثيل فى لجان المنتخبات القومية واجهزتها الفنية تم دهس البطل والموهبة، فهل تتخيل أن عدد المختارين بالأجهزة الفنية والإدارية من بين كل هذا العدد الهائل للفرق بمحافظات الصعيد لايتجاوز اثنين فقط من بين 80 هم عدد أعضاء هذه اللجنة ،وقس على ذلك جميع أقسام ولجان المنتخبات القومية فقلما تجد فيها أكثر من شخص او شخصين يمثلان الصعيد ، وكأن هذه المنطقة الجغرافية التى تمثل ثلث عدد السكان وثلثى مساحة الوطن هى منطقة قاحلة جدباء لابشر فيها ولا ماء يروى ظمأ العطشى للبطولات والأوسمة ، بالأصح كل الأرقام تؤكد لنا ان البطل فكرة لم يعد يعرفها الصعيد حتى لو كانت تطوف فى وقت ما بخياله أو بمنامه ،فمن قراءة اولية لجداول المسابقات وبأقسامها المختلفة تكتشف وللوهلة الأولى أن محافظتى الفيوم والبحر الأحمر فقط هما من نجحوا فى اختراق هذا الحاجز المنيع من حائط الصد للوصول للقسم الاول ، وكأنه إنذار لكل موهبة تفكر يوما بلقب البطل... وإذا كان النصف الأول من المشهد معتما ومؤلما ومشحونا بالضربات الحرة والركلات والكروت الصفراء والحمراء ، إلا أن النصف الثانى يكاد يكون مبشرا بخطط وألعاب وأهداف حلوة ترفع من درجات لياقة أبطال كادوا يفقدون أحلامهم وبطولاتهم المرجوة ، الدكتور جمال محمد على فى رسالة الدكتوراة الخاصة به يبدو أنه كان يشعر بحجم التربص بالبطل أو بفكرة صناعة البطل فقرر أن يكرس أبحاثه وجهوده العلمية فى الثقافة الرياضية بأن يخرج بتوصيات وتشخيص دقيق للعلاج وإنقاذ حلم صناعة البطل فى الصعيد قبل ان يتحول الى كابوس متسائلا إذا كنا جادين فلماذا لا نقوم بتعديل اللائحة الأساسية بإتحاد كرة القدم وأن تتضمن تمثيل الصعيد فى مجلس إدارة الاتحاد بعضوين على الأقل وضرورة تعيين عضو من أبناء الصعيد ضمن المقيمين بالصعيد الخبراء الثلاثة المعينين فى الإتحاد على أن يقوم الإتحاد المصرى لكرة القدم بتشكيل لجنة علمية لدراسة أسباب تقلص عدد الأندية المشاركة فى الدرجات المختلفة للإتحاد المصرى لكرة القدم بالصعيد ودراسة الظواهر والمشاكل التى تواجه كرة القدم بمصر. كذلك ألم يحن الوقت لوضع معايير لاختيار مدربى المنتخبات القومية والبعد عن مجاملة مدربى الأهلى والزمالك ،ولابد من أن يقوم الاتحاد بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقى لكرة القدم بتنظيم دورات تدريبية (رخصة C) بكل محافظة من محافظات الصعيد، ويتم اختيار مدربى الصعيد ضمن الهياكل التدريبية للمنتخبات القومية وفقاً لقدراتهم، وكذلك مراعاة إيفاد مدربين من أبناء الصعيد لحضور الدورات التدريبية بالأندية الأوروبية وفقاً للبروتوكولات الموقعة مع الاتحاد. وأيضا عند تنظيم أى بطولة عالمية أو قارية أو إقليمية لابد أن يتم وضع مجموعة من المجموعات فى إحدى محافظات صعيد مصر للاستفادة من ذلك فنياً وأيضاً تطوير الاستادات والمنشآت الرياضية وكذلك تفعيل تنظيم بطولات قطاعات الناشئين تقام إجبارياً فى الأندية المصرية بتدعيم من الاتحاد بالإضافة إلى ضرورة إحياء الرياضة المدرسية وتنظيم بطولات رياضية للطلبة بالتعاون بين إتحاد كرة القدم وتوجيه التربية الرياضية ومديريات الشباب والرياضة والشركات وإعداد كوادر قيادية فى كل محافظة للمشاركة فى تنظيم البطولات العالمية والقارية إذا تقرر إقامتها بمصر ولابد أيضا من توزيع نسبة من مستحقات الاتحاد المصرى لكرة القدم من تسويق المباريات والتعاقد مع الشركات والرعاة لاندية أقسام الثانى والثالث والرابع.