تعتبر ظاهرة أطفال الشارع قضية مجتمعية بامتياز تتطلب معالجتها علاجا شاملا متعدد الأبعاد ، فهم فئة تعمل طوال اليوم في الشارع وتعود لأسرتها مفتقدة الترابط الأسرى وهناك من تحرروا من الروابط الأسرية فهربوا نتيجة أسباب عديدة منها التسرب من التعليم و الفقر والطلاق ثم زواج الوالدين مرة أخرى أو قسوة العمل المدفوعين إليه من خلال الأسرة، فأصبحوا يعتمدون على أنفسهم اعتمادا كلياً, وبعض هؤلاء كانوا ضحايا علاقات غير شرعية فتم وضعهم بالشارع للتخلص منهم, فكبروا دون هوية وتزاوجوا وأوجدوا أجيالا أخرى مثلهم، وقد تصاعدت تحذيرات الخبراء بتضاعف أعدادهم بشكل قد يفقد الدولة والمجتمع السيطرة عليهم. ويطالب الخبراء باحتوائهم وتأهيلهم والاقتداء بالتجارب الدولية الرائدة فى المجال. يؤكد فيليب دوامال، ممثل منظمة الأممالمتحدة للطفولة والأمومة "يونيسف" في مصر أن حقوق كل الأطفال في الحياة وحمايتهم من كل أشكال العنف والانتهاك هي حقوق أصيلة كفلتها الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل,وكذلك نص عليها الدستور المصري والتشريعات الوطنية. وهي مسئولية جماعية، فينبغي على كل الأطراف المعنية أن يعملوا على أن تُحتَرم تماما هذه الحقوق، موضحا أن "يونيسف" تعمل مع العديد من الوزارت وغيرها من الجهات الحكومية مثل المجلس القومي للطفولة والأمومة، وكذلك مع الشركاء من المجتمع المدني والمنظمات الدولية، لحماية الأطفال, وبخاصة الفئات الأكثر تهميشا من الأطفال الذين يعانون من غياب الرعاية الأبوية أوالذين يعيشون في الشارع. وطالب بضرورة العمل على تغيير النظرة المجتمعية لهم باعتبارهم جناة، مؤكدا أن الأطفال الذين يعيشون في الشارع هم ضحايا لظروف معقدة حرمتهم من بيئة أسرية آمنة، وهم عرضة لكل أنواع المخاطر والانتهاكات وينبغي أن يتلقوا الرعاية والمساعدة المناسبة لحمايتهم وإعادة دمجهم في المجتمع. وإذا ما انتهك بعض هؤلاء الأطفال القانون فإنه تتم حينها محاسبتهم وفقا لما نص عليه قانون الطفل. وأوضحت إيمان بهى الدين، منسق وحدة الإعلام بالمجلس العربي للطفولة والتنمية أن حل تلك الأزمة يتطلب حركة مجتمعية شاملة يشارك بها المجتمع ككل بمختلف قطاعاته: من وسائل إعلام ووزارة التضامن الاجتماعى والقطاع الخاص و المجتمع المدنى، مطالبة بأن تكون تلك الأزمة على رأس أولويات الدولة كمشروع قومى واستراتيجى. واتفق معها أحمد مصيلحى، رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر بنقابة المحامين, مؤكدا أن الظاهرة تتفاقم بشكل متضاعف يوميا يصعب معه حصرها بدقة نظرا لوجود الطفل فى أكثر من مكان بنفس الوقت وعدم بقائه فى مكان واحد ، مشيرا إلى أن المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الطفل رصدت تفشي الظاهرة عبر زيادة أعداد الأطفال المقبوض عليهم، موضحا أنه فى عام 2010 تم القبض على 1100 طفل شارع من الموجودين بالميادين, حيث تم توجيه اتهامات لهم بالتسول والتشرد بالمخالفة للقانون والدستور, وأن الأعداد فى زيادة مستمرة . وأكد أن أطفال الشارع هم أطفال معرضون للخطر وأن الدولة مطالبة بتشكيل لجنة من الأخصائيين وممثلين عن وزارة التضامن من أجل وضعهم فى دور الرعاية والاهتمام بهم دون أى تدخل من الشرطة، مضيفا" ليس من حق الشرطة إلقاء القبض على هؤلاء الأطفال وتطبيق قانون التسول القديم عليهم, لأن قانون الطفل عندما صدر عام 1996 أكد على أنه إذا وجد طفل يتسول بالشارع فإنه بذلك يكون معرضا للخطر وتجب حمايته وليس القبض عليه؛ لذا لا بد من تطوير جهاز الشرطة وتخصيص باحثات لديهم كفاءة اجتماعية للتعامل مع هؤلاء الأطفال جيدا، فقد أسأنا لهم بشدة عندما لم يتعامل المجتمع معهم على أنهم ضحايا واعتبرهم جناة، وللأسف هم يعلمون أننا نسميهم قنبلة وننعتهم كمجتمع بالمجرمين؛ لذا لا يجب أن نندهش من محاولاتهم للانتقام من المجتمع وانتشار العنف فى الشارع,بما أننا لم نقدم لهم أى حماية" وأوضح أن من بين طرق معالجة تلك الأزمة تطوير دور الرعاية الاجتماعية بهدف تأهيل ودمج الأطفال بالمجتمع عن طريق متخصصين ومعالجة أسباب وصولهم للشارع، إلا أن دور الرعاية نفسها أصبحت طاردة للأطفال وتساهم فى زيادة أعدادهم بالشارع؛ بسبب ما يلاقونه هناك من معاملة سيئة. وطالب مصيلحى بضرورة وضع الدولة استراتيجية قومية للطفل وخطة بموازنة الدولة تبدأها بمنطقة جغرافية محددة ثم يتم تعميمها على محافظات الجمهورية، على أن يتم ذلك بمشاركة بين الدولة والمجتمع المدنى واللجان الشعبية، مطالبا بتخصيص حقيبة وزارية للطفولة والأسرة، ومحذرا :" لدينا أجيال الآن من أطفال الشوارع ممن ليس لهم هوية ومع انتشار المخدرات والاعتداءات الجنسية بينهم بنسبة 100% سنتحول إلى مجتمع عنيف للغاية بعد سنوات قليلة من الآن حتى لو تطورنا اقتصاديا ". كما أكد على دور الأحياء والمحافظات فى تشكيل لجان حماية تضم ممثلين عن وزارات : الصحة، التعليم، العدل، الداخلية، التضامن الاجتماعى، بالإضافة إلى خبراء من المجتمع المدنى، مشددا على ضرورة الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدنى لحل تلك الأزمة، ومستنكرا مطالبة بعض المسئولين بوضع هؤلاء الأطفال تحت رعاية الجيش وأن يتولى الجيش تدريبهم ورعايتهم، مضيفا " نحن ضد أى محاولة لعلاج تلك الأزمة بعزل الأطفال عن المجتمع, بل يجب تأهيلهم وفق التجارب الدولية الرائدة فى ذلك المجال مثل تجربة البرازيلوالهند وغيرهما، فإذا أراد الجيش المساعدة فى ذلك الإطار فهو مقبول, ولكن عزلهم ووضعهم فى مدارس عسكرية ومعسكرات للجيش سيرفع من نسبة خطورة تحولهم لسلاح يشبه الميليشيات فى مواجهة المجتمع". ومن جهتها لم تنف عزيزة يوسف، رئيس قطاع دور الرعاية بوزارة التضامن الاجتماعى وجود سلبيات فى بعض دور الرعاية تجعلها طاردة للأطفال بالفعل، رافضة مبدأ التعميم، ومؤكدة وجود دور جيدة جدا خرجت أجيالا وساعدتهم على إكمال تعليمهم للنهاية والاندماج بالمجتمع وتكوين أسرهم الخاصة. ولفتت إلى أن الوزارة دشنت أخيرا قرار تنظيم مؤسسات الرعاية الإيوائية للأطفال, بجهود جمعيات أهلية متميزة تعمل فى ذلك المجال وفق أسس علمية بمعاونة منظمات عالمية وإقليمية معنية بالأطفال، الأمر الذى نتج عنه صياغة أسس ومعايير ملزمة بشأن تنظيم العمل فى تلك الدور، وأشارت إلى صياغة معايير جودة يتم التقييم وفقا لها من قبل مسئولى الوزارة خلال فترة زمنية محددة مع توفير ورش تدريبية للعاملين بالدور والقائمين على التقييم، كاشفة أن الوزارة استعانت فى صياغة هذا القرار بآراء الشباب من خريجى دور الرعاية حول كيفية تطويرها لمساعدة الأطفال والشباب وتم إضافة ما اقترحوه واستبعاد ما طالبوا بإلغائه. ولعل من أبرز التجارب العالمية الرائدة فى التعامل مع أطفال الشوارع التجربة البرازيليةوالهندية، حيث طبقت البرازيل تجربة ناجحة بدأتها بمدينة كوريتيبا، جعلت عدد أطفال الشوارع بها صفرا من خلال برنامج يحمل اسم "الأطفال لا تريد مؤسسة خيرية.. الأطفال يريدون المستقبل", والذى نفذ على مدى 5 سنوات على المستوى المحلي بالشراكة مع السلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني، كما صاغت نظاما وطنيا للضمان الاجتماعي وسياسة وطنية للحماية الاجتماعية من أجل توحيد الخدمات المقدمة لأطفال الشوارع والمواطنين عامة . وفى عام 2010 تم وضع خطة عمل شاملة مدتها 10 سنوات اعتمدت التركيز على منظومة الأسرة كمسئول اجتماعي ، وضرورة وجود الطفل داخلها, حيث أنها أساس المجتمع وكيان لابد من الحفاظ عليه، وتم التعامل وتقديم الحماية الاجتماعية الأساسية للأسر والأفراد في حالات الفقر , وكذلك الأسر التى تعرضت لانتهاكات أو تفكك أسري وتوفير الإسكان والمشروعات المدرة للدخل ، وتم التعامل مع الأطفال من خلال أشخاص مدربين ومؤهلين ، وتوفير نظام صحى وتعليمي جيد وممارسة الأنشطة والترفيه وتعاملت الهند مع تلك الظاهرة كظاهرة مجتمعية ومراعاة أن سلوك أطفال الشوارع يتغير بشكل سريع كلما زادت أعمارهم فى الشارع ، فقامت بعدد من التدخلات في هذا الشأن مثل رفع الوعي ، ووضعهم في مراكز ، وتوفير مأوى ليلي للنوم وتقديم خدمات أخرى ، وتوفير الرعاية الأسرية لجعلهم أكثر إيجابية وتفاعلية داخل المجتمع ، من خلال مشروع يسمى "تشايلد ناين " بالشراكة بين 9 مؤسسات بالدولة لديها خبرات في هذا المجال ، وتقوم بتنفيذه في 5 مدن. وتجرى الآن دراسة تعميمه على المستوى القومي .كما أطلقت مشروع "رين جو هومز" الذى تبنى مبادرة لإعادة الفتيات المتسربات من التعليم إلى المدارس مرة أخرى بعد إعداد وتطوير هذه المدارس ، فضلا عن مشاركة الفتيات في كل القرارات المتعلقة بهن ، بالإضافة إلى دراسة واقع الأطفال في حياة الشارع دون إجبارهم على العودة إلى أسرهم ويترك لهم اتخاذ القرار في هذا الشأن ، كما يتيح لهن المشروع الاستمرار في الدراسة 4 سنوات إضافية وتوفير سكن مناسب إلى أن تتجاوز أعمارهن 18 عاما .