منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسمهان
1917 / 1944
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 09 - 2014

ستة عقود ونيف مضت على غياب أسمهان. لكن صوتها الساحر ما زال ملء السمع يستعصى على النسيان. ربما يكون لغيرها من أميرات الغناء العربيات دور أكبر فى زماننا من دورها هى بعد غيابها. ربما يكون المستمعون إلى الغناء والمستمتعون به فى أيامنا أقل اهتماماً بها من سواها من أميرات الغناء، وفى المقدمة منهن من سادة الغناء أم كلثوم وفيروز.
لكننى أكاد أجزم من دون أن أقطع بأن لأسمهان مكاناً فى عالم الغناء لم يعوّض حتى الآن. ولا أظن أن بإمكان أحد أن يملأ الفراغ الذى أحدثه غيابها. وبالطبع فإن الأمر ذاته ينطبق على أم كلثوم، وعلى فيروز أمدّ الله بعمرها. ذلك أن لكل من هذه الكوكبة القليلة من أميرات الغناء العربى خصوصية، سواء فى نوع الحنجرة الصوتية أم فى نوع الأداء أم فى القدرة على الربط العبقرى بين هذين الأمرين وبين الألحان التى أبدعها ويبدعها الموسيقيون العرب الكبار.
لم تعش أسمهان طويلاً. لكنها استطاعت أن تترك لنا تراثاً غنياً رائعاُ رغم قلة عدد أغانيها. غير أن لأسمهان سيرة خاصة فى حياتها الشخصية لا يستهويها البعض رغم أنها حياة تخص صاحبتها. ولا أعتقد أن أسمهان بين فنانى وفنانات هذا العالم هى الوحيدة التى تحمل سيرة خاصة تثير الجدل. بل لعلى أجزم بأن لجميع أهل الفن حياة خاصة مثيرة للجدل. لكن المهم فى الحديث عن أهل الفن هو تراثهم الذى تحتشد فيه إبداعاتهم. وهو ما استخلصته شخصياً من علاقاتى بعدد كبير من أهل الأدب والفن من العرب والأجانب الذين تتناقض سيرتهم بالمعنى الأخلاقى البسيط مع إبداعاتهم.
لقد كتب الكثير عن سيرة أسمهان. وكان من بين من كتبوا عنها عدد ممن ربطتهم بها علاقة صداقة وحب وغرام وجنس. فأنصفها بعضهم وظلمها آخرون. لكن أسمهان بالنسبة إلى عشاق الغناء هى أسمهان المغنية، أسمهان صاحبة الصوت الجميل والعذب المعتبرة بحق واحدة من أميرات الغناء العربى الخالدات. لم أجد من بين من كتبوا عنها فى سيرتها المليئة بقصص الجنس وبقصص أخرى تتصل بأدوار فرضت عليها وقبلتها فى مغامرات سياسية ومخابراتية، لم أجد من بين هؤلاء من لم يعترف لها بصفتها واحدة من كبيرات وشهيرات الغناء العربي. وهذا لعمرى هو الأهم من كل ما عداه فى سيرتها.
لكن أسمهان هو اسمها الغنائى الذى عرفت به منذ مطلع شبابها. أما اسمها الحقيقى فهو آمال الأطرش. فما هى قصة هذه المطربة العربية، وكيف ومن أين جاءت إلى الموقع الذى احتلته فى عالم الغناء؟
ولدت آمال الأطرش (أسمهان) فى عام 1917 على ظهر باخرة تركية كانت تقل والدتها عالية المنذر الهاربة من ملاحقة السلطات العثمانية. ولدت فى الطريق بين مدينتى اللاذقية وبيروت. وفور وصول الأسرة إلى بيروت التى كانت تحت الاحتلال الفرنسى اختار الأمير فهد السكن فى حى السراسقة الشهير.
تولى والد أسمهان الأمير فهد الأطرش فى الفترة الأولى من الانتداب الفرنسى على سوريا ولبنان عدة مناصب فى القضاء. فكان رئيساً لمحكمة الإستئناف فى مدينة السويداء عاصمة جبل الدروز، أو جبل العرب كما اشتهر فيما بعد. ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة درعا ليمارس الوظيفة ذاتها. وفى عام 1921 عيّن ممثلاً للدروز لدى سلطات الإنتداب. لكنه انضم إلى شقيقه سلطان باشا الأطرش عندما أعلن هذا الأخير ثورته فى عام 1925 على الفرنسيين. فاضطرت زوجته عالية إلى الهرب مع أولادها من السويداء إلى دمشق ثم إلى بيروت فى وقت لاحق ومنها إلى القاهرة. وتعهد بحمايتها سعد زغلول لدى وصولها إلى القاهرة من دون وثائق هوية. لكن عالية الأطرش لم تحمل معها من النقود ما يساعدها على العيش مع أولادها. فباعت مصاغها لتستعين بالأموال التى تلقتها على تدبير أمورها. وحين سدت الطرق أمامها اضطرت إلى العمل فى خياطة مناديل الرأس للسيدات. غير أنها اضطرت فى نهاية المطاف إلى استخدام صوتها الجميل لكسب عيشها وعيش أولادها. فبدأت تغنى فى أعراس العائلات الشامية ثم انتقلت إلى الغناء فى ملاهى روض الفرج. ويقال إنها مارست الغناء فى الإذاعات كذلك. ويقول الصحفى المصرى محمد التابعى أحد عشاق أسمهان الكبار فى الكتاب الذى أصدره عنها إن أسمهان تحدثت إليه عن والدتها عالية مؤكدة أنها مارست الغناء وسجلت بعض أغانيها على أسطوانات. ومعروف أن الأمير فهد الأطرش لم يستطع أن يحتمل حادث هروب زوجته فطلقها غيابياً، بعد ما سمع عن تفاصيل حياتها وعن امتهانها الغناء لكسب العيش وتحويل منزلها إلى ملتقى لأهل الفن. وكان من بين أولئك الفنانين محمد القصبجى وزكريا أحمد وداود حسنى ومحمد عبد الوهاب وآخرون من كبار موسيقيى تلك الحقبة من تاريخ مصر. ويذكر المؤرخون لسيرة أسمهان ومن بينهم محمد التابعى أن آمال التى عاشت فى أجواء الغناء والموسيقى سرعان ما برزت كمغنية وهى فى الرابعة عشرة من عمرها. وكان أول من اكتشف مواهبها داوود حسنى الذى سارع إلى تبنيها ورعايتها. وكانت أغانيها الأولى من ألحان داوود حسنى ومحمد القصبجي. وكان ذلك فى سن السادسة عشرة من عمرها. فى عام 1933 تزوجت آمال من ابن عمها الأمير حسن الأطرش الذى كان يشغل مركز حاكم جبل الدروز فى ظل الإنتداب الفرنسي. فانتقلت من القاهرة إلى السويداء لتعيش مع زوجها هناك. وفى السويداء أنجبت ابنتها الوحيدة كاميليا. لكن آمال العاشقة للحرية وللغناء لم تستطع أن تحتمل الحياة فى السويداء كأميرة وكزوجة. فاغتنمت أول فرصة لتفرّ من سجنها الزوجى إلى الحرية فى رحاب مدينة القاهرة. وكان ذلك فى عام 1938. فطلقها زوجها ابن عمها. الأمر الذى هيّأ لها الشروط لممارسة حريتها كاملة. وبدأت حياتها الفنية بكامل طاقتها. وكانت أولى أغانيها التى أطلقتها من إذاعة القاهرة فى عام 1938 بالذات تلك الأغنية الرائعة يا طيور من تأليف يوسف بردونس وتلحين محمد القصبجي. وهى الأغنية التى كانت نقطة البداية فى شهرتها الحقيقية كصاحبة صوت نادر المثال. وما أن أطل عام 1939 حتى كانت أسمهان قد بلغت ذروة شهرتها فى عالم الغناء.
بدأت أسمهان ممارسة الغناء فى مجالات متعددة بما فى ذلك فى السينما. وكان أول فيلم غنت فيه من دون أن تظهر صورتها فيه هو فيلم يوم سعيد مع المطرب محمد عبد الوهاب. وكان ذلك فى عام 1939. وكانت أغنية ما احلاها عيشة الفلاح واحدة من أغانيها فى هذا الفيلم. ومن المعروف أنها غنت مع عبد الوهاب أوبريت قيس وليلى الذائعة الصيت. وهى واحدة من أولى الأوبرات العربية. وكان من أهم ما ظهر لها من أغان فى عام 1940 أغنية إسقنيها بأبى أنت وأمى للشاعر اللبنانى الأخطل الصغير. وكانت ا لأغنية من تلحين محمد القصبجي. لكن أسمهان لم تحبس نفسها فى إطار ملحن واحد بعينه. فلحن لها شقيقها فريد الأطرش. ولحن لها رياض السنباطى وعبد الوهاب وآخرون. ومعروف أن فيلمها الأول كان انتصار الشباب مع شقيقها فريد الأطرش. وكان آخر أفلامها الذى لم تتمكن من إكماله هو فيلم غرام وانتقام الذى تم إنتاجه فى عام 1944 الذى كان بطله الفنان يوسف وهبي. فقد لقيت حتفها فى ذلك العام فى حادث مروع. إذ أدى حاث اصطدام سيارتها بإحدى الحافلات إلى وقوعها فى النهر. والغريب فى الحادث هو أن سائق السيارة تمكن من النجاة فى حين تعذر إنقاذها. الأمر الذى خلق شكوكاً حول احتمال أن تكون قد ذهبت ضحية مؤامرة على حياتها. ويقول بعض المؤرخين لسيرتها أن تلك المؤامرة كانت من صنع المخابرات البريطانية والفرنسية وفى صراعاتها بعضها مع بعض. وتشير مصادر أخرى إلى احتمال أن يكون زوجها أحمد سالم الذى كان على خلاف معها هو صاحب تلك المؤامرة على حياتها. إلا أن من المعروف أن أسمهان كانت قد زجت نفسها فى ذلك العالم الصعب من الصراعات بين مخابرات الدول الكبري. وتلك قصة حزينة فى حياة أسمهان، تضاف إلى قصص مغامراتها الغرامية التى وقعت وأوقعت فيها عدداً من مشاهير السياسيين والإعلاميين والفنانين فى تلك الحقبة من تاريخ مصر.
لقد قرأت ثلاثة كتب يروى كتّابها سيرة أسمهان كل منهم على طريقته وفق ما استند إليه من معطيات عن حياتها الصاخبة. وهى كتاب محمد التابعى بعنوان أسمهان تروى قصتها وكتاب سعيد الجزائرى بعنوان أسمهان ضحية الاستخبارات وكتاب شريفة زهور بعنوان أسرار أسمهان، المرأة، الحرب، الغناء. وقد أسهب الكتّاب الثلاثة فى كتبهم فى الحديث عن الجانب المتعلق بسيرتها المضطربة، لا سيما ما يتصل منها بعلاقتها مع المخابرات الأجنبية حتى وهم يشيدون كل منهم على طريقته بالجانب الفنى الغنائى الأصيل فى هذه السيرة. غير أن التابعى يغوص أكثر من الكاتبين الآخرين فى أسرار حياتها فى جميع جوانبها، انطلاقاً من العلاقة الطويلة التى ربطته بها. بهذا المعنى فهو يتميز عن الكاتبين الآخرين بالدخول فى تفاصيل حياتها.
لقد أتيح لى أن أشاهد الأفلام التى ظهرت فيها أسمهان لا سيما فيلمها الأخير غرام وانتقام الذى مثلت فيه مع يوسف وهبى وبشارة واكيم وآخرين. وكنت أتابع سيرتها الفنية منذ ذلك التاريخ. ومنذ ذلك التاريخ بالذات دخلت أغنياتها ودخلت شخصيتها الجذابة فى وجداني. وأصبحت أغانيها ترافقنى فى مسيرة حياتى حتى هذه اللحظة. وتحتل أسطواناتها المضغوطة المكان الذى تستحقه فى مكتبتى الغنائية. وإذا كنت أطرب لكل أغانيها فإننى لا أنسى أغنيتها الشهيرة ليالى الأنس فى فيينا. ولعل ما جعلنى أتعلق بهذه الأغنية بالذات كونى قد قضيت بضع سنوات من حياتى فى مدينة فيينا، وقضيت بضع سنوات من عمرى قبل ذلك فى بودابست الجارة القديمة لفيينا، وعلى ضفاف نهر الدانوب الذى يربط بين المدينتين. فقد كانت أغانى أسمهان شريكتى فى تلك الحقبة. وكانت أغنيتها تلك بالذات تدغدغ مشاعرى وتهزنى حتى الأعماق كلما استمعت إلى أسمهان تغنيها بصوتها الرخيم. وما أكثر ما أستمع بشغف إلى أغانيها وأغانى فيروز التى هى رفيقتى فى رحلاتى المتكررة فى شتى بلدان العالم.
هذا الفصل من سيرة أسمهان هو بالنسبة إليَّ الأساسى من سيرتها. ولعلى بذلك أختلف مع من يحبون أن يدخلوا فى عالمها الجميل هذا بعضاً من تفاصيل حياتها الخاصة إما لأسباب سياسية أو لأسباب أخرى أجهلها. وأشهد أننى حين قرأت الكتاب الذى صدر عن دار الريس للكاتب والصحافى السورى سعيد الجزائرى بعنوان أسمهان ضحية الإستخبارات شعرت بانزعاج كبير رغم أننى كنت أعرف قبل صدور ذلك الكتاب الكثير عن تفاصيل مغامرات أسمهان الجنسية والسياسية فيما قرأته من مقالات كانت تصدر بين الحين والآخر عنها. ذلك أن الصورة التى أعطيت لها فى هذا الكتاب المتصلة بحياتها الخاصة، لا سيما ما يتعلق منها بالمخابرات قد صدمتني. علماً بأن الكتاب، رغم اهتمامه بالجانب المتصل بمغامراتها المخابراتية التى قضت عليها، لم يهمل الجانب المضيء المتعلق بسيرتها الفنية وبأصالة صوتها وبكونها صاحبة الصوت الخالد. وهو ما أشرت إليه فى الأسطر السابقة.
يقول بعض الذين يتحدثون عن صداقاتها وعلاقاتها مع أهل الفن والسياسة والإعلام إن لأسمهان شخصية غريبة. فهى لم تستطع أن تجد الرجل الذى يمكن أن يكون بشخصيته مكملاً لشخصيتها. ويقال عن لسانها أنها كانت بحاجة إلى من يكون أقوى منها فى العلاقة بين الرجل والمرأة، بين الزوج والزوجة. ويستطرد البعض الآخر فى وصف شخصيتها الأنثوية بأنها امرأة لا تملك عاطفة حب. وهو ما أشار إليه بشكل أكثر وضوحاً محمد التابعى فى كتابه الآنف ذكره. أى أن هؤلاء يتهمونها فى الجانب الأساسى من شخصية المرأة، وهو ما يتصل بعواطفها وبمشاعرها. لذلك لم أجد معنى منطقياً للدخول فى المتاهات التى دخل فيها كثيرون ممن تطوعوا للكتابة عنها وعن سيرتها. وأكتفى بالجانب الذى أحبه فيها. وهذا الجانب فى قراءتى لشخصيتها يشكل مزيجاً من عناصر متناقضة فى حياة هذه المرأة التى تحمل اسم أسمهان تكاملت فيما بينها فأعطت لعالم الغناء ذلك الصوت الرائع والأداء الفنى البديع وتلك القدرة الفائقة على التعامل بصدق مع ملحنى أغانيها. وهذا المزيج بين هذه الجوانب من شخصيتها هو الأساسى عند أسمهان. وهو الذى جعلها تعيش هذا الزمن كواحدة من أميرات الغناء الكبيرات فى القرن العشرين. وهى ستبقى تعيش إلى زمن طويل آخر لا يستطيع أحد أن يحدد مداه.
ربما يكون من الوفاء لأميرة الغناء أسمهان، وللدور الذى لعبته فى تطوير الغناء العربي، بما فى ذلك فى الأوبريت، أن أنهى هذا الحديث عنها بالإشارة إلى أن المسئولية الأساسية عما وقعت فيه من مطبات فى حياتها، لا سيما ما يتصل من تلك المطبات بوقوعها فى شرك المخابرات هنا وهناك، إنما تقع على النمط من التقاليد والعلاقات العائلية الذى لم يكن يسمح لها بأن تتحرر منها. ومعروف فى سيرتها أنها عانت الكثير من ظلم أخيها فؤاد. لكنها قاومت بعناد، وظلت تسعى إلى تحصين حريتها، فى نوع من التمرد على تلك التقاليد، اتخذ فى بعض جوانبه أشكالاً عبثية. ولم تجد من يفهمها، ويساعدها على سلوك طريق أكثر توازناً فى حياتها، سوى شقيقها فريد الأطرش، الذى لم يكن يملك القدرة على مساعدتها فى الإتجاه الصحيح. إلا أن أولئك الذين وقعوا فى غرامها، والذين حاولوا الإخلاص لها، كانوا، فى معظم الأحيان، إن لم يكن فيها جميعها، أسرى شخصيتها المتمردة. ولا أدرى إذا كان صحيحاً ما نقل عن لسانها بأنها لم تجد من بين من أقامت علاقات صداقة وحب وزواج من كان أقوى منها بشخصيته، ومن كان أكثر قدرة على فهمها والتعامل معها بالشكل الذى كانت تريده، حتى ولو لم تكن تعرف بالضبط ما كانت تريد. ولعل مجمل هذه العقد التى تكونت لديها هى التى دفعتها فى الطريق الذى قادها إلى الموت المبكر. وأدى غيابها المبكر، فضلاً عن الجوانب السلبية التى اتسم بها سلوكها السياسى والعبثي، إلى خسارة هذه المعجزة الفنية الكبيرة فى عالم الغناء العربى الحديث.
( أحمد فؤاد نجم )
1929 / 2013

غاب الشاعر أحمد فؤاد نجم وبقى شعره. غاب وبقيت ظاهرته فى شعره الثورى وظاهرته مع رفيق دربه الشيخ إمام، ملحن ومغنى شعره الثوري. وكان قد تحوّل نجم إلى ظاهرة منذ أن أصبح شاعراً فى مطلع شبابه. لكنه صار مع الشيخ إمام ملحن ومغنى أشعاره ظاهرة من أهم ظاهرات الشعر الشعبى النقدى وفى تاريخ الأغنية السياسية فى مصر وفى العالم العربى. ولهذه الظاهرة فى مصر خصوصاً، وفى العالم العربى عموماً، عناصرها الخاصة، التى تولدت من كون الشاعر نجم والملحن والمغنى الشيخ إمام ينتسبان فى حياتهما إلى عالم الفقراء الواسع فى مصر، جمهوراً ورقعة جغرافية. كلاهما خرجا من بيئة شعبية. كلاهما ولد ونشآ فى المعاناة وفى الظلم بأشكالهما وبوسائطهما وبمصادرهما المختلفة. وظل كل من المعاناة والظلم يلاحقانهما على امتداد حياتهما. إذ كانا ينتقلان من معتقل إلى آخر، ومن مكان للاختفاء من الملاحقات الأمنية إلى مكان آخر. لكنهما لم يتراجعا عما اعتبراه فى إبداعهما الفنى نقداً ضرورياً للظلم الاجتماعي، وللفساد السياسي، ولأنظمة القمع التى تحوّل المجتمع فيها على امتداد العالم العربى إلى ضحية دائمة ومتواصلة. وإذ غادر الشيخ إمام الحياة قبل عقد من الزمان، فإن نجم تابع المسيرة لوحده شاعراً من دون رفيقه الذى كان يلحن له قصائده ويغنيها بصوته الذى ملأ آفاق العالم العربى مشرقاً ومغرباً. وها هو نجم اليوم يلحق بالشيخ إمام فى ظل المعاناة، وفى أجواء الثورة المصرية التى تعد بتحقيق أحلامه وأحلام صديقه الشيخ إمام فى الحرية والكرامة.
ولد أحمد فؤاد نجم فى عام 1929 فى عزبة نجم إحدى القرى التابعة لمركز العباسية، إحدى المراكز السبعة لمحافظة الشرقية فى شرق دلتا النيل. كان والده محمد عزت نجم لا يزال يعمل ضابطاً للشرطة حين تزوج ابنة عمه هانم مرسى نجم وحملها معه إلى القاهرة حيث كان يعمل موظفاً فى شرطتها، لتنتقل معه بعد ذلك إلى الإسكندرية وطنطا والسويس وأخيراً بنها. وفى أواخر سنوات عمره ترك الوالد العمل فى الشرطة وعثر على وظيفة مدنيّة فى وزارة المالية، وعيّن رئيساً لخزينة محكمة الزقازيق. فعاد إلى عزبة نجم التى لا تبعد عنها سوى 24 كيلومتراً. وبنى لأسرته منزلاً. بينما أقام هو بالقرب من عمله بالزقازيق. وكان أحمد فؤاد المزدوج هو الاسم الذى أطلقه أبوه عليه تيمناً باسم الملك أحمد فؤاد. وكان نجم فى السادسة من عمره عندما مات أبوه فى عام 1935.
إرتبكت حياة الأسرة بعد وفاة الأب. فإضطر أحمد فؤاد لترك الكتّاب. وإلتحق بالعمل فى الحقول. وبعد عام على وفاة والده قررت الأسرة إلحاقه ب ملجأ الزقازيق الخيرى مع مائة وخمسين طفلاً من الأيتام والفقراء الذى يوفر لهم إقامة كاملة، فضلاً عن التعليم العام والتدريب المهني. خلال السنوات التسع التى قضاها أحمد فى الملجأ تعلم مهنة تفصيل الملابس، بينما تعلم أخوه محمد الطباعة. عاش أحمد فى الملجأ حتى عام 1945. وعاد إلى العمل فى الحقول، بينما ذهب أخوه محمد إلى القاهرة ليعمل فى مطبعة مصر. وما لبث أن اصطحبه معه إلى العاصمة، حيث عمل صبى ترزى لفترة قصيرة، ثم بائعاً متجولاً يتقافز بين عربات الترام ليبيع بضاعته من السلع التافهة، ثم عاملاً فى مصنع للغزل، قبل أن يعود إلى قريته مرة أخرى ليواصل العمل فى الحقول، إلى أن توسط له أخوه عبد العزيز الذى كان يعمل كاتباً للأنفار فى تفتيش الوادى التابع للخاصة الملكية، فالتحق نجم بالعمال الذين كانوا يقومون بتنقية الأرز فى أراضى التفتيش.
فى عام 1948 وجد أحمد فؤاد عملاً فى معمل للخياطة فى معسكرات القاعدة البريطانية فى منطقة قناة السويس. وظل يعمل هناك لمدة ثلاث سنوات، تفتّح خلالها وعيه السياسى من خلال الإحتكاك المباشر بقوات الإحتلال وبزملائه العمال وبعناصر الحركة الوطنية المصرية التى كانت تهتم اهتماماً خاصاً بكل ما يجرى داخل القاعدة.
كان نجم فى الثانية والعشرين من عمره حين ألغت حكومة الوفد فى أكتوبر 1951 معاهدة 1936. فازداد حماسه الوطني، وتعرّف آنذاك على مجموعة من الشيوعيين المصريين. وساعد بعثة لجريدة المصرى على دخول معسكر ومطار فايد ومقر القيادة العليا للقوات الجوية، حيث قاموا بتصويرها من الداخل. إلا أن نجم غادر مع العمال الستة الأوائل أعمالهم فى المعسكرات ضمن خطة قضت بعدم التعاون مع القاعدة البريطانية، التى أعلنتها حكومة الوفد وانتهت بانسحاب 80 ألفاً من العمال المصريين كانوا يعملون فيها. وقررت الحكومة الوفدية تعيينهم عمالاً فى وزارات الدولة ومصالحها. وهكذا عيّن أحمد فؤاد عاملاً فى وزارة المواصلات حيث تنقل بين وحداتها الإدارية على امتداد السنوات التسع التالية. فعمل فى محطة الزقازيق للسكك الحديدية. ثم نقل إلى مصلحة البريد للعمل فى توزيع الرسائل فى منطقة بريد أبو زعبل، إلى أن استقر أخيراً كعامل فى ورش النقل الميكانيكي.
تلك كانت سيرة حياة نجم قبل أن يصبح شاعراً مرموقاً كما رواها الكاتب المصرى صلاح عيسي. ويروى نجم، فى حديث إلى الأديبة فريدة النقاش، بعض فصول طفولته: تركنا أبى لعالم وحشى وبلا قانون. كانت أمى صغيرة وساحرة. ووقعت فريسة لمطامع أعمامى وهم أغنياء.. امتلكت أسرتنا فى أواخر القرن الماضى وبداية هذا القرن آلاف الأفدنة. رفضت أمى أن تتزوج أحدهم لأنها أحبتنا وكانت تعرفهم جيداً. قالت إنها سوف تعيش لنا أنا وأخوتى الثلاثة. وكان عليها أن تتلقى العقاب كاملاً ، فجعنا....
فى السادسة من عمره عمل نجم خادماً فى بيت عمه الذى كان أقرب أعمامه وأحبهم إلى أبيه. عرف واختزن منذ ذلك الوقت صنوف الألم والمرارة. يقول فى حديثه مع فريدة النقاش: شاخت روحى وأصبح الفرح حلماً بعيد المنال .... تقدم عمى فى هذه اللحظة وكنت ألبس جلباباً جديداً ولم أكن ألبس سروالاً أو أى شيء آخر.. تقدم وكنت فزعاً وأمسك بى بقوة بالغة ثم خلع عنى الجلباب. تفجرت عندى رغبة فى العويل. لكننى لم أبك. حملت إحساسى الهائل بالعار وتركت القرية ولم أعد إليها أبداً. وكان عليّ فى ذلك التاريخ البعيد أن أجد مأوى ورزقاً وبدأت رحلتي...
ويتحدث نجم عن بدايات تكوّنه الفكرى فيقول بأن أهم قراءاته فى بدايات تعرّفه إلى الحياة العامة كانت رواية الأم لمكسيم جوركي. ويقول أن اهتمامه بهذه الرواية مرتبط ببداية وعيه الحقيقى للعالم الذى يعيش فيه، والأسباب الموضوعية لقسوة هذا العالم ومرارته عليه. ويقول واصفاً وضعه: وبدأت حينئذ أضع قدمى على أول الطريق إلى ظلام حقيقي...
كانت القصائد الأولى لنجم تعبر عن معاناته ومعاناة شعبه من الظلم الإجتماعي. لكنه سرعان ما تحوّل إلى شاعر مشاكس وإلى ناقد سياسى بالكلمات وبالأغاني، بعد أن تعرّف إلى رفيق دربه الشيخ إمام فى عام 1962. كان ذلك التحوّل فى حياته وفى مواقفه يتم بالتدريج مترافقاً مع ما كان يجرى من أحداث سياسية كانت تشهدها مصر ابتداء من مطالع ستينيات القرن الماضى، وصولاً إلى حرب عام 1967 والهزيمة التى منيت بها القوات المسلحة المصرية والسورية، وأدت إلى احتلال كامل الأراضى الفلسطينية وأجزاء واسعة من أراضى مصر وسوريا.
من الصعب متابعة سيرة أحمد فؤاد نجم من دون الدخول فى تفاصيل أحداث حياته التى قضاها فى المعارك التى كانت تنقله من سجن إلى سجن، حتى لتكاد أيام سجنه وتبعاتها تطغى على سنوات حياته العاصفة.
يشكل ديوانه الأول صور من الحياة والسجن البداية الحقيقية لنضج مواقفه ورؤاه من القضايا الاجتماعية والسياسية التى كانت تعيشها مصر. يقول نجم فى حديثه المشار إليه آنفاً ... كنت فى السجن قادراً على اكتشاف أحشاء المجتمع.. وكنت أجاهد لإخراج هذا كله إلى العالم الذى ننعزل عنه بحكم وضعنا فى السجن. ويقول فى قصيدة فلاح يخاطب إقطاعياً:
الحرير اللى انت نايم فيه بتاعي
واللى غازل كل فتله فيه صباعي
والنعيم الى انت عايش تحت ظله
كل ده من صنع ايدى .. من ذراعى
كبر اسم نجم بعد تعرّفه إلى الشيخ إمام فى أوائل ستينيات القرن الماضى. وكبرت معهما الظاهرة التى حملت اسمهما. وترافق ذلك مع أحداث سياسية واجتماعية كبيرة فى مصر وفى العالم العربى وعلى النطاق العالمى. عبّرت عن تلك الحقبة، التى امتدت إلى عقد السبعينيات كله وقسم من الثمانينيات، قبل أن ينشب الخلاف بينهما لفترة من الزمن، مجموعة من قصائد نجم بتلحين وغناء الشيخ إمام، انتشرت بسرعة فائقة فى كل الاتجاهات. كان من بين تلك القصائد واحدة ترثى القائد الثورى الشهيد غيفارا، وأخرى ترثى الشاعر الشهيد بابلو نيرودا، وثالثة ترثى القائد الشيوعى الفيتنامى هوشى منه. وكانت تلك القصائد تعبّر عن موقف ثورى متقدم ومتفجر لدى كل من نجم وإمام بالمعنى الوطنى وبالمعنى الأممى على حد سواء. كما كانت قصيدته فى استقبال كل من الرئيس الفرنسى جيسكار ديستان والرئيس الأمريكى نيكسون من بين تلك القصائد التى انتشرت فى جهات العالم الأربع. وكانت هاتان القصيدتان رداً سياسياً بليغاً على سياسة السادات وتعبيراً ناضجاً عن موقف نجم من الأحداث السياسية التى كانت تشهدها مصر، وكان يشهدها العالم العربى فى تلك الحقبة.
إلا أن قصيدة بقرة حاحا كانت تعبّر عن موقف اجتماعى نقدى للطبقة الاجتماعية السائدة والنظام السياسى بكامله. يقول نجم فى هذه القصيدة:
ناح النواح والنواحة
على بقرة حاحا النطاحة
فى حين أن قصيدة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة تعبّر عن نقد سياسى للشعارات التى تعلن من دون أن تقترن بالأفعال المطابقة لها. يقول فى هذه القصيدة:
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
كل الجهود كل الزنود للمعركة
ألحان جنان تعزف نشيد المعركة
وكمان لجان عشان عيون المعركة
سلام يا ود للست مع معركة
وكمان سلام لأهل بيت المعركة
سلام يا جدع
لم ينتم نجم سياسياً إلى أى من الأحزاب المصرية. لكنه تعرّف إلى الشيوعيين فى مطالع شبابه، فى السجن وفى أماكن أخري. وصار يعتبر نفسه يسارياً من دون أن ينتمى إلى أى من أحزاب اليسار. وكان فى معاركه السياسية والاجتماعية على صلة دائمة بالطلاب وبحركاتهم التى كانت قد بدأت بالظهور والتطور منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، بعد هزيمة حزيران. وحفلت أعوام السبعينيات والثمانينيات بانغماسه فى تلك الحركات التى كانت تقوده فى كل مرة إلى سجن من سجون مصر التى عرفها جميعها، وعاش أجواءها، وتعرّف إلى أنماط التعذيب فيها التى ظلّت بعض آثارها ظاهرة على جسده، شاهدة على معاناته ومعاناة من ذاق طعم السجون من أمثاله.
تعرّفت إلى نجم والشيخ إمام فى عام 1974 عندما كنت أزور مصر مع زوجتى تلبية لدعوة وجهها إليّ خالد محيى الدين باسم حركة السلم المصرية. عرّفنى إلى نجم الكاتب المصرى لطفى الخولي، الذى أقام فى منزله سهرة جمعنى فيها بعدد كبير من المثقفين، وغنى فيها الشيخ إمام روائع من أشعار نجم. قادنى نجم قبيل تلك السهرة إلى منزل فى السيدة زينب بالقرب من الجامع الأزهر، ليجمعنى بالشيخ إمام. لم أعرف إذا كان ذلك المنزل منزله أم منزل الشيخ إمام أم منزل محمد على رفيق الشيخ إمام فى الأغاني. كان ينتظرنى هناك الشيخ إمام والفنان محمد علي. أراد نجم فى ذلك اللقاء أن يعرّف الشيخ إمام بى وبما أمثل، قبل أن يذهب إلى تلك السهرة الجميلة التى أقامها لطفى فى منزله مع ذلك العدد الجميل من ال مثقفين الديمقراطيين. كان اللقاء بسيطاً. قدمت للشيخ إمام بقليل من الكلام بعض ما كان يعتبره نجم ضرورياً أن يعرفه عنى وعن لبنان وعن الشيوعيين اللبنانيين وعن اليسار اللبناني. يومها وجهت إليهما الدعوة للمشاركة فى احتفالات الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب الشيوعى اللبناني. لكنهما لم يحصلا على الإذن للخروج من مصر.
كان ذلك اللقاء الأول مع نجم والشيخ إمام بداية علاقة استمرت طويلاً.. ظل أحمد فؤاد نجم على امتداد حياته، وفى الأزمنة اللاحقة، شاعراً كبيراً، شاعراً يكمل مسيرته فى صورة مختلفة عمن سبقه إليه من شعراء كبار مثل بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين. ورغم بعض تقلباته السياسية فى بعض مراحل حياته، التى قادته إلى مواقف متناقضة مع سيرته، فإن شعره ظل هو ذاته بصفاته وبالروح النقدية وبالنفس الثورى من دون أى تبديل. لذلك فهو إذ رحل فى نهاية العام الثالث للثورة المصرية فإن من الانصاف القول بأن نجم بشعره والشيخ إمام بصوته قد أسهما منفردين ومجتمعين فى خلق الشروط التى هيأت لإنفجار الثورة. لذلك من حقهما على الشعب المصرى وعلى ثورتى 25 يناير و30 يونيو أن يكرماهما منفردين ومجتمعين.

لمزيد من مقالات كريم مروَّة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.