مع افتراض حسن النية فإن الذي تريده واشنطن تحت لافتات الديمقراطية وحقوق الإنسان قد يقترب شكليا من روح الربيع العربي ولكنه- فعليا- يبتعد كثيرا عما تطمح إليه شعوب الأمة التي بدأت تتحرك بجدية للخلاص من بؤر الاستبداد التي تعوق الحركة نحو إمكان بدء بناء ديمقراطية حقيقية توفر الحرية والكرامة للمواطنين, وتضمن بناء القدرة الذاتية لحماية السيادة الوطنية والاستقلال السياسي من خلال منظومة علمية للتنمية والتحرر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. أريد أن أقول بوضوح: إن أغلب القوي الوطنية في هذه الأمة يعلمون تمام العلم أن ما تروج له واشنطن من وعود للتنمية والتغيير الديمقراطي ليس سوي غطاء لتمرير أهداف ومقاصد الهيمنة علي المنطقة, والاستئثار بثرواتها, مع إبقاء شعوب وكيانات الأمة كمجتمعات ضعيفة تتستر فقط برداء من حرية شكلية توفر أنسب الأجواء لضمان استمرار التبعية لأمريكا من ناحية, وتحقيق التفوق المطلق لإسرائيل علي كل الدول العربية مجتمعة من ناحية أخري. وإذا كانت بعض الأصوات في دوائر الثقافة العربية قد ارتضت- بوعي أو بغير وعي- أن تبلع الطعم- مرة أخري وأن تكرر نفس خطيئتها إبان غزو أمريكا للعراق- فإن الأمل والرجاء في القاعدة الأوسع من غالبية المثقفين والمفكرين العرب الذين يدركون- بحكم التجربة- أن الذي يحرك السياسة الأمريكية, ويصنع مواقفها هو المصالح وليست المبادئ والقيم الديمقراطية فالمصالح أساس ثابت وراسخ في الاستراتيجية الأمريكية, أما المبادئ والقيم الديمقراطية, فهي مجرد هوامش قابلة للتعديل وللحذف وللإضافة وفقا لحسابات المصالح فقط. ومع أنني أسلم- ومعي كثيرون- بأنه ليس يعيب الديمقراطية أن ترفع أمريكا راية الدفاع عنها والتحدث باسمها, إلا أن المحظور الوحيد هو أن يسلم البعض بحق أمريكا في اختراق مجتمعاتنا بالتمويل والتحريض تحت مسمي جمعيات نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. إن الديمقراطية تمثل ضرورة حيوية لأمتنا ما في ذلك شك, بل إنها ربما تكون السبيل الأمثل لتحقيق تنمية المجتمعات, وتحرير إرادة الشعوب, ولكن ليس بأساليب الاختراق التي تمثل مدخلا غير مقبول يتنافي مع أبسط مبادئ الديمقراطية, وحق الأمم والشعوب في أن تقرر مصائرها بعيدا عن حرارة الضغوط والتهديدات الخارجية. الديمقراطية بالمفهوم الأمريكي ليست فقط غير صالحة لنا وإنما هي أيضا غير مقبولة! خير الكلام: لن تندم أبدا علي التزام الصمت في عصور الثرثرة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله