لو أننا كنّا كغُصنيْ شجرة الشمسُ أرضعتْ عروقَنا معا والفجرُ روّانا نديً معا ثم اصطبغنا خضرةً مزدهرة حين استطلنا فاعتنقنا أذرُعا وفى الربيع نكتسى ثيابَنا الملوّنة وفى الخريف، نخلعُ الثيابَ، نعرَى بدَنَا ونستحمُّ فى الشتا، يدفئنا حُنوُّنا! لو أننا كنا بشطّ البحر موجتينْ صُفِّيتا من الرمال والمحارْ تُوّجتا سبيكةً من النهار والزبدْ أَسلمتا العِنانَ للتيّارْ يدفعُنا من مهدنا للحْدِنا معا فى مشيةٍ راقصةٍ مدندنة تشربُنا سحابةٌ رقيقة تذوب تحت ثغر شمسٍ حلوة رفيقة ثم نعودُ موجتين توأمينْ أسلمتا العنان للتيّارْ فى دورة إلى الأبدْ من البحار للسماءْ من السماء للبحارْ ! لو أننا كنا بخَيْمتين جارتينْ من شرفةٍ واحدةٍ مطلعُنا فى غيمةٍ واحدةٍ مضجعُنا نضيء للعشّاق وحدهم وللمسافرينْ نحو ديارِ العشقِ والمحبّة وللحزانى الساهرين الحافظين مَوثق الأحّبة وحين يأفلُ الزمانُ يا حبيبتى يدركُنا الأفولْ وينطفى غرامُنا الطويل بانطفائنا يبعثنا الإلهُ فى مسارب الجِنان دُرّتينْ بين حصيً كثيرْ وقد يرانا مَلَكٌ إذ يعبر السبيلْ فينحني، حين نشدّ عينَهُ إلى صفائنا يلقطنا، يمسحنا فى ريشه، يعجبُه بريقُنا يرشقنا فى المفرق الطهورْ ! لو أننا كنّا جناحيْ نورسٍ رقيقْ وناعمٍ، لا يبرحُ المضيقْ مُحلّقٍ على ذؤابات السُّفنْ يبشّر الملاحَ بالوصولْ ويوقظ الحنينَ للأحباب والوطنْ منقاره يقتاتُ بالنسيمْ ويرتوى من عَرَقِ الغيومْ وحينما يُجنّ ليلُ البحرِ يطوينا معاً.. معا ثم ينام فوق قِلْعِ مركبٍ قديمْ يؤانس البحّارةَ الذين أُرهقوا بغربة الديارْ ويؤنسون خوفَهُ وحيرتهْ بالشدوِ والأشعارْ والنفخ فى المزمار..ْ لو أننا لو أننا وآهِ من قسوةِ «لو» يا فتنتي، إذا افتتحنا بالمُنى كلامَنا لكنّنا.. وآهِ من قسوتها «لكننا«!» لأنها تقول فى حروفها الملفوفةِ المشتبكه بأننا نُنكرُ ما خلّفتِ الأيامُ فى نفوسنا نودُّ لو نخلعهُ نودُّ لو ننساه نودّ لو نُعيده لرحمِ الحياة لكننى يا فتنتى مُجرِّبٌ قعيدْ على رصيف عالمٍ يموج بالتخليطِ والقِمامة كونٍ خلا من الوَسامة أكسبنى التعتيمَ والجهامة حين سقطتُ فوقه فى مطلع الصِّبا قد كنتُ فى ما فات من أيّامْ يا فتنتى محارباً صلباً، وفارساً هُمامْ من قبل أن تدوس فى فؤاديَ الأقدامْ من قبل أن تجلدنى الشموسُ والصقيعْ لكى تُذلَّ كبريائيَ الرفيعْ كنتُ أعيش فى ربيع خالدٍ، أيَّ ربيعْ وكنتُ إنْ بكيتُ هزّنى البكاءْ وكنتُ عندما أحسُّ بالرثاءْ للبؤساء الضعفاءْ أودُّ لو أطعمتُهم من قلبيَ الوجيعْ وكنتُ عندما أرى المحيَّرين الضائعينْ التائهينَ فى الظلامْ أودُّ لو يُحرقنى ضياعُهم، أودُّ لو أُضيءْ وكنتُ إنْ ضحكتُ صافياً، كأننى غديرْ يفترُّ عن ظلّ النجومِ وجههُ الوضيءْ ماذا جرى للفارس الهمامْ؟ انخلع القلبُ، وولَّى هارباً بلا زِمامْ وانكسرتْ قوادمُ الأحلامْ يا من يدلُّ خطوتى على طريقِ الدمعةِ البريئة! يا من يدلُّ خطوتى على طريقِ الضحكةِ البريئة! لكَ السلامْ لكَ السلامْ أُعطيكَ ما أعطتنيَ الدنيا من التجريب والمهارة لقاءَ يومٍ واحدٍ من البكاره لا، ليس غيرَ «أنتِ» من يُعيدُنى للفارسِ القديمْ دونَ ثمنْ دون حسابِ الربحِ والخسارة صافيةً أراكِ يا حبيبتى كأنما كبرتِ خارجَ الزمانْ وحينما التقينا يا حبيبتى أيقنتُ أننا مفترقانْ وأننى سوف أظلُّ واقفاً بلا مكانْ لو لم يُعدنى حبُّكِ الرقيقُ للطهارة فنعرفُ الحبَّ كغصنيْ شجرة كنجمتين جارتينْ كموجتين توأمينْ مثل جناحَيْ نورسٍ رقيقْ عندئذٍ لا نفترقْ يضمُّنا معاً طريقْ يضمّنا معاً طريقْ .