ماذا نعنى بشعر المقاومة.. إذا كان المقصود هو تحشيد الجمهور بمواجهة عدو خارجى فإنّ هذا النوع من القصائد اندثر او يكاد يغيب تماما. هذا النوع من الشعر ظهر فى فترة ما قبل وبعد ظهور دول الاستقلال ووصل قمته فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى فى كل القارات التى كانت مستعبدة للغرب. آنذاك كانت لقصيدة المقاومة جمهور ونخب تتداولها وتقوم بنشرها وترويجها. أما عدونا الراهن ،فهو، بالدرجة الرئيسية ، عدو داخلي، متوحش متخلف وشرس يصعب توصيفه ومعرفة خلفياته لتشابك أهداف صنّاعه وريبتها...بمقابل جماهير مغيّبه يطحنها الفقر والمرض والأمية والقهر السياسي، ونخب مخذولة مسحوقة أضاعت بوصلتها الفكرية والاخلاقية. ولهذا لا تجد قصائد المقاومة المتعارف عليها، فى وسط كهذا يعيش محنة خانقة، صدى لها. لكن هذا لا يعنى غياب حسّ المقاومة عن القصيدة العربية الراهنة تماما، إذا ما فهمنا بها الرفض ونقد المتداول والمعاش والمقبول. يمكنك أن تجد ذلك مبثوثا فى قصائد صلاح فائق، حميد العقابي، جمال القصاص،سوزان إبراهيم ، قحطان جاسم، سميح درويش ، أفياء الأسدى ، عبدالكريم كاظم، وديع سعادة ، سعدى يوسف، سلام دواي، والعديد من الشاعرات و الشعراء الآخرين الذين يضيق المجال عن ذكرهم. إلاّ أنها مقاومة من نوع مختلف. مقاومة تتوجه للقاريء الفرد باعتباره إنسانا-ذاتا ضد مشاريع تحويله الى قطيع وتغييبه فى الحشد والجمهور. وهى تسعى للارتقاء به وليس النزول الى انحطاطه ومغازلة غبائه وانهزاميته او تجييشه. إنها مقاومة تنحو الى طرح أسئلة مفكّرة لم يتعود عليها الجمهور عن الله والوجود والطبيعة والإنسان، يسعى عبرها الشعراء، كلّ بطريقته الخاصة لإيقاظ ذاتية الفرد ، وليس الحشد، ووضعه أمام نفسه، ومساءلته عن موقفه الأنسانى والأخلاقى والوجودي.