هذا ليس فعل أمر، وإنما هو فعل تأكيد لواقع والعود إليه، فما يجب أن نتنبه إليه الآن أن نشير إلى هذه «المشترك» الذى يجمع بين أبناء الأمة العربية كلها، ففى حين يتمزق هذا العالم بعد »سايكس بيكو« فى بدايات القرن العشرين إلى أقطار عديدة، يسعى الغرب الصهيونى، أو الامبريالى فى الغرب إلى إعادة تقسيم المقسم، تغليب النزعات الداخلية لدى العديد من أبناء المنطقة من المحيط الأطلنطى إلى الخليج العربى، والسعى إلى التنبه إلى تمزيق »الهوية« التى تجمعنا جميعا فى السعى لمعرفة الفسيفساء التى ترسم جغرافيا المنطقة، وقبل هذا كله تسعى الجماعات والنزاعات الداخلية كجماعة الإخوان إلى تغليب بواعث التخلف والاختلاف لتمزيق النسيج الوطنى والهوية الثقافية فى الداخل..إن ما يحدث فى مصر اليوم يجاوز أزمة الهوية السياسية إلى الهوية الثقافية، وهى أزمة يتردد صداها فى الخارج أكثر من الداخل، وما يحدث على المستوى السياسى لا يمكن تجاوزه دون التنبه إلى ما يحدث على المستوى الثقافى،. وهو ما يخرج بنا من غياب الهوية الثقافية فى الداخل إلى غياب مفهوم المؤامرة التى تحاك ضدنا ونسهم نحن أكثر من الخارج فى إشعالها. إننا لنقترب أكثر من الظاهرة ظاهرة التصادم والتلاسن العاتية لابد وأن نشير من القارئ الأمين إلى هذه الفوضى التى تعرف فى أدبيات الغرب ومراكز أبحاثه المعاصرة بأنها الفوضى غير »الخلاقة«، وهو الأثر الذى تتركه مثل هذه الفوضى فى اضطراباتها وآثارها، فتنتج لنا شيئا من التخبط الذى يمتد ليصل بعد الفوضى إلى تركيب جديد وإلى واقع جديد.. . لا نحتاج لجهد كبير لنلاحظ ونحن ننظر إلى المحيط البعيد فى جغرافيا الواقع السياسى المعاصر بعض هذه الظواهر الدالة فى مصر وخارجها. النوبيون غاضبون، نستطيع هنا أن نتمهل عند منطقة كالنوبة داخل مصر، فنعثر فيها على خيوط عديدة من هذا النسيج المترامى بين مجموعة منها لا تتحدث النوبية وإنما عربية الجزيرة العربية، وأخرى الكنوز تضيف إلى العربية صفات نوبية، وثالثة الفجدات من عائلات «الكشاف» تعود إلى أصول تركية، ويمكن أن نرصد فيها لمجموعة أخرى عائلات »الشاويشاب «القائمقاب»، الأكثر من هذا يمكن أن نعثر فى هذا كله على مجموعة أخرى »المجراب« تعود أصولها الأخرى إلى المجر، وأذربيجان، إلى غير ذلك .إنها خارطة يؤكدها الواقع الذى يقرر فى السياق الأخير أن كل هذه المجموعات تنتمى اليوم إلى هوية واحدة هى هوية المنطقة، وثقافة واحدة هى ثقافة هذه الهوية الثقافة التى ترتبط معه بعديد من أفراد المنطقة العربية. السينائيون أو أهلنا من بدو سينا الغاضبون أبدا من العديد من عروض الهوان والتجاهل التى عرفوها فإذا هبطنا أكثر إلى الجنوب، لعثرنا فى السودان على: البجاو الهوسا، والنوبيين، والفور، وشعوب صحراوية، والعديد من القبائل النيلية وشبه النيلية ثم البانتو والوثنيين والمسيحيين.. فإذا عبرنا إلى الشرق على سبيل المثال وتوقفنا عند بلد كالعراق، لعثرنا على المسلمين المعاصرين الذين ينتموا إلى أصول شتى، والمسيحيين غير العرب والصائبة المندائيون فضلا عن الأكراد والإيرانيين والتركمان.. إلى غير ذلك من الفئات التى تحمل التعدد، ولكنها تحمل التحدد أكثر عند الهوية الثقافية. وعبورا من البحث عن الهوية الثقافية، يظل هو البحث عن مدنية الدولة بعيدا عن الفهم الخاطئ لعديد من المواد التى وضعت بالفعل فى دستور 2102 خاصة كالمواد 3 و13 و86 و031 و402 و222 إلى غير ذلك من المواد التى لا تمنح وعيا كافيا للدولة المدنية بعيدا عن الفهم السنى أو الشيعى الذى يتعارض أحيانا مع مبادئ الشريعة، ودائما مع الوعى بالهوية الثقافية التى يجب أن تمنح لأبناء المنطقة وليس لأجناسها أو أخلاطها. إن هذه الوحدة التى يجب أن نلاحظها فى مواد الدستور وفلسفته ليس تمهلا عند الإسكندرية وسيوة وحسب، وإنما مروا بالمنطقة التى تنتمى إليها أو تنتمى إلينا فيما يمكن أن نقول معه إننا نسعى لإنجاز دستور حضارى وهو ما يمكن أن نقول معه دستور يحوى »الهوية الثقافية« وأسرارها. لمزيد من مقالات د.مصطفى عبدالغنى