لقد سبق الإسلام دين الله للعالمين كل النظريات الوضعية في تأسيس قواعد العدل الاجتماعي في المجتمع ووضع النظرية العامة المنبثقة من القرآن الكريم والسنة النبوية, وبذلك أصبحت العدالة الاجتماعية دينا يتعبد المؤمن بتنفيذها ذلك أن أوامر القرآن الكريم وأقوال النبي الأمين صلي الله عليه وسلم واجبة الاتباع يثاب عليها المسلم قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين.[ آل عمران:31 32]. وتقوم العدالة الاجتماعية في الإسلام علي قواعد منها: * أن المال الذي في أيدينا هو ملك لله سبحانه وتعالي ونحن مستخلفون فيه ومؤدي ذلك أن يتبع المستخلف تعليمات صاحب المال في طريقة كسبه وأحل الله البيع وحرم الربوا[ البقرة:275]. وإنفاقه حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لاتزولا قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع من بينها ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه. تحريم الاحتكار ومسئولية المجتمع عن الجائعين. فعن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم من أحتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالي وبرئ الله تعالي منه وأيما أهل عرصة[ حي] أصبح فيهم أمرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله تعالي[ مسند أحمد], هذه الأحاديث النبوية تحكم المسئولية الاجتماعية الدينية للتجار وتنهاهم عن إحتكار القوت الضروري وحجبه عن الناس طمعا في زيادة الربح ورتب علي هذه الجريمة جزاء أخرويا قاسيا وهو براءة الله من المحتكرين لأقوات الناس وجزاء دنيويا هو المسئولية المدنية عن الجائع كما أفتي ابن حزم وغيره من العلماء بأنه إذا مات رجل جوعا في بلد اعتبر أهله كلهم قتله وأخذت منهم دية القتيل. * الزكاة, فهي حق واجب علي المسلم باعتبارها إحدي الوسائل التي تحقق العدالة الاجتماعية في المجتمع. وقال تعالي: قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون[ المؤمنون:1 4]. * الصدقة.. لقد وسع الإسلام دائرة التكافل الاجتماعي بالإكثار من الصدقة فقد أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يؤخذ من قوم أذنبوا واعترفوا بذنوبهم قسطا من المال ينفق في أوجه البر تطهيرا لهم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم.[ التوبة:103]. وجاء في الحديث القدسي( يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي), وهكذا أنشأ الإسلام نظاما فريدا من نوعه لم تعرفه البشرية في تاريخها الطويل بأن مزج الأعمال الخيرية بالدين ذلك أن المسلم الحق إذا خوطب باسم الدين لفعل الخير سوف يأبي هذا النداء سريعا خشية من الله وطمعا في نيل ثوابه وخوفا من عقابه ولو أنك خاطبته بمسميات أخري مهما كان بريقها فلن تجد إلا التواني والتردد لأن المسلم الحق يفعل الخير ويخفيه لا يريد جاها أو يطمع في منصب دنيوي إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا[ الإنسان:9]. هذا وقد نهي الإسلام عن الترف والتبذير ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا[ الإسراء:25 27] ذلك أن الترف يفضي الي تبديد ثروة المجتمع فضلا عن ذلك فإن الطبقات المترفة قد تكون مصدر فساد في المجتمع الاسلامي لأنها تبدد المال ذات اليمين وذات اليسار غير عابئة بأمر الله ونواهيه في الانفاق وقد توجد طبقة بائسة لها في هذا المال نصيب. إن الطبقة المترفة مصدر فساد عريض ومثار فتن في المجتمع لأنها بثرائها الفاحش تستطيع أن تشتري الذمم الخربة والنفوس الضعيفة وتتحكم في مقدرات المجتمع, كما أن الثراء الفاحش يكون سببا للطغيان والتكبر كلا إن الإنسان ليطغي. أن رءاه استغني[ العلق:67]. إن مراعاة وسائل الكسب والانفاق التي حددتها الشريعة الإسلامية من شأنها أن تفرز مجتمعا متوازنا في ثرواته فلا ثراء فاحش ولا فقر متقع كما وسع الإسلام من دائرة الانفاق الشرعي علي نحو يدعم التوازن في المجتمع الإسلامي ويحول دون تكدس الثروة في طائفة دون أخري لأن ذلك مدعاة الي الترف الذين يفضي الي الطغيان والفسق وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا[ الإسراء:16]. إن الثروة إذا كانت في يد امرئ لا يقف عند حدود الله سوف تؤدي به الي مستنقع الشهوات غير المشروعة والرذائل المذمومة والجرائم المنكرة. إن قيام التكافل الاجتماعي في الإسلام مسئولية الفرد والمجتمع والحكومة فإذا تضافرت مع كل ذلك أجهزة الإعلام بتوعية أفراد المجتمع بقيم الإسلام الاجتماعية سوف تجد من الشعب آذانا صاغية لأن نداء الدين يحرك القلوب والنفوس وهو أقرب الي الاستجابة من أي دعوة أخري.