مصير نداء العصيان المدني هو الفشل الذريع. أقول هذا ليس فقط لأنه مرفوض مسبقا من أغلبية القوي الوطنية والحزبية والنقابية, ومرفوض علي لسان فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر, وفضيلة مفتي الديار المصرية, وصاحب الغبطة الأنبا شنودة الثالث. وإنما لأن هذا النداء النشاز مرفوض بالأساس من السواد الأعظم من المصريين, ولأن الداعين إليه هو تجمع من الفاشلين ومن شلة الممولين, ومن الكارهين للمؤسسات النيابية المنتخبة وعلي رأسها مجلس الشعب, ومن المحرضين علي إثارة القلاقل والاضطرابات استجابة لنداءات معادية لأمن مصر واستقرارها, ومن الموتورين من فلول النظام السابق, ومن الفوضويين الذين يتخفون تحت شعارات الثورة وهم قد تلقوا أموالا وتدريبات وتعليمات علي إثارة الفوضي من جهات أجنبية باتت معلومة, وقد فقدوا صوابهم بعد أن تم تحويلهم للمحاكمة, وبعد أن افتضحت مصادر تمويلهم,وانكشفت جوانب من مخططاتهم لتدمير مصر وتقسيمها وإسقاطها في الفوضي. وليس غريبا أن يفقدوا صوابهم مادام في مصر فرسان وطنيون وما أكثرهم والحمد لله من الذين يعملون في محراب العدالة من أمثال المستشار أشرف العشماوي والمستشار سامح أبوزيد اللذين باشرا التحقيقات في قضية التمويل الأجنبي. وليس غريبا أن يفقد دعاة العصيان صوابهم عندما أعلنت مصر علي لسان رئيس وزرائها كمال الجنزوري أن مصر لن تركع ولن تخضع, ولن تغير موقفها في قضية التمويل الأجنبي ردا علي الضغوط الأمريكية من أجل حماية المتورطين في هذه القضية. ولم يعد خافيا اليوم أن هناك كثيرا من مراكز التدريب والتأهيل ومصادر التمويل والدعم التي تجهر بأهدافها في نشر الفوضي وتمكين قوي غير شعبية موالية لها من القفز إلي السلطة وكبح الإرادة الشعبية الحرة عن استكمال تحقيق أهداف الثورة. ومن أشهر هذه المراكز: مركز ألبرت أنشتاين ومركز كانفاس لدراسات اللاعنف في جمهورية صربيا, وأكاديمية التغيير القطرية وكلها تعمل تحت إشراف خبراء أمريكان ويمولها رجال أعمال صهاينة من أجل تدريب الذين يخرجون علينا في الفضائيات ويسمون أنفسهم نشطاء سياسيين وكأنها وظيفة جديدة يدربونهم علي كيفية نشر تكتيكات العصيان والفوضي تحت ستار التغيير والمطالبة بالإصلاح. المعلومات المنشورة علي مواقع تلك المؤسسات وغيرها من الهيئات البحثية تؤكد أن مركز ألبرت أنشتاين في صربيا مرتبط بالكولنيل روبرت هالفي وهو خبير سابق بالجيش الأمريكي, ومرتبط مع بيتر أكيرمان المليادير الصهيوني صاحب الاستثمارات الهائلة في وول ستريت, وهو الممول الرئيسي للنشاطات التي يقوم بها جين شارب وهو بدوره أحد أكبر الخبراء الأمريكيين فيما يسمونه الأعمال القذرة (DirtyWarks) ومنها تدريب مجموعات من الشباب المتمرد علي أعمال العصيان ونشر الفوضي. وجين شارب هذا هو نفسه الذي أشرف في سنة 2002 علي تكوين ما سمي المجلس الوطني العراقي الذي كان يتأهب لمرافقة قوات الغزو الامريكي للعراق في أبريل سنة 2003 وثمة علاقات وثيقة مع كل هؤلاء والمياردير جورج سورس الصهيوني, وهو الممول الرئيسي لمؤسسة فريدم هاوس المقدمة للقضاء ضمن المتهمين في قضية التمويل الأجنبي في مصر حاليا. إذا ضممنا هذه المعلومات إلي ما سبق نشره علي لسان أحد أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة بشأن التدريبات التي تلقاها بعض الشباب المنتسبين للقوي الثورية في صربيا, فسوف تتبين لنا جوانب من خلفيات الدعوة إلي العصيان المدني وسوف تتضح لنا جوانب أخري من المخاطر التي تنطوي عليها هذه الدعوة من أمثال هؤلاء من تجمع الفاشلين والممولين في هذا التوقيت بالذات, وتحت ضغوط تمارسها أمريكا دفاعا عن انتهاكها للسيادة المصرية. العصيان المدني حق مشروع نعم, ولكن التعسف والعبث في استعمال الحق هو عمل غير مشروع كذلك, وما نراه اليوم هو نداء من أجل عصيان عبثي وليس عصيانا مدنيا مقبولا من السواد الأعظم علي الإطلاق, وأكبر وأبلغ دليل علي ذلك هو إعلان العاملين بأعلي صوتهم في كثير من قطاعات الدولة رفض هذه الدعوة المسمومة, بل وبعضهم أعلن التبرع بيوم عمل دون مقابل مثل عمال البترول بمدينة السويس الباسلة, وكثيرون غيرهم قرروا قطع إجازاتهم والعودة للعمل تطوعا تلبية لنداء العقل والمصلحة الوطنية, هذا إلي جانب أن أغلبية الكوادر المهنية العاملة في المرافق الحيوية مثل قطاعات المياه, والمواصلات, والكهرباء, والبنوك, والتعليم, والمستشفيات, والجمارك, ومصلحة الضرائب, لم يستجيبوا لنداء هذا العصيان العبثي. حقائق الواقع اليوم تقول إن مصر شهدت تغييرات لا يمكن إنكارها أو التقليل من أهميتها, مصر اليوم فيها برلمان جاء نتيجة انتخابات حرة ونزيهة شارك فيها ثلاثون مليونا عبروا عن الإرادة العامة للمصريين, وليس هناك مقياس أقوي ولا أصدق من هذا المقياس لمعرفة اتجاه الإرادة الشعبية العامة للمصريين. وليس من المعقول أن الذين اختاروا هذا البرلمان بمحض إرادتهم قبل بضعة أشهر, سينقلبون علي أنفسهم اليوم, ويستجيبون لنداء العصيان العبثي من أجل سواد عيون مجموعات فاشلة, من ذوي الأجندات الأجنبية, ومن مثيري الشغب والبلطجية الذين يريدون إسقاط هيبة الدولة وإشاعة الفوضي في البلاد لمصلحة أسيادهم وقوي الدولة العميقة التي تحركهم في الداخل والخارج. حقائق اليوم تقول أيضا إن هذا البرلمان الحر هو إنجاز تاريخي للشعب المصري بكل أطيافه, وأن جلساته في أسابيعه الأولي تبشر بكثير من الخير للمصريين, وأنه ماض في سبيل تحقيق آمال وطموحات السواد الأعظم في الاستقرار والعيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية. وأنه قادر علي استيعاب الحركات البهلوانية والمواقف العبثية التي تبدر هنا وهناك سواء كانت داخل قاعة المجلس, أم خارجها. حقائق اليوم تقول أيضا إن نداء العصيان المدني لا يستند الي منطق سليم, ولا ينطق من غايات واضحة, فالمطالب التي يتعلل بها أصحاب هذا النداء هي مزايدة علي مواقف البرلمان الذي طالب بكل قوة في أولي جلساته المجلس العسكري أن يسرع في تسليم السلطة والعودة الي ثكناته. والمجلس الأعلي للقوات المسلحة ذاته أعلن مرارا وتكرارا أنه سيسلم السلطة في موعد غايته نهاية يونيو من هذا العام, كما أعلن فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة يوم 10 مارس المقبل, وإضافة إلي هذا كله, فإنه ليس بوسع أي من أنصار العصيان بحجة تطهير وزارة الداخلية أن يزايد علي موقف الأغلبية البرلمانية الداعي لتمكين هذه الوزارة من استرداد هيبتها وتطبيق القانون بكل حزم. فهؤلاء الداعون للعصيان العبثي لم يلقوا من عنت وأذي وزارة الداخلية في عهد المخلوع معشار ما لقيته منها هذه الأغلبية من نواب الأحزاب الاسلامية بصفة خاصة. ولهذا أقول إن نداء العصيان العبثي هذا ليس إلا محاولة جديدة في مسلسل محاولات السطو علي الإرادة الشعبية. وستفشل هذه المحاولة كما فشلت محاولات سابقة. ستفشل كما فشلت محاولة عرقلة إجراء الانتخابات بالترويع والتخويف بأنها ستشهد بحورا من الدماء, ثم جاءت آمنة وسالمة ومتحضرة بفضل وعي المصريين وحبهم لوطنهم. وستفشل كما فشلت محاولات التشكيك في نتائج الانتخابات بعد أن اكتشفت كل قوة حجمها الطبيعي في الشارع السياسي فرضي من رضي وأبي من أبي. وستفشل كما فشلت محاولات التحرش بقوات الجيش وجرها الي مصادمات دموية تشيع حالة من انعدام الثقة في المدرسة الكبري للوطنية المصرية العريقة منذ تأسيس مصر الحديثة قبل مائتي عام, وستفشل كما فشلت محاولات متكررة لإشاعة الفوضي في البلاد بالاعتداء علي وزارة الداخلية ومديريات الأمن وأقسام الشرطة بهدف إشاعة الفوضي وتسميم المناخ السياسي الذي يعمل في البرلمان المنتخب بارتكاب أعمال إجرامية مثلما حدث أخيرا في استاد بورسعيد وفي محيط وزارة الداخلية. يتوهم الذين وجهوا نداء العصيان العبثي أن مصر لا تزال تعيش المناخ نفسه الذي عاشته قبل ثورة يناير, ولهذا فهم يتوهمون أيضا أن السواد الأعظم للمصريين سيلبي هذا النداء بالطريقة نفسها التي لبي بها نداء الثورة علي النظام الزائل, وهذا محض وهم لا ظل له من حقائق الواقع اليوم. ولا ينتظرهم سوي الفشل الذريع, وستمضي الإرادة الشعبية بمشيئة الله في طريقها نحو المستقبل لاستكمال أهداف الثورة وحماية مكتسباتها. المزيد من مقالات د.ابراهيم البيومى غانم