جاء سيناريو عملية الإصدار والترويج لتقارير المنظمات الحقوقية الدولية حول بعض القضايا العالمية وفى مقدمتها القضايا المتصلة بأوضاع الداخل المصرى «رديئا» و«سيىء الصنع» من إنتاج عواصم غربية لا تفرغ جعبتها من الحيل والمكائد, وتحمل فى طياتها تراثا استعماريا استعلائيا يريد أن يحدد للآخر من شعوب العالم المعايير والمحددات التى عليهم أن يتبنوها أو يلتزموا بها لو أرادوا علاقات جيدة مع الدول الكبرى التى تمسك بزمام السياسة الدولية. جاء هذا السيناريو ليمثل حالة انكشاف جديدة لأحد المكونات الدولية لهيئة مستثمرى دماء شهداء 25 يناير من الشباب الذين خرجوا من أجل وطن تسوده الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، بعدما تعرضت جماعة الإخوان وتيارات سياسية محليا، وقطر وتركيا وحركة حماس إقليميا، والولايات المتحدة وأطراف غربية دوليا، للانكشاف عندما خرج الشعب المصرى فى 30 يونيو ليرد الاعتبار لشهداء 25 يناير وينهى مظهراً بائسا من مظاهر خيانة الدم. فى غمرة ما جرى من مسئولى منظمة «هيومان رايتس ووتش» فى مطار القاهرة من «شو إعلامى» بهدف تسجيل موقف أن السلطات المصرية ترفض دخولهم خشية إطلاق «تقرير رابعة» من العاصمة المصرية، تبين لنا حجم حالة الانكشاف لمواقف كثيرة على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، حيث لا يتعلق الأمر بحالة تقرير دولى من منظمة ليست فوق مستوى الشبهات فقط ولكنه يتصل بالمربع الذى تقف فيه بعض القوى السياسية فى الداخل وأطراف إقليمية ودولية من الأوضاع فى مصر. فى الوقت نفسه كان الرئيس عبد الفتاح السيسى يخطو بثقة على سلم الطائرة الرئاسية فى مطار منتجع سوتشى الروسى فى أول مقابلة مع الزعيم الروسى فلاديمير بوتين بعد انتخابه رئيسا لمصر حاملاً هموما وآمالا كبيرة لتحقيق تقدم ملموس فى العلاقات مع قوى عالمية مؤثرة بحجم روسيا، وكان الاستقبال لائقا بالرجل ومكانة مصر وبحجم فهم روسيا، ورئيسها للموقف الدقيق الراهن فى مصر والشرق الأوسط، حيث تقف القاهرة وموسكو اليوم بصرامة وحسم أمام موجة عاتية من الرجعية والتخلف والإرهاب الذى يتجاوز بكثير مسألة انتماء أصحابه إلى دين بعينه إلى خلق ظاهرة عالمية مرعبة من الوحشية والدموية لم تحدث فى أحلك العصور التى مرت بها منطقة الشرق الأوسط، وفى تلك الظاهرة عظة وعبرة عن العواصمالغربية التى طالما قدمت الأموال ودفعت بالعتاد والأسلحة لجماعات الإرهاب الدولى على مدى عدة عقود، وها هى اليوم تتظاهر بالجزع والانزعاج الشديد من مشاهد الدم والقتل التى تقف وراءها تلك الجماعات فى سوريا والعراق وليبيا بينما يغط ضمير المسئولين فى تلك العواصم فى نوم عميق وهم يرون آلة الحرب الإسرائيلية تحصد أرواح الآلاف من سكان قطاع غزة على مدى أسابيع. كان السيسى يعيد بناء علاقات مع دول كبرى وقفت إلى جوار مصر فى عملية البناء التى بدأت فى الستينيات وترك التعاون مع روسيا أثرا لا يمحوه الزمن على علاقات راسخة بين بلدين وحضارتين كبيرتين، وكانت هناك قوى فى الداخل والخارج تريد إعادة بناء سيناريوهات الفوضى من جديد وكأنهم لم يكفهم ما جرى فى الأعوام الثلاثة الماضية من ضياع لمقدرات وإزهاق لأرواح الشباب المصرى الطاهر الذى خرج ضد الظلم والفساد وغياب العدالة الاجتماعية فى عهد حسنى مبارك ليجد نفسه أمام شبكة عنكبوتية من المستغلين والمتآمرين والمتاجرين بالأوطان والدماء وهؤلاء لم يردعهم حجم الألم والمعاناة التى تكبدها المصريون فى السنوات الماضية ويسعون مجددا لإعادة إنتاج خطاب الفوضى ممثلا فى تقارير دولية مغرضة ومغلوطة ولا تراعى الحد الأدنى من الموضوعية والتوازن بصورة تجعل من تلك التقارير مجرد ورقة ضغط أو مقدمة لأفعال أكثر حماقة من بعض الدوائر والعواصم التى أعياها موقف الشعب فى 30 يونيو الماضى من رفض لتيار دموى متخلف أراد أن يجر مصر إلى دائرة أوسع من الطائفية والتعصب والانقسام الخطير غير المسبوق. شتان الفارق بين الموقفين السابقين.. رئيس يقود إعادة البناء فى الداخل ويصلح من علاقات مصر الخارجية التى كادت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى مواجهة قوى سياسية ودول تريد أن تطيل أمد القلاقل واعمال التخريب والتدمير تحقيقاً لأهداف وأغراض بعينها ليس فى مقدمتها بالقطع استقرار مصر أو تحقيق شعبها لطفرة فى النمو الاقتصادى وانتعاش أسواقها وتجارتها مع العالم مثلما تسعى السلطة الحالية فى البلاد من خلال باكورة مشروعاتها الكبرى مشروع تنمية منطقة قناة السويس الذى يحمل وعودا كبيرة للمستقبل. الحالة القدرية التى وضعت مصر فى منطقة تتقاطع فيها خيوط التاريخ والجغرافيا هى التى تجعل الشأن المصرى ليس شأنا «محليا» يخصنا وحدنا فقط ولكنه شأن أكبر بكثير من حدود بلدنا يتعداه إلى عواصم تتجمع فيها المصالح المتعارضة من أجل تحقيق أهداف بعينها ولعل ما يجرى من حملات دعائية للترويج للتقارير المروجة للأكاذيب والأباطيل عن الوضع الداخلى فى مصر سواء فى قنوات إعلامية مغرضة أو عبر قنوات سياسية ودبلوماسية تجيد عملية إعادة إنتاج المزاعم والتخاريف التى تخدم مصالحها فقط. ومن أكثر المواقف إيلاما اليوم أن تجد من يقفون مع تلك الجهات المغرضة فى الداخل ومن يسوقون لتلك البضاعة الفاسدة عن أجواء القمع ونهاية الحريات فى مصر الجديدة بينما الغالبية الساحقة من المصريين يشعرون بعرفان كبير لدور جيشهم العظيم فى دعم الثورة الشعبية فى 30 يونيو الماضى ويتذكرون تلك الأيام التاريخية التى جمعت كل الأعمار والفئات وراء هدف واحد وهو إسقاط حكم جماعة إرهابية وضعت قيمة وقامة الوطن تحت أقدامها ولكنها للأسف تجد اليوم نفرا بيننا يحاولون إحياء مشروعهم التخريبى مجددا وهو ما لن يحدث فى ظل حالة عودة الوعى إلى الشعب المصرى وإيمانه أن تجربة عام حكم الإخوان كانت فصلا غير قابل للتكرار وأن ما يجرى حولنا من مآس لشعوب عربية شقيقة وقعت فى براثن تلك الجماعات الدموية هو درس ماثل أمام أعيننا كل يوم على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعى.. كما قلت فى السابق الفارق بين المشهدين عظيم وشديد الاتساع.. هناك من يبنى ويخرج من ركام الجهل والتخلف والفشل شعلة الأمل لشعب كانت نكبته نظامين سياسيين متتاليين مبارك والإخوان قدما أسوأ ما يمكن أن يصل إليه المصريون من تدن فى مستويات التعليم والصحة والخدمات العامة والعدالة الاجتماعية ومعدلات الفساد وانتشار السلبية والانحطاط الاخلاقى فى غيبة مؤسسات الدولة التى عليها اليوم مسئوليات كبيرة لاستعادة حلم بناء مجتمع حديث وعصرى.. المشهد فى منتجع «سوتشى» الروسى حيث وقف الرئيس السيسى إلى جوار نظيره الروسى بوتين يعلنان عن خطوة مهمة فى العبور المشترك نحو المستقبل فى العلاقات الثنائية يؤكد أن مصر تسير بخطى واثقة لبناء دولة حديثة حيث يعرف رئيسها جيدا موطئ قدميه ويعرف أن كل دقيقة اليوم محسوبة من مستقبل الوطن ومن قدرته على توفير مستقبل أفضل لشبابه وهى مهمة ثقيلة لا تحتمل الأبواق المنفلتة والأقلام الرخيصة والتحالفات المشبوهة التى تروج لها عواصم بعينها لتحقيق مآربها فى التوسع والسيطرة فى المنطقة العربية على أشلاء الدول اليوم.. والمشهد الآخر، مشهد منظمات هدم الأوطان بأموال مشبوهة وهو مشهد لا يفرق فى دلالاته عن مشهد من يقوم بحرق برج للكهرباء أو تدمير عربات للشرطة أو الجيش أو تخريب منشأة عامة حيث كل هؤلاء شركاء فى جريمة واحدة وهى السعى حثيثا لدفن مستقبل هذه الأمة تحت شهوات السلطة والخيالات المريضة المسيطرة على عقول البعض فى الداخل والخارج.. -------- دعونا نتشبث بالأمل وطاقة النور التى خرجت من زيارة السيسى الأخيرة لروسيا، فمصر ماضية فى طريقها وهم ماضون إلى غياهب التاريخ! لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام