ليست مصادفة أن تُعقد خلال أقل من شهرين قمتان مصرية سعودية. وإذا كان صحيحا أن القمة الأولى غلب عليها الطابع البروتوكولى رغم ما حملته من دلالات أخرى تعلق بعضها بتوقيت الزيارة للتهنئة بفوزه فى الانتخابات وتمهيدًا لزيارته المرتقبة إلى المملكة، إضافة إلى مناقشتها بعض القضايا الثنائية والإقليمية، إلا انه من الصحيح كذلك أن القمة الثانية كانت أكثر أهمية فيما حملته من دلالات يمكن تسجيلها فى ثلاث ملاحظات على النحو التالى: أولا- لم تكن زيارة الرئيس السيسى إلى المملكة العربية السعودية فجأة، بل كانت من أول الموضوعات المدرجة على جدول زياراته الخارجية، كما صرح بذلك خلال حملته الانتخابية، وهو ما يعكس، يؤكد أن الرئيس يملك رؤية محددة ونظرة مستقبلية تعكس قراءته لما ينوى القيام به، كما أن الزيارة تعكس إدراك القيادة السياسية الجديدة لمكانة ووزن المملكة العربية السعودية، ليس فقط على المستوى الاقليمى وإنما على المستوى الدولى، فالدور السعودى فى تصحيح المواقف الدولية تجاه ما جرى فى مصر دور لا يمكن إغفاله، بل لعل الجميع يتذكر الخطاب الذى القاه العاهل السعودى الذى اعتبر فيه أمن مصر خطا أحمر ورافضا المساس به. ولذا، فحملت هذه الزيارة فى مضمونها دلالة أخرى تعكس أهمية التنسيق والتعاون مع المملكة العربية السعودية فى شأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك،خاصة مواجهة الإرهاب والتنظيمات الارهابية. ثانيا- ينظر البعض الى الموقف السعودى من الاحداث الاخيرة فى مصر وكأنه موقف مستحدث يرتبط بالمصالح الراهنة للمملكة العربية السعودية، وهذه النظرة مغلوطة جملة وتفصيلا، ولعل من يسترجع التاريخ وأحداثه يدرك عمق العلاقات المصرية السعودية، فما زالت صفحات التاريخ تسجل بأحرف من نور كلمات الملك عبد العزيز آل سعود المؤسس الأول للمملكة، حينما ادرك دور مصر ومكانتها فكانت كلمته «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب» وكان ذلك فى اوائل القرن العشرين، بل يسجل التاريخ أيضا أن الدولتين وقعتا أول معاهدة للصداقة بينهما فى عشرينيات القرن المنصرم، وأول اتفاقية للتعاون العسكرى فى ثلاثينيات القرن ذاته. كل هذا يدلل على مدى الترابط والارتباط بين الدولتين. وإذا كانت مصر تعتبر أن أمن الخليج جزءا من أمنها القومى وأن السعودية هى بوابتها إلى الخليج العربى، فإن السعودية تدرك تمام الإدراك أن حماية أمن الخليج وضمان استقراره لن يتحقق إلا فى وجود مصر دولة قوية قادرة على ضبط ايقاعات الحركة فى الاطار الإقليمى. ثالثا- إن الارتباط المصرى السعودى الذى أكدته زيارة الرئيس السيسى الى المملكة فى أولى جولاته الخارجية، يتضمن أبعادا عديدة ومتعددة بعضها سياسى وكثير منها اقتصادى، إضافة الى جوانب أخرى ثقافية واجتماعية. ولكن يظل البعد الأهم وربما الاكثر أهمية فى هذا المضمار البعد السياسى/ الدينى، المتمثل فى ضمان أمن واستقرار المنطقة والحفاظ على كيانات الدول الوطنية الذى يتعرض للتهديد فى ظل المخططات الدولية والاقليمية الرامية الى اعادة رسم حدود المنطقة، بما يتفق ومصالحها، فسياسة التقسيم والتفتيت التى يحاول بعض الاطراف الدولية والإقليمية تطبيقها من أجل إيجاد دويلات دينية أو مذهبية أو عرقية أو طائفية تفرض على الأطراف الإقليمية الفاعلة (مصر والسعودية تحديدا) أن تتحمل مسئوليتها الكاملة فى الذود عن أمن دولها واستقلالها ووحدة أراضيها. كما تمثل القضية القلب من القضايا العربية وهى القضية الفلسطينية محورا مهما من اهتمام الطرفين نظرًا لخطورتها على الامن القومى العربى بصفة عامة والمصرى على وجه الخصوص، ولعل ما يجرى اليوم فى الأراضى الفلسطينية يحتاج الى دعم عربى للجهود المصرية الساعية إلى وقف العدوان الاسرائيلى الغاشم على الشعب الفلسطينى. خلاصة القول إن القمة المصرية السعودية الثانية منذ انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى تمثل بداية حقيقية للتعاون والتنسيق المشترك تمهيدا للوصول إلى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، سواء فيما يتعلق بعلاقات البلدين الثنائية والدور السعودى الداعم لمصر فى تلك المرحلة المهمة التى تمر بها خاصة فى ظل الدعوة السعودية لعقد مؤتمر أصدقاء مصر المزمع عقده فى أواخر هذا العام، أو فيما يتعلق بموقف الطرفين من مختلف قضايا المنطقة التى تعيش فوق بركان على وشك الانفجار فى وجه الجميع. لمزيد من مقالات عماد المهدى