تثير الزيارة القصيرة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله العاهل السعودي للقاهرة يوم 20 يونية 2014 العديد من الرسائل والدلالات المتعلقة بهذه الزيارة وأهميتها والنتائج المترتبة عليها وانعكاساتها الإقليمية والدولية وتأثيرها على الأمن القومي العربي وحماية المنطقة العربية من الأخطار التي تتهددها والمؤامرات الدولية التي تتعرض لها ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولا: إن هذه الزيارة هي الأولى لمصر عقب ثورة 30 يونية، كما انها الزيارة الأولى عقب فوز الرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية المصرية مما يعكس أن المملكة العربية السعودية تعلن بطريقة رسمية عن دعمها لمصر ودعمها للتطورات السياسية التي شهدتها مصر عقب ثورة يونية، بالإضافة إلى تهنئة الرئيس السيسي بالفوز في الانتخابات، كما أنها توجه رسالة إلى العالم الخارجي وخصوصا الولاياتالمتحدة وأوربا عن عزم المملكة العربية السعودية على دعم مصر على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية في الفترة القادمة، وعدم استجابة المملكة لأي ضغوط خارجية للتخلي عن مساعدة مصر، كما تعبر أيضا عن رفض السعودية لممارسة أي ضغوط وخاصة الضغوط الاقتصادية على مصر ويمكن الإشارة أيضا إلى أهمية توقيت الزيارة والتي تأتي بعد أيام قليلة من مناقشة الكونجرس الأمريكي لموضوع تخفيض المعونة الأمريكية لمصر ويعكس ذلك ايضا أن مصر لن تخضع لضغوط وتتمتع بدرجة من المرونة والقدرة على تنويع مصادر التعاون والدعم من داخل المنطقة العربية ذاتها. ثانيا: يمكن أن يكون من الدلالات الهامة للزيارة إعادة الفاعلية والنشاط والقوة إلى محور القاهرةالرياض والذي كان له تأثيره الهام على مجريات الأمور السياسية والاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة العربية في فترات وظروف مختلفة ومتعددة مع ملاحظة أن ذلك المحور يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع أمن الخليج ذي الصلة القوية بالأمن القومي المصري، فقد كان للعلاقات القوية المصرية الخليجية وخصوصا المصرية السعودية دورها الهام عقب الهزيمة العسكرية في عام 1967 حيث تم تقسيم الدول العربية إلى دول مواجهة (وأهمها مصر) ودول دعم وأهمها المملكة السعودية وكان لهذا الدعم دوره الهام في الإعداد لحرب أكتوبر 1973 وما أعقبها من تطورات سياسية هامة، كما ظهرت أهمية التعاون الوثيق المصري السعودي عقب ثورة يونية بصفة خاصة في وقوف المملكة العربية السعودية بكل قوة لدعم مصر سياسيا واقتصاديا وديبلوماسيا، ولذلك فإن هذا المحور بين القاهرةوالرياض والمتصور زيادة قوته في المستقبل القريب ينعكس ايجابا على المنطقة ككل وعلى عديد من الملفات ومنها ملف القضية الفلسطينية والملف السوري، والملف العراقي، والملف الليبي، وملف الإرهاب، وملف إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل وغيرها من الملفات وخصوصا ما تتعرض له المنطقة العربية من مؤامرات تهدف إلى التفتيت والتقسيم للدول العربية وإشاعة الإرهاب. ثالثا: إن محور القاهرةالرياض على الأرجح لن يقتصر في تأثيره وفاعليته على العلاقة الثنائية بين مصر والسعودية رغم أهميتها، وإنما يمتد ليشمل العلاقات المصرية بدول الخليج العربي والتي تلعب المملكة العربية السعودية دورها الهام بين تلك الدول العربية الخليجية في إطار دول مجلس التعاون الخليجي ولذلك فإنه من المتصور أن تزداد قوة العلاقات المصرية الخليجية وخصوصا في مجال الاقتصاد والاستثمار والمشروعات المشتركة والتي تحقق المنفعة والفائدة المتبادلة لأطرافها في مختلف المجالات الاقتصادية وبحيث يمكن أن يكون ذلك بداية الطريق لإنشاء تكتل اقتصادي عربي على غرار السوق الأوروبية المشتركة، وخصوصا أن العالم ككل في مختلف القارات يتجه إلى فكرة التكتل والاحتشاد في مجال الاقتصاد وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الأطراف في هذه التكتلات، وربما تكون الدول العربية في هذه الآونة أحوج ما تكون إلى هذا التكتل الاقتصادي الذي يحقق التكامل بين الدول العربية ويزيد من قدرتها التساومية في المجال الدولي سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الديبلوماسية. رابعا: إن محور القاهرةالرياض ربما تنعكس آثاره الإيجابية أيضا على المنظمة الإقليمية العربية وهي جامعة الدول العربية بمعنى ادخال ما يلزم من تعديل وتطوير لميثاقها وبما يؤدي إلى مزيد من التدعيم لمقومات العمل العربي المشترك والتكامل الاقتصادي في المنطقة العربية وبحيث يكون للمنظمة العربية قدرة وفاعلية على الأرض سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي أو على مستوى القدرة على حل المشكلات العربية في إطار عربي لعدم اتاحة الفرصة لتدخلات دولية أو أطراف اقليمية من خارج المنطقة العربية في الشأن العربي، ونأمل أن يكون اللقاء على مستوى القمة بين مصر والسعودية بشرة خير لتحقيق الأمل العربي وزيادة القدرة العربية على مواجهة الأخطار المتعددة المهددة للمنطقة.