مع الذكرى الأولى لفض اعتصامي جماعة الإخوان في ميداني رابعة العدوية والنهضة ، لا يمكن تجاهل أصعب معركة دبلوماسية خاضتها مصر، تعرضت فيها لضغوط دولية ضخمة وبذلت جهودا دبلوماسية مكثفة، لتوضيح موقف الحكومة المصرية حينذاك وأسباب اتخاذ هذه الخطوة وتأكيد التزامها بخريطة الطريق التي اتفقت عليها جميع القوى السياسية وفقا لإرادة الشعب المصري، وبالرغم من ذلك تباينت ردود الفعل الدولية بين إدانة قوية لهذه الخطوة وبين مؤيد للحكومة المصرية والخطوات التي اتخذتها وبين متحفظ على استخدام العنف ضد المعتصمين ، كل حسب رؤيته للأحداث في مصر ومصالحه المرتبطة باستقرارها. ففي الوقت الذي كان فيه موقف الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدة متذبذبا في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي بسبب عدم فهمها لطبيعة الأوضاع في مصر ، سارعت بالتدخل في الشئون الداخلية المصرية وإصدار إدانات دولية واسعة ، ولم تكتف بذلك فقط بل دعت لاتخاذ خطوات رادعة تجاه مصر دون أي دراسة أو تفهم للموقف ، كانت هناك دول أخرى على دراية عميقة ووعي بطبيعة الأوضاع في مصر وقدمت دعمها الكامل للحكومة المصرية، في حين اكتفت دول أخرى برفضها وتحفظها على استخدام العنف ضد المتظاهرين المناصرين لجماعة الإخوان. تناقضات فجة ولم يستقر الأمر فقط على مجرد بيانات دولية تدين الأحداث أو تؤيد الحكومة المصرية ، حيث شن الإعلام الغربي أيضا حملة إدانة واسعة للأحداث في مصر ، وعلى الرغم من تواجد معظم مراسلي الصحف والوكالات الغربية داخل ميدان رابعة ودرايتهم الجيدة بحقيقة الأحداث وطبيعة العنف والانتهاكات التي كان يمارسها المعتصمون، لكنهم غضوا الطرف تماما عن تصرفات الجماعة الإرهابية وبدأوا في شن حملة مكثفة ضد الحكومة المصرية لتأليب المجتمع الدولي ضدها ولم يلتزموا بأصول ومباديء مهنة الصحافة التي يحاولون تقديمها في العديد من الدورات التدريبية للصحفيين العرب في تغطية الأحداث ، وتركزت مقالات كبار الكتاب والباحثين الأجانب على حقوق الإنسان وتهديد التحول الديمقراطي في مصر. وفي استعراض للمواقف الخارجية الدولية والإقليمية المتباينة آنذاك إزاء فض اعتصامي رابعة والنهضة وما تلاها من تصاعد أعمال العنف في مصر ، كان موقف الولاياتالمتحدة الأبرز والأكثر تدخلا، بما أثار ردود فعل غاضبة في مصر، رسميا وشعبيا، فلم يتسم موقف البيت الأبيض منذ عزل محمد مرسي سوى في 3 يوليو 2013 سوى بالترقب والتردد والتذبذب، إلا أن هذا الموقف بدأ يتضح أكثر بعد أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة وفرض حالة الطواريء ، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري آنذاك حين دعا إلى تعليق العمل بقانون الطواريء في مصر، وتفادي العنف بين المعتصمين والامن المصري واحترام إرادة الشعب المصري، كما أدان المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست لجوء قوات الأمن إلى العنف ضد المتظاهرين وضرورة ضبط النفس. أما الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، فقد قطع عطلته التي يقضيها في ولاية ماساتشوستس، وأصدر بيانا للتعليق على الأحداث في مصر، يوم 15 أغسطس، قرر خلاله إلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين مصر والولاياتالمتحدة "النجم الساطع"، والتي تعد أحد أهم أوجه التعاون العسكري بين البلدين، كما أدان استخدام العنف وطالب الحكومة المصرية بإنهاء حالة الطوارئ وإنهاء العنف ضد المدنيين واحترام حقوق الإنسان، في حين طالب المتظاهرين بالتزام السلمية وأدان بشكل عابر أعمال العنف والهجوم على الكنائس. ومن الولاياتالمتحدة إلى أوروبا ، حيث أجمعت الدول الأوروبية على قلقها تجاه ما أسمته بتصاعد أعمال العنف في مصر ، كما أجمعت على إدانة استخدام القوة ضد المتظاهرين وطالبت الحكومة المصرية بضبط النفس. إدانات بالجملة وفي أعقاب فض الاعتصامين مباشرة، هدد الاتحاد الأوروبي بمراجعة علاقات الدول الأعضاء في الاتحاد مع مصر واتخاذ إجراءات في هذا الصدد، كما أدان رئيس مجلس النواب الأوروبي مارتن شولتز في بيان له التدخل الأمني، ودعا الحكومة المصرية إلى ضمان حرية التظاهر السلمي لكل المصريين، مؤكدا أن إيجاد نهاية عادلة وسلمية للأزمة مسئولية الحكومة. وقد اتخذت معظم الدول الأوربية الكبرى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا خطوات متماثلة تجاه الأرمة بدأت من الإعراب عن القلق حيال تصاغد العنف إلى الدعوة لضبط النفس ثم التلويح بعقوبات وبعدها استدعاء السفراء المصريين بعواصم تلك الدول إلى وزارات الخارجية للاحتجاج. ولم تنحسر الإدانات على تلك الدول الأوروبية فقط، فقد أدانت كل من بلجيكا والدنمارك والسويد فض اعتصامي رابعة والنهضة وأعربت الدول الثلاث عن قلقها من تصاعد أعمال العنف في مصر ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس والتزام الهدوء ، كما علقت الدنمارك مساعداتها لمصر والتي تقدر بنحو 4 ملايين يورو. كما لم تتوقف الإدانات على المواقف الدولية فقط بل سارعت أيضا العديد من المنظمات الحقوقية الدولية وعلى رأسها منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية إلى إدانة فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة ، حيث تجاهلت بشكل تام استخدام المعتصمين للسلاح في وجه قوات الأمن وارتكاب المعتصمين العديد من الانتهاكات طوال فترة الاعتصام وركزت فقط على طريقة فض الاعتصامين وعدد الضحايا من أنصار جماعة الإخوان. قوى داعمة وفي الوقت الذي كان فيه موقف الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية والمنظمات الدولية محتدا بشكل قاس تجاه مصر ، ظهرت كل من روسياوالصين كقوتين كبيرتين داعمتين للحكومة المصرية في مواجهتها لجماعة الإخوان. وظهر الموقف الروسي الداعم لمصر بوضوح في تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المؤيدة للحكومة المصرية والعروض التي قدمها لدعم الجيش المصري بالأسلحة، فضلا عن الموقف الروسي القوى في جلسة الأمن التي انعقدت بشأن الأحداث في مصر، حيث عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات غير رسمية، بناء على طلب من فرنساوبريطانيا وأستراليا يوم 15 أغسطس 2013 لمناقشة الأحداث في مصر، إلا أن روسياوالصين رفضتا خلال الجلسة فكرة بحث إعلان رسمي وانتهت الجلسة بحث جميع الأطراف على إنهاء العنف والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس. وكانت تصريحات بوتين في ذلك التوقيت قد أثارت موقفا شعبيا مصريا مرحبا بروسيا ، خاصة بعد إعلانه استعداد بلاده التام لدعم الجيش المصري عسكريا دون شروط أو قيد، في الوقت الذي كانت تهدد فيه الولاياتالمتحدة بقطع المساعدات عن مصر. وكانت شبكة "صوت روسيا" قد كشفت في ذلك التوقيت عن أن الرئيس الروسي أمر بتوظيف قمر صناعي عسكري روسي، لمد الجيش المصري بمعلومات دقيقة عن الإرهابيين بسيناء ورصد تحركاتهم واتصالاتهم. وتجلى الموقف الصيني المؤيد أيضا للحكومة المصرية في ذلك الوقت ، حيث حثت الصين جميع الأطراف في مصر على التحلي بضبط النفس ومعالجة الخلافات من خلال الحوار، كما أعلن المتحدث باسم الخارجية الصينية هونج لي أن بلاده تولي اهتماما كبيرا بالأوضاع في مصر. وفي إفريقيا، ظهر موقف مجلس السلم والأمن الإفريقي متذبذبا بين الإدانة والتأييد للحكومة المصرية، حيث أصدر بيانا أكد فيه إدانته لأعمال العنف في مصر وتضامنه مع الشعب المصري ، كما دعا كافة الأطراف لضبط النفس وفتح قنوات الحوار لتجنب المزيد من أعمال العنف. أما عربيا ، فقد كان الموقف المؤيد للحكومة المصرية والداعم للإجراءات التي اتخذتها لحفظ الأمن والاستقرار هو الغالب على معظم الدول العربية وفي مقدمتها السعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن والعراق، في حين لم تصدر إدانة واضحة سوى من قطر التي تعد الحاضنة الوحيدة في المنطقة العربية لقيادات جماعة الإخوان والداعمة لهم. وبالرغم من الموقف الغربي الذي كان محتدا ضد مصر في ذلك الوقت ، إلا أنه لم يكن يضاهي مواقف تركيا وإيران وقطر التي كان موقفها ولا يزال، هجوميا بشكل صارخ ضد مصر. وبالتوازي مع المواقف الدولية ، جاء رصد موقف معظم الصحف ومراكز الدراسات والأبحاث الغربية مثل مركز "كارنيجي لدراسات السلام بالشرق الأوسط" متوافقا مع مواقف الدول الغربية تجاه فض اعتصامي رابعة، وأجمعت معظم الصحف الأمريكية والبريطانية على ما وصفته ب"إطلاق قوات الأمن النار الحي على المتظاهرين السلميين" ، وتجاهلت بشكل يتنافى مع مباديء مهنة الصحافة،كل انتهاكات جماعة الإخوان أثناء الاعتصام والكم الكبير للأسلحة التي استخدمها المعتصمين أثناء فض الاعتصام ، فضلا عن دعوات الحكومة المصرية، لأنصار المعزول بإنهاء الاعتصام وفتح قنوات للحوار، وهو الأمر الذي يتشابه مع موقف الصحف الغربية ، عقب عزل مرسي، والذي تجاهل ما ارتكبته الجماعة في حق مصر خلال عام من حكمها، ولعل أبرز ما يثير السخرية شهادة الكاتب الخبير في شئون الشرق الأوسط روبرت فيسك التي اعترف خلالها بمشاهدة أسلحة داخل اعتصام رابعة لدى زيارته لمقر الاعتصام ، فبالرغم من شهادته فإنه عمد إلى عدم الاعتراف بأن الاعتصام كان مسلحا، بل واستمر في الهجوم على الحكومة المصرية بشدة في سلسلة من المقالات عقب فض الاعتصامين بسبب ما وصفه"بسقوط عدد كبير من الضحايا بين المعتصمين السلميين" الذين اعترف بحملهم السلاح قبل فض الاعتصام بأسابيع. ومع مرور الذكرى الأولى لفض اعتصامي رابعة والنهضة، قد يجد العديد من المحللين والكتاب الأجانب أرضا خصبة لطرح تقارير وتحليلات جديدة لا تتسق مع الواقع في محاولة لإنعاش حملاتهم ضد مصر، بعد أن فشلت بإقرار دستور جديد للبلاد واختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي في انتخابات حرة نزيهة بشهادة المجتمع الدولي نفسه.!