يبدو أن قادة جنوب السودان حكومة ومتمردين سيظلون يتقاتلون حتى لوهلك نصف شعبهم رغم التحذيرات المتوالية من مجاعة وشيكة وأزمة غذاء وصفتها الأممالمتحدة بأنها الأسوأ من نوعها فى العالم حاليا. وهذا يستوجب تحركا دوليا واقليميا فاعلا وعاجلا لتنفيذ اتفاقين سابقين لوقف اطلاق النارولضمان خروج المفاوضات من الدائرة المفرغة التى تدورفيها منذ سبعة أشهر. فقد أبلغ إدموند موليت نائب رئيس إدارة حفظ السلام بالأممالمتحدة مجلس الأمن الأربعاء الماضى بأن جنوب السودان على شفا كارثة إنسانية وصراع داخلى قد يستمر طويلا.وقبل ذلك حذرت منظمة «اليونيسيف» من أن أربعة ملايين جنوبى (ثلث الشعب) يواجهون مجاعة وأن 50 ألف طفل يمكن أن يموتوا جوعا إذا لم تتم زيادة المساعدات الدولية ووصولها فى الوقت المناسب، حيث هجرت الحرب نحو مليون انسان من ديارهم ومنعت مئات الآلاف من زراعة أراضيهم أو حصد محاصيلها. كما أكدت منظمة خيرية بريطانية أن كميات الطعام القليلة المتاحة سوف تنضب خلال أغسطس الحالي. وليس التحذير من مجاعة جديدا،فقد سبق أن حذرت منها الأممالمتحدة فى منتصف ابريل الماضى بسبب زيادة عدد المحتاجين لمساعدات غذائية إلى سبعة ملايين نتيجة للحرب وبطء استجابة المجتمع الدولى لنداءات الاغاثة. وحذرت اليونيسيف وقتها من أن ربع مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد، ورغم ذلك لم ترق قلوب الحكومة أو المتمردين لحال هؤلاء المساكين، حيث لم يسعوا بجدية لحل النزاع ولا حتى نفذوا القليل الذى اتفقوا عليه، ولم يخجلوا عندما أعلن المعهد الأمريكى للتمويل لأجل السلام فى يونيو الماضى أن جنوب السودان قفز إلى مقدمة الدول الأقل استقرارا فى العالم وحل محل الصومال التى تربعت على القمة ست سنوات متصلة. وحتى أفراد بعثة الأممالمتحدة للاغاثة ومنظمات اغاثة أخرى تعرضوا لاعتداءات وتهديدات واتهامات بمساعدة المتمردين أعاقت عملهم مما دفع الأممالمتحدة للتهديد بتقليص عددهم وايقاف نشاطهم فى مساعدة ضحايا الحرب فى وقت زادت فيه أعداد الفقراء ومعاناتهم نتيجة للارتفاع الرهيب فى أسعار السلع. الطرفان اتفقا فى يناير الماضى على وقف لاطلاق النار وبدء مفاوضات لحل الأزمة، ولكن الاتفاق انهار بعد أيام قليلة. وفى يونيو اتفقا على وقف القتال وتشكيل حكومة انتقالية خلال 60 يوما لوضع دستور جديد والاعداد لاجراء انتخابات ولم يصمد الاتفاق سوى ساعات وفشل الوفدان فى الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية مما دفع تجمع «ايقاد» الذى يرعى المفاوضات للتهديد بفرض السلام ومعاقبة الطرفين ودفع الادارة الأمريكية لمعاقبة قائدين عسكريين من الجانبين والتهديد بتوسيع نطاق العقوبات.وكان من بين بنود الاتفاق الأخير نشر مراقبين من «ايقاد» للفصل بين قوات الطرفين، ولم يتم،وفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الانسانية وحل الخلافات بالحوار،لكن الخلاف حول انسحاب القوات الأوغندية الداعمة للحكومة وحول تعريف ومهام الحكومة الانتقالية ومعايير المشاركة فى السلطة وآليات تداولها أفشل المفاوضات وحال دون استئناف المفاوضات الاثنين الماضى حيث تغيب عنها وفد المتمردين. فالمتمردون اشترطوا انسحاب القوات الأوغندية خلال 24 ساعة من توقيع اتفاق أمني، لكن وفد حكومة سلفا كير رفض ذلك، مؤكدا أن انسحابها سيتم وفق ترتيبات أمنية تواكب تطورات الأحداث. كما طالب رياك مشار قائد التمرد بنظام حكم فيدرالى تتمتع من خلاله الأقاليم بحقها فى السلطة والثروة وبتوسيع سلطات البرلمان للحد من سلطات الرئيس،وهو مطلب قابلته الحكومة بعدم ارتياح. وفى مايو الماضى اتهم تقرير للأمم المتحدة طرفى الصراع بارتكاب جرائم ضد الانسانية تشمل القتل الجماعى والاغتصاب الممنهج فى البيوت والمستشفيات وحتى داخل المساجد والكنائس وطالب بمحاسبة المسئولين عن تلك الجرائم. وأوضح أنه تم استهداف المدنيين على أساس عرقى وأن أجهزة الأمن فى العاصمة جوبا سارعت عند اندلاع النزاع فى منتصف ديسمبر الماضى إلى تفتيش البيوت واحدا تلو الآخر بحثا عن الرجال المنتمين إلى عرقية بعينها لقتلهم مما أدى إلى انتشار عمليات الانتقام. واتهم تقرير آخر قوات مشار بقتل مئات المدنيين المحتمين بمسجد وكنيسة ومستشفى وسوق مدينة بانتيو عاصمة ولاية الوحدة فى ابريل الماضى على أساس عرقى وباستخدام الاذاعة المحلية لبث رسائل لنشر الكراهية وحث الرجال على اغتصاب النساء من عرقيات منافسة واجبار الخصوم على ترك المدينة. فهل تتخلى الدول الكبرى وأعضاء «ايقاد» عن سياسة التهديد الخجول وغير الجاد للطرفين وتحدد بصراحة الطرف المعوق لحل الأزمة ووقف الحرب وتبدأ فى فرض عقوبات مؤثرة عليه أم أنها ستواصل سياسة المهادنة التى تسمح للطرفين بالتسويف والمماطلة فتزداد معاناة المواطنين الأبرياء؟.فإذا كان من الصعب التدخل عسكريا لوقف القتال وفرض السلام فمن الممكن مقاطعة الطرف المتسبب وسحب الاعتراف به والاسراع باحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. فلم يبالغ الرسام المعروف حبيب حداد فى صحيفة الحياة اللندنية حين خرج علينا قبل أسابيع بكاريكاتير يصور الطرفين المتصارعين وكل منهما يمسك بمواطن جنوبى مسكين لا ناقة له ولا جمل فى صراع النخبة على السلطة ويضرب به الآخر حتى تفيض روحه إلى بارئها. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى