لو تم تنفيذ بندى وقف اطلاق النار وفتح ممرات للمساعدات الانسانية لنحو مليون مشرد يهددهم الجوع والمرض فى جنوب السودان لاعتبرنا اتفاق سلفا كير ورياك مشار فى أديس أبابا ناجحا وبداية تحيى الأمل فى معالجة جذور الحرب الأهلية حتى ولو بعد حين. الاتفاق الذى استبشر به البعض بينما اعتبره آخرون مجرد خطوة على طريق طويل لانهاء النزاع ينص على وقف القتال خلال 24 ساعة من ابرامه ونشر مراقبين فورا للفصل بين القوات ومنع أى من الطرفين من تحريك قواته من مواقعها حتى التوصل لاتفاق دائم لوقف اطلاق النار.كما يقضى بفتح ممرات آمنة للمساعدات الانسانية وتأليف حكومة انتقالية تضع دستورا دائما ورؤية مشتركة لتداول السلطة وتقاسم الثروة ومعايير لعمل الأحزاب.وليس مؤكدا ما اذا كان قد نص على أن تكون هناك رئاسة مؤقتة حيث كان مشار قد طالب بتنحى كير وتشكيل حكومة انتقالية بدونه. والمؤكد أنه لن يكون تنفيذ بنود فى الاتفاق مثل تشكيل الحكومة الانتقالية سهلا أوقريبا بل يحتاج الى متابعة وضغوط مستمرة من الوسطاء.فانعدام الثقة متجذر فى نفوس الطرفين ولكى يتم الاتفاق على تنفيذ أى بند لا بد من مفاوضات طويلة وشاقة لأن كلا منهما سيحاول الخروج بأكبر قدر من المكاسب بالتشدد فى مواقفه.وبسبب انعدام الثقة حدث انتهاك لوقف اطلاق النار بعد ساعات قليلة من بدء سريانه وتبادل الطرفان الاتهامات.كما أعلن كيرارجاء الانتخابات المقررة فى العام المقبل الى عام 2018 وهى مدة طويلة تشير الى أنه لا يتوقع حلا للنزاع أوعودة الاستقرار قريبا،وليس من المستبعد أن تثير مزيدا من الخلافات مع المعارضة واتهام خصومه له بأنه يحاول الالتفاف على بند الحكومة الانتقالية للبقاء فى السلطة لفترة أطول. أيا كان الأمر فان مجرد اجتماع رئيس الدولة مباشرة مع نائبه المقال المتمرد واتفاقهما على البنود السالفة الذكر تطور مهم يمكن أن يصبح بداية حقيقية لكسرجمود المفاوضات المتعثرة بين وفديهما منذ أربعة أشهر والتوصل الى اتفاق سلام شامل ينهى حربا أهلية قتلت وأصابت الآلاف وشردت نحو مليون انسان من منازلهم فى بلد لم يمرعلى انفصاله عن السودان سوى ثلاث سنوات. وهنا لن تكون الخلافات والمطالب القائمة أعقد من التى عالجتها المباحثات التى انتهت باتفاقية نيفاشا للسلام عام 2005 منهية 22 عاما من الحرب الأهلية المتصلة بين شمال السودان وجنوبه.لكن يمكن أن تطول أيضا فترة التفاوض حيث استغرقت مفاوضات حرب ما قبل الاستقلال أكثر من أربع سنوات. عوامل ضاغطة كثيرة يمكن أن تعجل بوقف اطلاق نار يحترمه الطرفان والدخول بجدية فى مباحثات لتنفيذ بنود الاتفاق فى مقدمتها معاناة مليون مشرد بالداخل وربع مليون لاجيء دفعتهم الحرب الى دول الجوار من الجوع وسوء التغذية والأمراض والقتل عرضا برصاص المتحاربين أو عمدا فى أعمال انتقامية.كما يوشك موسم الأمطار على الانتهاء الشهر المقبل دون أن يتمكن المزارعون من زراعة أراضيهم فتزيد حدة المجاعة وضحاياها. وهناك احتمال احالة متهمين الى المحكمة الجنائية الدولية أو تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية حيث اتهم تقرير للأمم المتحدة الطرفين بالفعل بارتكاب جرائم ضد الانسانية من بينها القتل والاغتصاب الجماعيين والممنهجين حتى داخل المساجد والكنائس والمستشفيات ومجمعات النازحين التى ترعاها المنظمة الدولية.كما يدرك كل منهما أن حسم المعركة عسكريا لصالحه مستحيل فى ظل توازن القوة عسكريا وقبليا بينهما. غير أن هناك عوامل أخرى معوقة من بينها مطالبة مشار بنظام حكم فيدرالى تتمتع فيه الأقاليم بحقها فى السلطة والثروة مع توسيع سلطات البرلمان فى نظام الحكم المركزى على حساب سلطات الرئيس وهو مطلب قد لا يوافق عليه كير خوفا من تفكك الدولة لكون قبيلة مشار(النوير) أغلبية فى ولايات مثل جونقلى والوحدة وأعالى النيل.كذلك انسحاب القوات الأوغندية وأفراد حركات تمرد سودانية شمالية تقاتل مع الجيش الحكومى مطلب آخر لمشار قبل توقيع اتفاق سلام نهائي.كما يطالب المتمردون بحكومة انتقالية لا يرأسها كير وهو مطلب من المرجح أن يرفضه أيضا بينما تدعو قيادات جنوبية أخرى لاستبعاد كير مع مشار متهمين اياهما بفقد الأهلية الأخلاقية للمشاركة فى الحكم بعد ارتكاب قواتهما مجازر فى حق الشعب وهو ما يحتمل أن يرفضاه.ولا نعرف حتى الآن من سيشكل الحكومة الانتقالية ولا مدى سلطاتها أوالوقت الذى سيمر قبل خروجها للنور.كذلك أعلن الجيش الحكومى أن المفاوضات لن توقف العمليات العسكرية ضد المتمردين تماما اذا تعرض لهجوم،وهو ما يبقى الباب مفتوحا لانتهاك الاتفاق من الطرفين. وحتى ينقشع الضباب تماما هناك احتمالات أربعة لمسار الأمور: استمرار الوضع الحالى أو تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة كير أوحكومة انتقالية بدون كير ومشار أو وضع البلد تحت وصاية الأممالمتحدة.لكن أكثر الخيارات واقعية وربما قبولا هو حكومة وحدة وطنية برئاسة كير تنفذ ما يتفقان عليه أخذا فى الاعتبار أنه منتخب من الشعب ولم يستول على السلطة بانقلاب عسكري. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى