نجحت الجهود الدولية غير المسبوقة في إقناع طرفي النزاع في جنوب السودان، بالتوقيع على اتفاق لوقف العدائيات بينهما، وتضمن الاتفاق الذي عقد بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا، الخميس الماضي وقف جميع الأعمال العدائية بين الطرفين، والفصل بين القوات المتحاربة. وتشكيل آلية لمراقبة تنفيذ الاتفاق من قبل الطرفين ودول الإيجاد، وسحب القوات الأوغندية التي قاتلت إلى جانب سلفاكير، ووقف الحملات الإعلامية العدائية، وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين والسماح للمنظمات الدولية بالوصول إلى النازحين والمناطق التي كانت تشهد تبادلا لإطلاق النار. كانت العاصمة الاثيوبية قد شهدت جهودا دولية مكثفة لانهاء نزاع الجنوب بين سلفا كير ونائبه رياك مشار، شارك فيها ممثلون عن الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا وفرنسا والصين والنرويج والاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي ودول الايجاد اثيوبيا والسودان وكينيا واوغندا والصومال وهو ماأسفر عن توقيع اتفاق وقف العدائيات بعد شهر من القتال الذي أسفر عن سقوط عشرة آلاف قتيل ونصف مليون نازح. وقع الاتفاق عن حكومة جنوب السودان رئيس وفدها نيال دينق نيال، ومن جانب مجموعة المتمردين تعبان دينق قاي الحاكم السابق لولاية الوحدة الغنية بالنفط. وتبدأ في السابع من فبراير القادم جولة مفاوضات طويلة برعاية الايجاد للتوافق حول تقسيم السلطة والثروة والانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل،اضافة الى بحث الجرائم التي ارتكبت اثناء اندلاع المعارك. يرى المراقبون ان المجتمع الدولي يبذل جهودا مكثفة لمنع اندلاع نزاع عرقي كبير في دولة جنوب السودان ولكن الاتفاق الاخير لايضمن استقرار دولة الجنوب، خاصة مع استمرار رفض سلفا كير الافراج عن ثلاثة من كبار انصار نائبه السابق رياك مشار، وصعوبة سحب القوات الاوغندية التي دخلت الجنوب لمطاردة قوات جيش الرب المتمردة على اوغندا والتي لعبت الدور الرئيسي في حماية سلفا كير من السقوط ووفقا للمزاج الجنوبي القبلي الحاد فان كشف حقيقة الجرائم التي وقعت ضد المدنيين من كلا الفريقين يمكنه ان يشعل الحرب من جديد. كانت الاممالمتحدة قد تحدثت عن جرائم ضد الانسانية ارتكبت بشكل موسع من قبل قوات الرئيس سلفا كير في العاصمة جوبا واخرى قامت بها قوات المتمرد رياك مشار في المناطق التي سيطرت عليها قواته خاصة في مدن بور وبانتيو. قالت رئاسة دولة الجنوب ان رجال مشار ارتكبوا مجازر بحق المدنيين، وكشف اتني ويك اتني المتحدث باسم الرئاسة ان متمردي مشار اقتحموا مستشفى في مدينة بور وذبحوا جميع المرضى وعددهم 127ورفض المتمردون ذلك الاتهام واتهموا الحكومة بارتكاب مذبحة ضد المدنيين في العاصمة جوبا وتدمير بانتيو عاصمة ولاية الوحدة المنتجة للنفط عندما استعادوا السيطرة عليها. وعلى الرغم من قبول الطرفين لتوقيع الاتفاق تحت ضغوط دولية تضمنت تهديدات بتوقيع عقوبات دولية وجنائية على طرفي النزاع، الا ان اجواء من انعدام الثقة بدت علنية في مواجهة الوسطاء ويعد ما اعلنته الرئاسة الجنوبية حول رصد محادثات بين ممثلة الأممالمتحدة هيلدا جونسون مع زعيم التمرد رياك مشار، هو اخطر ما يهدد استمرار الاتفاق، حيث اعلن المتحدث باسم رئاسة دولة الجنوب السفير أنتوني ويك، ان الاممالمتحدة كانت ضالعة في الانقلاب على الرئيس سلفا كير وان اجهزة الدولة الامنية رصدت مناقشات كانت تتم بين هيلدا جونسون ومشار تضمنت تفاصيل الهجوم العسكري الذي شنته قوات مشار والقضايا الإنسانية وخطط المساعدات، واضاف أن الخطة كانت تقضي أن يقوم الجنرال بيتر قديت بمهاجمة العاصمة جوبا بينما يقوم النازحون في معسكرات الأممالمتحدة بالتظاهر والاحتجاج لاسقاط الحكومة. يذكر ان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، هدد الرئيس سلفا كير صراحة بالمحاسبة الدولية عن تلك الجرائم التي وقعت ضد المدنيين من قبيلة النوير التي ينتمي لها رياك مشار في العاصمة جوبا وقال مون ان كل المسئولين في الجنوب ايا كانت مواقعهم سوف يحاسبون عن الجرائم ضد المدنيين. يطمع الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة في الدفع برياك مشار زعيم قبيلة النوير. الى مقعد الرئاسة في الدولة الوليدة العام المقبل، لما يتمتع به مشار من علاقات قوية داخل دوائر صنع القرار في واشنطن والعواصم الغربية من ناحية ولقدراته السياسية والادارية باعتباره استاذا جامعيا من ناحية ثانية، ولكن سلفا كير هو زعيم قبيلة الدنيكا اكبر قبائل الجنوب التي تهيمن على معظم المواقع القيادية في الجيش والاجهزة الامنية والادارية وهو الذي بدأ رقيبا بالجيش ثم رئيسا للبلاد في ظل توازن قبلي محكم، على الرغم من انه يتهم من قبل الغرب بانه قيادي محلي لايمكن ان يخرج بدولة الجنوب من اتون الخلافات العرقية الى دولة حديثة قائمة على المواطنة و المؤسسات. يبقى ان اتفاق وقف العدائيات الذي وقع عليه الطرفان بالعاصمة الاثيوبية لايمكن ان يكتب له النجاح الا اذا تحررت دولة الجنوب من الفساد المحرك السري والعلني للخلافات بين القادة والنخبة الحاكمة في ظل غياب القانون والمؤسسات وفي ظل الولاء للقبيلة بدلا من الولاء للدولة.