إيهاب الطاهر ل "البوابة نيوز": الاحتفال بيوم الطبيب المصري يُمثل طاقة أمل    بالتزكية.. إعادة انتخاب ممدوح محمد رئيسًا لحزب الحرية    مستقبل وطن المنيا يكرم 100 عامل مؤقت    بنك قناة السويس يعزز ريادته فى سوق أدوات الدين ويقود إصدارين ناجحين لصكوك متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بقيمة 5.8 مليار جنيه    انهيار منزل سكني من 3 طوابق بالمحلة دون وقوع إصابات.. صور    مصر تُرحب بإعلان وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    طوابير خانقة وأسعار مضاعفة وسط غياب الحلول..أزمة وقود خانقة تضرب مناطق الحوثيين في اليمن    هانز فليك يؤكد جاهزية ثلاثي برشلونة قبل الكلاسيكو أمام ريال مدريد    مصرع طفلة وإصابة 4 أشخاص في حادث بين 3 سيارات بصحراوى البحيرة    لتقديم المستندات.. تأجيل إستئناف متهمين ب "داعش العمرانية" ل 13 مايو    حجاج القرعة 1446.. "الداخلية" تعلن استعداداتها لتقديم أفضل رعاية هذا الموسم    تأجيل محاكمة أربعة متهمين بالتسبب في انهيار عقار بأرض الجولف    محمد محمود عبد العزيز يكشف تفاصيل الأزمة بين بوسي شلبي مع الإعلامي عمرو أديب    أسامة رؤوف رئيسًا للجنة التحكيم الرسمية في المهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    يغادر دور العرض قريبًا.. تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما    الأرصاد: طقس غداً الأحد شديد الحرارة نهاراً معتدل ليلاً    الأهلي يخطف صفقة سوبر من بيراميدز بعد تدخل الخطيب.. واستخراج التأشيرة    سام مرسي يقود تشكيل إيبسويتش تاون أمام برينتفورد في الدوري الإنجليزي    السودان.. 21 قتيلا في هجوم للدعم السريع على سجن بشمال كردفان    مرسوم عليه أعداء مصر ال9.. «كرسي الاحتفالات» لتوت عنخ آمون يستقر بالمتحف الكبير    منى زكي بعد حصدها جائزة أحسن ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي: وسام أعتز به في مسيرتي    في يوم الطبيب.. وزير الصحة: الدولة تضع الملف الصحي بجميع ركائزه على رأس أولوياتها    القومي للمرأة يشارك في اجتماع المجموعة التوجيهية لمنطقة الشرق الأوسط    بعد تحقيق مكاسب سياسية.. اتهامات التطرف ومعاداة الإسلام تطارد الإصلاح البريطانى    "صورة الطفل في الدراما المصرية" ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة    المشدد 3 سنوات لعاطل تعدى بالضرب على صديقه في القليوبية    استعدادا لموسم الصيف..محافظ مطروح يتفقد مستشفى رأس الحكمة    "بسبب ماس كهربائى" مصرع وإصابة ثلاثة أشخاص إثر نشوب حريق داخل حوش مواشى فى أسيوط    محافظ أسيوط يتفقد تطوير مدخل قرية بنى قرة ونقل موقف السرفيس لتحقيق سيولة مرورية    جدول مواقيت الصلاة في محافظات مصر غداً الأحد 11 مايو 2025    «الإحصاء»: 1.3% معدل التضخم الشهري خلال أبريل 2025    وصول جثمان زوجة محمد مصطفى شردى لمسجد الشرطة    مديرية أمن القاهرة تنظم حملة تبرع بالدم بمشاركة عدد من رجال الشرطة    بيتر وجيه مساعدا لوزير الصحة لشئون الطب العلاجى    طريقة عمل الكيكة بالليمون، طعم مميز ووصفة سريعة التحضير    شئون البيئة: التحول للصناعة الخضراء ضرورة لتعزيز التنافسية وتقليل الأعباء البيئية    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    رئيس الوزراء العراقي يوجه بإعادة 500 متدرب عراقي من باكستان    صحة غزة: أكثر من 10 آلاف شهيد وجريح منذ استئناف حرب الإبادة    جيروساليم بوست: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    أبرز ما تناولته الصحف العالمية عن التصعيد الإسرائيلي في غزة    محافظ أسوان: توريد 170 ألف طن من القمح بالصوامع والشون حتى الآن    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    تحرير 16 محضرا لمخالفات تموينية في كفرالشيخ    تعرف على مواعيد مباريات الزمالك المقبلة في الدوري المصري.. البداية أمام بيراميدز    اليوم.. انطلاق الجولة 35 ببطولة دوري المحترفين    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    استثمارات 159 مليون دولار.. رئيس الوزراء يتفقد محطة دحرجة السيارات RORO    خبر في الجول - زيزو يحضر جلسة التحقيق في الزمالك    «الصحة» تعلن تدريب أكثر من 5 آلاف ممرض وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقل التعبوى سيّدَ العقل الغوغائى
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 08 - 2014

يبدو لى أن ثمة ملاحظة مهمة فى تاريخ تطور العقل المصرى وإنتاجه المعرفى الحديث والمعاصر، تتمثل فى أن مرحلة مواجهة «صدمة الحداثة»، وتحدى
التحديث اتسمت بالحيوية فى السعى إلى التكوين التعليمى والمعرفى والفلسفى والكلامى الذى ارتكز عليه تكوين العقل وتشكيلاته وأنماطه الحداثية والأداتية/ التقنية، والإصلاحية التوفيقية، والقانونية / التنظيمية والإدارية، والنقلية. منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى المرحلة شبه الليبرالية 23-1952 أتسم العقل المصرى وأنماطه بالحيوية فى التفكير والانفتاح على مراكز الفكر الأوروبي، وضراوة الأسئلة التى طرحها العقل سعياً وراء إجابات لها. تعود الدينامية العقلية/ اللغوية، فى الإنتاج الفكرى إلى نهاية القرن التاسع عشر، حيث بدأت تتبلور صحوة الأسئلة الكبرى حول سؤال لماذا تقدموا؟ ولماذا تخلفنا؟. كانت الأسئلة تعبيراً عن بدايات حيوية لغوية/ فكرية بدأت ملامحها فى السعى الجدى إلى تعريب بعض المفاهيم والمصطلحات الحديثة التى تم إنتاجها فى إطار عمليات التطور السياسى والقانونى والاجتماعى والثقافى والفلسفى الأوروبي. من هنا برز العقل الإصلاحى الذى رمى إلى استعارات لغوية وفلسفية، ولهندسات دستورية وقانونية حديثة تم نقلها واستمدادها من المرجع الأوروبى المركزى إلى اللغة العربية، وتوطينها ومن ثم إلى الإنتاج الفكرى المصرى حولها. من هنا كانت الاستعارات الثقافية الأوروبية دافعة ورافعة لترجمة لغة القانون والقضاء الحديث ونظرياته، والدساتير، ونظم الإدارة، والطب والتخطيط العمراني، والأنماط والطرز المعمارية من هاوسمان فى عهد إسماعيل باشا، إلى الإيطاليين والمصريين والشوام انطلاقاً من القاهرة الخديوية والإسكندرية إلى غيرهما من بعض المدن المصرية، وإلى تأسيس الجامعات الحديثة. كان العقل المصرى مهجوساً بسؤال التقدم ثم التحديث والحداثة إلى حد ما، ثم سؤال الإصالة الملتبس والغائم.. الخ. من هنا كانت الأسئلة الكبرى وما يتفرع عنها تعبيراً عن توق وتطلع إلى تغيير أنماط الحياة والثقافة والقيم والتعليم والصناعة والزراعة والتجارة فى مصر.. الخ.
من ناحية أخرى كانت ضراوة الاستجابات تعبيراً عن صدمة التحدى الغربى وتراكم التخلف التاريخى للثقافة والمجتمع. من هنا لعب المجتمع شبه المفتوح على عالمه دوراً بارزاً فى تطور مصر، ومن ثم بعض الردود على أسئلة عصره وشكل بيئة جادة للأسئلة والإشكاليات والتحديات التى تطرحها على العقل وأنماط وتشكيلاته. من ثم كانت بعض الاستجابات الفكرية واللغوية تتسم بالجدة وبعضها الآخر كرس الانتقائية والتهجين فى اللغة / الأفكار بين التقليدى والمحدث، وهو ما شكل فى بعض جوانبه مناورة مع الأفكار الحديثة. أدى انهيار النظام شبه الليبرالى 23-1952 إلى استمرارية بعض فوائضه الفكرية إلى أوائل عقد الستينيات من القرن الماضي، وهو ما ساعد على بعض من الحيوية للعقل المصرى امتدت بعض آثاره إلى قلة قليلة من بعض مفكرى جيل السبعينيات الضاري. إن تشكيل التسلطية السياسية ومعها التسلطية الدينية حول نظام يوليو، أدى إلى تسييد «الفكرة الوطنية»، والفكرة القومية العربية الجامعة ومفاهيم التعبئة السلطوية، وفى ذات الوقت طرح ناصر مشروعا اجتماعيا ذا نزعة عدالية، إلا أن الإقصاءات والقيود السياسية والقانونية على حريات الرأى والتعبير والنشاط السياسي، والمبادرات الفردية والجماعية، و هزيمة يونيو 1967 أدت إلى طرح أسئلة التعبئة والحشد وإزالة آثار العدوان، ثم بعد ذلك حدثت حرب أكتوبر 1973، ورغم نتائجها فإن الغوغائية الإيديولوجية والنخبوية شكلت أحد مسارات التغير الفكرى لاسيما فى ظل كثافة التوظيف السلطوى للإسلام فى صراعاته السياسية وبروز بعض من التكفير السياسى والدينى لخصوم الرئيس الأسبق أنور السادات، الذى انتهى صريعاً جراء المزايدات السياسية على الدين وبه فى العمليات السياسية والثقافية بينه وبين بعض القوى الإسلامية الراديكالية. من هنا كانت دولة التعبئة والحشد والتنمية المستقلة، تصوغ البيئة السياسية والأمنية والثقافية. لا شك أن طبيعة التغير فى طبيعة النظام السياسى التسلطية أثرت على التعليم، والتكوين الثقافى والمعرفى التى أسست لتشكيلات العقل المصرى وأنماطه.
إن العقل التعبوى شكل حالة شبه عامة فى اللغة والإنتاج الفكرى المصري، وسعى بعض «الفلاسفة» إلى دعم الخطاب الإيديولوجى للزعامة السياسية، بالكتابة عن «الحياد الفلسفي» يحيى هويدي - لدعم سياسة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز. تراجعت الترجمات عن العلوم الاجتماعية وتطوراتها المنهجية، ومصطلحاتها بينما كانت تترى التطورات النظرية واللغوية والسوسيولوجية والفلسفية والألسنية منذ نهاية عقد الأربعينيات من القرن الماضي. من هنا اتجهت الترجمات إلى بعض الكتابات النظرية الماركسية، وبعض النظريات التى سادت تجارب الاقتصادات المخططة فى أوروبا الشرقية. بعض الحيوية كانت فى مجال ترجمة الإبداع المسرحى وبعض الترجمات فى مجال الرواية الغربية هيمنجواى وفوكنر، وشتينباك -.. الخ - والأفريقية. من هنا كانت اللغة الأدبية تتطور نسبياً. والنقد الأدبى بعضه اتسم بالنزعة الانطباعية. كان العقل القانونى يدور فى الأطر الشكلانية، ويستبعد الجوانب الخاصة بسيوسولوجيا وفلسفة القانون نظرياً واصطلاحياً، والأخطر على مستوى التطبيقات البحثية والميدانية إلا قليلاً. كان العقل الايديولوجى التعبوى يدور فى آسار لغته ومقارباته ومن ثم أثر على النظام اللغوي، والميل إلى لغة «الكلاشيهات» Cliche الخشبية، والتى تحمل يقينها الخاص، وكأنها قوانين تفسر كل شيء، ولكن لا تفسر شيئاً. استمرت الحالة التعبوية فى ظل مرحلة السادات إلى ما بعد حرب أكتوبر 1973، وبدأت سياسة دينية ومعها لغة الايديولوجيا الإسلامية - الإخوانية والأزهرية.. الخ - وثنائياتها الضدية حول الحلال والحرام، الصواب والخطأ، والشرعية الدينية ونظرية الثوابت والمرجعية. مذاكَّ ولا تزال الأسئلة القديمة يعاد إنتاجها بذات الصياغات، أو من خلال أقنعة لغوية أخري. إن الصراع السياسى بين النظام التسلطى من عصر السادات إلى عصر مبارك وما بعد أدى إلى إنتاج لغة وأسئلة وأجوبة معلبة وسابقة التجهيز، ولم يفتح الباب واسعاً أمام العقل النقدى إلا فى هامش النظام والحركة السياسية الهشة والضعيفة، ومعها الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية. عاش العقل النقدى فى الهامش بينما السلطة ومعارضتها تتدهور مستويات تفكيرها وظلوا معاً سائرين فى اللغو والثرثرة والشعارات الفارغة، وأوغلوا معاً فى الفكر اليومى والمحلى ضيق الأفق، بينما غادروا زمن العالم، وسكنوا أزمنتهم الخاصة... بينما كان الهامش الفكرى فى الفكر والرواية وقصيدة النثر والقصة، والترجمة لنظريات المسرح المعاصر يشهد حيوية وبعضا من الفعل الثقافى المستقل المواكب لبعض عالمه المتغير. وللحديث بقية.
لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.