هناك بالتأكيد مبررات منطقية للفيتو الروسي الصيني ضد قرار دولي يدعم المبادرة العربية لإخراج سوريا من أزمتها. فموسكووبكين تريدان عقاب الغرب علي خداعه وتجاوزاته في تطبيق مبدأ التدخل لحماية المدنيين في ليبيا وتحويله إلي تغيير النظام بالقوة. وروسيا تريد ضمان وصولها إلي الموانئ السورية الدفيئة, والاستفادة من صفقات الأسلحة, وبكين لا تريد أن تترك موسكو معزولة في استخدامها للفيتو حتي لا تواجه ذات الموقف في حالة احتياجها إليه في قضايا أكثر حيوية في آسيا. ولكن هناك حجج أكثر قوة يستند إلي الموقف الدفاعي للبلدين وتشبثهما بمفاهيم الحرب الباردة. فالرئيس الروسي بوتين يدخل الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل علي قاعدة استعادة قوة الاتحاد السوفيتي, ومنع النفوذ الأمريكي والغربي من التمدد إلي مواقع روسية حصينة في الشرق الأوسط, ويريد أن يساوم الغرب لرفع الضغوط عن إيران, وعدم نشر الدرع الصاروخي في أوروبا, ويري أن الاستناد إلي نظرية المؤامرة الغربية علي بلاده هي ورقته الرابحة في مواجهة حملات الاحتجاج ضده. أما بكين فتريد أن يتم الانتقال الحرج للسلطة إلي قيادة حزبية جديدة في الخريف دون اضطرابات عرقية أو دينية ترفع شعار الديمقراطية تعكر صفوها. المشكلة في هذا المنطق أنه لا زال يري الشرق الأوسط منطقة تقاسم النفوذ بين أمريكا وروسيا, وينطوي علي سوء تقدير فادح للتغيرات التي أحدثتها الثورات العربية وما يعنيه من استعادة دول المنطقة سيطرتها علي مقدراتها. المخاوف الروسية من تكرار التدخل الأطلنطي في ليبيا في غير محلها لسبب بسيط هو أن شهية الغرب للتدخل قد انكمشت, ولا يريد اقحام نفسه في موقف سيتحول بالضرورة إلي حرب أهلية تغري أطراف اقليمية عديدة علي التدخل. سوء التقدير كانت له تبعاته لأن مبدأ عدم التدخل تحول إلي آلية لتبرير القمع ودعم نظم مستبدة, ولأن الفيتو كان ترخيصا لبشار الأسد كي يصعد من استخدام آلته الحربية ضد مدنيين عزل, ولأن البلدين يقفان الآن علي الجانب الخاطئ من الثورات العربية. المعضلة الآن أن الفيتو أجهض محاولة عربية لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة, والنظام عاجز عن فرض سيطرته دون إراقة الدماء, وغياب بديل التحرك الدولي فتح الباب أمام تدفق السلاح من حدود مفتوحة. هناك الآن محاولة عربية لإنقاذ الموقف من خلال الجمعية العامة وتجمع أصدقاء سوريا وسيكون من الأفضل علي البلدين أن يكونا جزءا من الحل لأن مفاهيم الحرب الباردة ولت دون رجعة. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني