"الضنا غالي" عبارة قديمة تضعها نصب عينيك وأنت في بداية مشوار تقديم أوراق المحروس ابنك بعد نجاحه في الثانوية العامة لإحدي الجامعات مع العلم أنه حاصل علي مجموع كبير يؤهله لدخول كليات القمة في احدي جامعات مصر الحكومية العريقة . البداية معي كانت في الجامعات الخاصة وهي كثيرة ولكن المتميز منها يضاهي جامعات أوربا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ، وأنت علي بوابة الجامعة تشعر بدخولك مبني المخابرات العامة فبوابات ممغنطة لا تسمح بدخول أي شخص لا ينتمي للجامعة مهما كان منصبه لواء شرطة مثلا التحقيق من الشخصية وسبب دخولك الجامعة وعفوا أترك سيارتك بالخارج "ممنوع دخول السيارات إلا للعاملين" وفي النهاية يصطحبك شخص شيك جدا ليوصلك لداخل الجامعة وعندها تشعر بدخولك دولة أوربية أو فندق خمس نجوم ليقوم بتسليمك لزميل آخر ليكون دليلك الخاص بك داخل الجامعة . تدخل شئون الطلاب لتقديم أوراق المحروس فتجد طلبة وطالبات من نفس الجامعة يستقبلونك بابتسامة وترحيب ويبدون استعدادهم للإجابة عن كل أسئلتك بدون ضيق أو ضجر . أوراقك يتم استلامها خلال وقت قصير وحتى يحين دورك فأنت تجلس في قاعة مكيفة وهناك شاشة عرض كبيرة تشرح بالصوت والصورة الكليات المتاحة بالجامعة والأقسام التي بها . ونظرا لحصول أبني علي مجموع كبير فهناك حلم قديم بقبوله بأحدي الكليات الحكومية فتوجهنا إلي جامعة حكومية عريقة جدا وكانت المفاجأة ، الأبواب مفتوحة لمن "هب ودب" فيكفي أن يري مشرف الأمن بيدك مظروف التنسيق فلا يكلف نفسه بسؤالك "رايح فين" ولو كنت شخص ذو منصب رفيع فمسموح لك بدخولك وسيارتك وأقاربك أجمعين . تدخل الجامعة فتجد نفسك في "سوق الجمعة" زحام في كل مكان والكل يسأل الكل ولا إجابة شافية فالحوار بين الجميع عبارة عن مجموعة أسئلة ولكن دون إجابة ، وتدخل شئون الطلاب فتجد زحاما أشد ويا ويلك لو عكرت مزاج الباشا الموظف . أحسست أني كنت في سينما سيتي ستارز أشاهد فيلما رومانسيا وفجأة دخلت سينما "علي بابا" لأشاهد فيلم "عبده موته" . الجامعات الخاصة تجربة فريدة جدا لها مميزات أكثر من العيوب فهي تحترم الطالب بمجرد دخوله للجامعة فهي تحافظ عليه ولا تسمح بدخول كل من هب ودب للجامعة ، أيضا تحترم عقله وفكره بتقديم خدمة تعليمية متكاملة في جو ودي لا يشوبه أي توتر خصوصا مع أساتذتهم فيكفي أن تري الأستاذ الجامعي المعروف بقوته وجبروته في الجامعات الحكومية شخص ظريف جدا ويجيد التحدث مع الطلبة ويمكن أن يصل الحوار لدرجة المزاح ولكن باحترام . أما الجامعات الحكومية فهي مثل مؤسسات كثيرة في البلد لها قوتها وسمعتها ولكنها شاخت والسبب أولا الأستاذ الجامعي والذي كان ولا يزال يتعامل كظل الله في الأرض ولا يسمح لأي طالب بمناقشته أو انتقاده وإلا سيكون نصيبه " حاول مرة أخري العام القادم" ولذلك كانت السمة المميزة لمظاهرات الطلاب في الجامعات الحكومية هو الهجوم علي أساتذة الجامعة فهناك ثأر "بايت" وحانت الفرصة للانتقام . أيضا النظر لطالب الجامعة الحكومية باعتباره يدفع ملاليم كمن يشتري لحمة من الجمعية خذ أي حاجة لأنك مش دافع حاجة متناسين أنه قبل أن يكون طالبا فهو إنسان يجب احترام إنسانيته حتى لو كان فقيرا . الجامعات الخاصة الجيدة هي تجربة فريدة يجب أن تقف الدولة بجانبها وتدعمها ولا تنظر لأصحابها علي أنهم مجموعة من المنتفعين الراغبين في جني الأموال وكفي .. وحتى لو كان ذلك هدفهم فهم أفادوا الطالب بتعليمه تعليما يماثل التعليم في الخارج بل حاربوا فكرة الذهاب للتعليم في أوربا ليكونوا فريسة سهلة ويسهل تجنيدهم من أجهزة المخابرات للدول المعادية، وأيضا هذه الجامعات تعتبر مصدرا لدخل الدولة عن طريق الضرائب . أما طلاب الجامعات الخاصة فيجب تغيير نظرتنا إليهم باعتبارهم "أولاد البطة السودا" فالمجتمع ينظر إليهم نظرة الطفل المدلل "المدلع" من تعلم ونجح وتخرج ولكن بفلوسه فهذا ليس كلاما واقعيا فعندما تجد زحاما لكليات عملية في الجامعات الخاصة وإغلاق باب القبول بها من اليوم الأول لقبول العدد المتاح وأغلب هؤلاء المتقدمين حاصلين علي مجاميع مرتفعة تؤهلهم للقبول بنفس الكليات العملية ولكن الحكومية ، فما السبب ؟ .. الأسباب كثيرة ولكن أهمها رغبة أولياء الأمور في الحفاظ علي أبنائهم داخل الجامعة خصوصا بعد دفع دم قلبه في تعليمهم بمدارس لغات فهذه الجامعات تكاد تخلو من المظاهرات فمن الصعب دخول أي شخص مشاغب من خارج الجامعة، أيضا سأضمن تعليم أفضل لتوافر المعامل والقاعات للطلبة والذين يصل عددهم إلي أقل بكثير من زحام قاعات الجامعات الحكومية ، وأخيرا سأضمن معاملة إنسانية متحضرة له داخل الجامعة .أما الدراسة فهي تخضع لضوابط صارمة قد تدفع الطالب للرسوب في حالة عدم الالتزام بها مثل الغياب أو الحد الأدنى للدرجات . يجب أن نكون أكثر صراحة مع أنفسنا وأن تقوم جامعاتنا الحكومية العريقة بتقليد الجامعات الخاصة في الأمن وأسلوب التدريس وطريقة معاملة الأستاذ للطالب ونظافة المكان وقاعات المحاضرات ولو الحجة هي التكاليف الباهظة فلنقلل أعداد الطلبة المقبولين بالجامعات فكل عام يتخرج الآلاف ولكن دون تقدم في البلاد أو تخريج عباقرة بل شباب عاطلون لا يفيدون أو يستفيدون والدليل علي ذلك خلو قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم من أي جامعة مصرية ، ويجب أيضا أن تقدم الدولة منحا مجانية للطلاب المتفوقين ليدرسوا في هذه الجامعات الخاصة ليعيش الطالب إنسانيته في هذا المجتمع ولو خلال المرحلة الجامعية فقط ، وهذا أفضل من تخرجه من جامعة حكومية عريقة وهو يكره الجامعة والأستاذ الجامعي والتعليم و"اللي عايز يتعلم" .