فى ظل طوفان العنف غير المبرر، وتناول موضوعات الجنس والخيانة والدعارة، إلى جانب ارتفاع نسبة المشهيات أو «السسبنس»، مع ابتعاد كامل عن مشكلات المجتمع الحقيقية، والتكريس عن عمد للعشوائية والفوضى فى لوحة دراما رمضان، والتى فى مجملها تخاصم الجدية المعبرة عن حالة الشارع بصورة واقعية - كما يدعى مؤلفو وكتاب سيناريو هذه الأعمال- تأتى حفنة قليلة من المسلسلات ذات الطابع الرومانسي، من شأنها تحسين الصورة، وإنقاذنا من براثن ذلك الطوفان المقيت. فى هذا الموسم الرمضانى يبدو عدد قليل من المسلسلات التى تعتمد قصص الحب محورًا رئيسيًا لتصنع حالة رومانسية من شأنها أن تقاوم ذلك الطوفان، وإحداث نوع من المتعة فى قلب المشاهد المأساوية، ومنها مسلسل «سيرة الحب» لمكسيم خليل وسيرين عبد النور، «فرق توقيت» لتامر حسنى ونيكول سابا «حلاوة الروح» لخالد صالح ونسرين طافش، و»لو» لعابد فهد ونادين نجيم، إضافة إلى ذلك بعض المسلسلات التى لا تخلو من بعض الرومانسية، مثل»سرايا عابدين» الذى يرصد لحظات رومانسية للخديو إسماعيل ببعض الشخصيات النسائية، و»صاحب السعادة» الذى تشتم منه رائحة الرومانسية على استحياء. لكن يبقى مسلسل « سيرة حب « هو واحة الرومانسية الوحيدة فى رمضان 2014، بفضل روعة أداء مكسيم خليل، سيرين عبد النور، ويشاركهما فى البراعة القدير سامى العدل، والمخيف هانى عادل، وكثافة التجسيد عند رشا مهدى، وحنكة ومراوغة فيدرا، وبراءة نورهان، ووقار عصام الأشقر، فضلا عن قصة محمد رشاد العربى، ونضج المخرج الواعد لمحمد جمال العدل «ماندو». الثنائى الرائع «مكسيم وسيرين «، واللذان قدما مسلسل «روبي» من قبل، يعاودان نفس التألق بوتيرة رومانسية طاغية، وعلى درب جديد من العزف على أوتار المشاعر الرومانسية الحالمة بأداء راق ودقة متناهية فى الحركة والسكون يمكنك أن تحلق معهما بحناحين رشيقين فى سماء صافية مشحونة برومانسية عذبة تشفى القلوب التواقة للحب المفقود فى زمن الاغتراب. وعلى ايقاع موسيقى ناعم اعتمد فى غالبه على البيانو وحده، منفردا بالتعبير، تستشعر من خلف الكاميرا ذكاء المخرج محمد جمال العدل فى اختيار زوايا ومشاهد تعكس الطبيعة الخلابة لتناسب الحالة الرومانسية التى سرعان ماتبدو كطيف حالم يداعب شغاف القلوب ، وكأنه عمد إلى صناعة مشاهد متواترة تقترب بالمشاهد فى مجملها إلى واحة رحبة من الراحة بعد نهار رمضانى قاس، مصحوب بحرارة مشبعة برطوبة خانقة، وكأنه أيضا عدو شرس لذلك العنف الضاغط على العصب العارى فى الحياة المصرية الحالية، والذى يطغى – للأسف – فى غالب الأعمال الدرامية الأخرى. براعة الثنائى «مكسيم – سيرين» استطاعت أن تنقلنا إلى أجواء ذلك الزمن الرومانسى الجميل فى السينما المصرية فى عصرها الذهبى فى الخمسينيات والستينيات، لتذكرنا ب « بين الأطلال» فاتن حمامة وعماد حمدى «رد قلبي» مريم فخر الدين وشكرى سرحان، «أغلى من حياتي»شادية و صلاح ذو الفقار، ،»إنى راحلة» مديحة يسرى وعماد حمدي،»يوم من عمرى» عبد الحليم وزبيدة ثروت، و»الوسادة الخالية» له أيضا مع لبنى عبد العزيز، «صراع فى الوادي» عمر الشريف وفاتن حمامة، وغيره من أفلام : «نهر الحب» و»سيدة القصر» و»أيامنا الحلوة»، ليتربع «عمر» على عرش أفلام الحب قبل أن يسافر إلى السينما العالمية، والأكثر رومانسية فى الثمانينيات «حبيبى دائما « نور الشريف وبوسي. على الرغم من إدراكنا الكامل بأن السينما قادرة على إلهاب الخيال، وإضاءة لحظاتنا بالمتعة، لقدرتها على نقل الواقع بعد إضافة مؤثرات خاصة إليه، مثل الموسيقى التصويرية والإضاءة والديكورات التى تجعل من المشهد الواحد لوحة فنية جديرة بالتأمل مرة بعد أخرى، خاصة مشاهد الرومانسية والحب، التى ربما ننسى الفيلم بأكمله ولا ننساها، فإن الأداء السلس للثنائى المبدع «مكسيم – سيرين» ومعهما المخرج محمد جمال العدل استطاعوا جميعا أن يضيئوا لحظات حياتنا الحالية بالمتعة، وقدموا لوحات رومانسية تفيض بالبهجة والسرور، لتبقى خلاصنا الوحيد من هموم السياسية العاصفة بأوطاننا العربية. لقد نجح فريق عمل «سيرة حب» فى استعادة رومانسية سينما الزمن الجميل التى ظلت على القمة، وتتفوق على أفلام عصرنا الحالى لرقى تجسيدها للحب فى مشاهد تحرك العواطف وليست الغرائز، فى صورة عمل درامى تمتد حلقاته إلى ال 90 حلقة ، وأظنه سيكون علامة فارقة فى الدراما الرومانسية المصرية المعاصرة. [email protected]