ما حدث فى كتابة القصة فى مصر خلال نصف القرن الماضى هو تقريبا ما حدث لحى «المعادي» الذى أمضيت فيه كل عمري.. توسعات جديدة مهمة لا يمكن إنكارها، وأشياء أخرى كثيرة مزعجة وعشوائية وأحيانا: قبيحة.. فقد المكان طابعه وهويته وهو فى حالة غليان وبحث عن طابع أو نظام جديد. كذلك القصة، كما تمثلت فى هذا الكتاب الجديد الصادر عن «الكتب خان» المشروع الذى تشرف عليه السيدة: كرم يوسف «حكايات المعادي» ألبوم قصص شابة جديدة، وهو حصيلة «ورشة كتابة» أشرف عليها الكاتب والشاعر: محمد خير.. سبع تجارب قصصية متنوعة جديدة تكشف عن آفاق حرة واسعة ترتادها المواهب الشابة بحثا عن صوت وعن هوية.. انتظمت هذه التجارب تحت عنوان «الفكرة والحكاية»، العنوان الذى دارت حوله الورشة الإبداعية التى استمرت شهرين فى العام الماضي، وهى التجربة الثانية التى ينظمها «الخان» بعد التجربة التى أصدرت «ألبوم قصص»: «السابعة والنصف مساء الأربعاء»، بإشراف الكاتب ياسر عبداللطيف. التجربة المهمة والكاشفة فى الكتاب: هى أن المشرف على الورشة طلب من كل صاحب نص أو حكاية منشورة فى الكتاب أن يضيف إلى عمله عملا آخر، يكون نصا مستقلا عن حكايته، على أن يكون منتميا إلى نفس عالم الحكاية نفسها، مستوحى منها، أو معلقا عليها، أو قريبا منها، أو سادا لإحدى ثغراتها.. النص القصير المضاف ليس مفتوحا، ولكن محتجزا فى فضاء «الحكاية»، وهو بذلك يتيح كشف معان مختلفة متنوعة لكلمة «الفكرة» وراء النص. سبع تجارب تضرب فى الآفاق الواسعة التى تحاول المواهب الشابة ارتيادها: تحرر كامل جديد فى الشكل واللغة وفى بناء القصة: يمنى خطاب، وسارة عبدالناصر، وريهام سعيد، ونهال الشريف، كذلك عبدالله كمال، ومعاذ شهاب، وباسم عبدالحليم: كل هذه الأسماء الجديدة قدمت نصوصا لافتة، جادة، ومثيرة، وقد أثبتت النصوص القصيرة الملحقة بكل حكاية وهو مشروع الورشة الذى دار حوله النقاش على مدى شهرين: جدية الكاتب الشاب، وتمكنه من موضوعه وأدواته. يقول محمد خير: الشرط الوحيد للاشتراك فى الورشة، كان أن الحد الأقصى لعمر المشترك: 03 عاما، وثمة شرط سرى آخر لم يوضع فى الإعلان عن الورشة هو: «استبعاد من كانت لغته العربية لا يمكن إصلاحها»، لأن تشوش اللغة يعنى بالضرورة تشوشا أدبيا لا يمكن قبوله. يدل التنوع فى تجارب هذا الألبوم، والألبوم الذى سبقه على حالة من الحرية فى التجريب التى يعيشها شباب الكتاب بعيدا عن وسائل النشر الرسمى والواسع، كما يشير إلى مدى احتياج هذه التجارب إلى تسليط الضوء عليها ومناقشتها ومتابعتها نقديا، لكى لا يسيطر على ذوق قراء الأدب أنواع سطحية من كتابة التسلية وقتل الوقت. كل قصة من التجارب السبع، والنص القصير الملحق بها، يكشف عن مشروع كاتب/ كاتبة جاد يطور أدواته ويتناول بفنية أدبية ظاهرة أو مشكلة جديدة يعيشها المجتمع فى حالة التغير، والتبدل الحاد والمستمر.. خسارة كبيرة ألا تصل هذه التجارب إلى آفاق النشر الواسع.. هذا هو الطريق لكى تنضج هذه التجارب، ولكى يتخلص الأدب المصرى المعاصر من سيطرة مفاهيم السطحية التجارية التى تفرضها الصحافة وتجارة النشر على مستوى الأدب. أهم الدروس التى استفادها الشباب من هذه الورشة فى اعتقادي، هو استقامة التعبير، واقتصاده، فعلى الرغم من تنوع المقاصد والأساليب، فإن القصص فى مجملها قد اكتست صحة واستقامة لغوية وتعبيرية كنت أفتقدها فيما يصل إليّ من تجارب شابة. ............. لم تعد «المعادي» تلك الضاحية الهادئة السابحة فى الرومانسية المليئة بالخضرة والأشجار والظلال.. أراها تحت عينى تتحول إلى ضوضاء، وعنف، وعشوائية فى النظام والبناء. كذلك الأدب، خاصة: القصة والشعر.. إنه فى حالة غليان، وأهم ما يمكن أن نفعله، هو أن نعترف بالتحولات، وأن نكشف الغطاء عن التجارب والمحاولات. فى النهاية.. يقول محمد خير المشرف على الورشة ومحرر الألبوم: «الكتابة أولا وأخيرا عمل فردي، تلك حقيقة لا تنفيها الورشة، لكن لا شيء يمنع أن نستمتع بالتجربة». لمزيد من مقالات علاء الديب