بين ليلة وضحاها أصبح للمسلمين خليفة حقق حلم الملايين فى عودة الخلافة الراشدة، فقد نصب أبو بكر البغدادى نفسه خليفة للمسلمين، وهو يعد تطورا مهما فى مسيرة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، حيث ظهرت العديد من تلك الجماعات التى وضعت الخلافة الراشدة شعارا تستجدى به عامة المنتمين إلى الإسلام، وذلك عبر مخاطبة عواطفهم ومشاعرهم بوعود يطلقونها بشأن إقامة الدولة الإسلامية بسماتها الراشدة التى عرفتها العصور الأولى من الخلفاء الراشدين. لكن، لم تعلن أى من تلك الجماعات تدشين الخلافة الإسلامية ولم ينصب أى من زعماء وقادة هذه التنظيمات نفسه خليفة للمسلمين، وهو التطور المذهل الذى أدخله تنظيم داعش الذى ظهر فجأة دون أى مقدمات، بل مازالت المعلومات ناقصة، فلا يعلم أحد من وراء هذا التنظيم؟ ومن الذى يموله؟ ومن الذى يمده بالسلاح؟ الحقيقة أنه رغم وجود هذا التنظيم الآن فى سوريا والعراق، فإن تداعياته الخطيرة تمتد لتصل إلى عمق الأمن القومى المصرى، سواء فى بعده الخليجى أو المحلى حيث تواجه الدولة المصرية العديد من التنظيمات الإرهابية سواء تلك المتمركزة فى سيناء والتى تشتبك مع الجيش المصرى فى مواجهة، أحرزت خلالها القوات المسلحة نجاحا مشهودا فى محاصرة أخطار وتهديدات مثل هذه التنظيمات. محاربة الإرهاب يمكن أن تحقق نجاحات مبهرة إذا كان للأجهزة المختلفة دور مهم فى هذه المعركة، وخاصة الأجهزة الإعلامية والثقافية والدعوية التى تخاطب عقول المواطنين ووجدانهم، من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة التى تحاول مثل هذه التنظيمات أن تبثها وتنشرها بين الشباب، ومن أهم هذه المفاهيم الملتبسة لدى البعض قصة الخلافة الإسلامية، بل والأسس التى تقوم عليها، فهل تقوم على القتل والترهيب والعنف وترويع الآمنين؟ هل قرأ الخليفة الجديد السيرة النبوية وسير الصحابة الأجلاء كى يعلم ما هى الخلافة وما هى مقتضياتها؟ هل فهم الشباب أن الاسلام لم يأت من أجل مناصب سياسية بل من أجل خلافة الله فى الكون، تلك الخلافة التى تتجسد فى اقامة شرع الله لدى كل انسان، فقبل أن تخاطب الآخرين بإسلامك وايمانك، خاطب نفسك أولا امتثالا لقوله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ»، فمدلول الآية يؤكد أن يبدأ الفرد بنفسه ثم الآخرين، فهل بدأ هؤلاء المُدعون الانتساب إلى الإسلام بأنفسهم وطبقوا مبادئ وقيم الإسلام وأحكامه على أنفسهم ثم يطالبوا الآخرين بالالتزام بها؟ ما أود قوله أن قضية الخلافة الإسلامية وحلم تحقيقها تستغله جماعات عديدة وتنظيمات متنوعة بهدف دغدغة مشاعر العامة، بما يستوجب من مؤسسات الدعوة الإسلامية المعنية وفى مقدمتها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف من خلال منابرهما المباشرة أو عن طريق وسائل الإعلام المختلفة أن تُجلى الغموض والالتباس الذى ينتشر بين الناس بشأن قضية الخلافة الإسلامية وكيفية تحقيقها دون تهوين أو تهويل يُخدع به الناس. وتمثل هذه المهمة حائط الصد الأول أمام أى خطابات تحملها مثل هذه التنظيمات وتحاول أن تستقطب بها شبابنا وبناتنا كما فعلت بعض الجماعات الإرهابية التى تعانى منها مصر اليوم. لا تقتصر مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية التى من المؤكد أن وراءها قوى دولية وأطرافا إقليمية تسعى إلى تفتيت الأمة العربية وتفكيك أواصر دولها بما يسهل الاستيلاء عليها لتتحقق مصالحهم فى المنطقة، وهو ما يستوجب أن يكون لجامعة الدول العربية إن أمكن ذلك أو لبعض الدول العربية الفاعلة وعلى رأسهم مصر، الدعوة إلى عقد مؤتمر اقليمى عربى أمنى يحدد بصورة واضحة مصادر تهديد الأمن القومى العربى فى مجمله وأمن كل دولة على حدة، مع وضع الاستراتيجيات والخطط والسياسات التى تمكن الدول العربية من التنسيق والتعاون سويا فى سبيل مواجهة مثل هذه التهديدات. مع الأخذ فى الحسبان أن نجاح مثل هذا المؤتمر يتوقف على استعادة العلاقات العربية العربية وتصفية الخلافات البينية، ولعل ما أقدم عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى عودة مصر إلى محيطها العربى والإفريقى يمثل خطوة مهمة فى سبيل تصفية الأجواء واستعادة روح التعاون المشترك، فكانت زيارته الأخيرة إلى كل من الجزائر والسودان ومن قبلها استقباله العاهل السعودى على متن الطائرة فى المطار، وكذلك اتصاله الأخير بالرئيس العراقى نورى المالكى رغم أنه يمثل العنصر الرئيسى فى الأزمة العراقية، هذا إضافة إلى دور مصر فى الملف الفلسطينى الذى يشهد تدهورا كبيرا الآن، بسبب العدوان الإسرائيلى على غزة. تكشف كل هذه الخطوات الجادة عن رؤية جديدة للسياسة الخارجية تستهدف بها مصر استعادة مكانتها إقليميا ودوليا. لمزيد من مقالات عماد المهدى