الجيش الجزائري: القضاء على إرهابي في عملية عسكرية غربي العاصمة    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 بالمصانع بعد التحديث الأخير    تعرف على تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات بداية الأسبوع    أسماء.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدًا الجمعة المقبل    الجيش الأمريكي "يشتبك" مع 5 مسيرات فوق البحر الأحمر    يعيش في قلق وضغط.. هل تُصدر المحكمة الجنائية مذكرة باعتقال نتنياهو؟    مواعيد مباريات اليوم لمجموعة الصعود ببطولة دوري المحترفين    طقس اليوم حار نهارا مائل للبرودة ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 30    ما المحظورات التي وضعتها "التعليم" لطلاب الثانوية خلال الامتحانات؟    تكلف 3 ملايين دولار.. تفاصيل حفل زفاف الملياردير الهندي في الأهرامات    أمير هشام: تصرف مصطفى شلبي أمام دريمز الغاني ساذج وحركته سيئة    المندوه: كان يمكننا إضافة أكثر من 3 أهداف أمام دريمز.. ولماذا يتم انتقاد شيكابالا بإستمرار؟    مواعيد مباريات اي سي ميلان المتبقية في الدوري الإيطالي 2023-2024    ميدو: هذا المهاجم أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    عيار 21 يتراجع الآن لأدنى مستوياته.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم في الصاغة    صحف السعودية| مطار الملك خالد الدولي يعلن تعطل طائرة وخروجها عن مسارها.. وبن فرحان يترأس اجتماع اللجنة الوزارية العربية بشأن غزة    انخفاض جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 في المصانع والأسواق    بعد وفاة والدتها.. رانيا فريد شوقي فى زيارة للسيدة نفسية    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    علييف يبلغ بلينكن ببدء عملية ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا    إصابة 13 شخصا بحالة اختناق بعد استنشاق غاز الكلور في قنا    ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    مجتمع رقمي شامل.. نواب الشعب يكشفون أهمية مركز الحوسبة السحابية    خالد الغندور يوجه انتقادات حادة ل محمد عبد المنعم ومصطفى شلبي (فيديو)    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    رابطة العالم الإسلامي تعرب عن بالغ قلقها جراء تصاعد التوتر في منطقة الفاشر شمال دارفور    «مسلم»: إسرائيل تسودها الصراعات الداخلية.. وهناك توافق فلسطيني لحل الأزمة    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    شقيقة الفلسطيني باسم خندقجي ل«الوطن»: أخي تعرض للتعذيب بعد ترشحه لجائزة البوكر    سامي مغاوري عن صلاح السعدني: «فنان موسوعي واستفدت من أفكاره»    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    تموين الإسكندرية: توريد نحو 5427 طن قمح إلى الصوامع والشون    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    بعد طرح برومو الحلقة القادمة.. صاحبة السعادة تتصدر ترند مواقع التواصل الاجتماعي    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    فراس ياغى: ضغوط تمارس على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية للوصول لهدنة في غزة    تحرك عاجل من الخطيب ضد السولية والشحات.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    فيديو.. سامي مغاوري: أنا اتظلمت.. وجلينا مأخدش حقه    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    أيمن يونس يشيد بتأهل الأهلي والزمالك.. ويحذر من صناع الفتن    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لواء أ. ح. حسام سويلم يكتب:
ما لا يعرفه الإخوان عن "حسن البنا" (3) منهج الإخوان المتاجرة بشعار إحياء الخلافة ومقاتلة من يعارضها
نشر في الوفد يوم 24 - 00 - 2013

عندما يطلع أي مسلم علي إرشادات حسن البنا فيما صدر عنه من رسائل إلي جماعته، أو مقالات في إصدارات جماعة الإخوان - مثل النذير - وكذا اعترافات قادة الإخوان التي وردت في مذكراتهم، ثم يربطها بممارسات وسلوكيات الجماعة عبر أكثر من ثمانين عاماً، سيتأكد له أنه حيال حركة سياسية تستهدف أولاً وأخيراً الاستيلاء علي الحكم والسلطة
وليس لها أدني علاقة بالدعوة إلي طاعة الله وحده لا شريك له، وجهاد النفس وتزكيتها وتطهير القلب والهداية إلي الله تعالي، وهي جوهر رسالات رسل الله جميعاً إلي أقوامهم التي يوضحها كل القصص القرآني، وتؤكدها سنة سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم التي تدعو المسلم إلي التخلق بمكارم الأخلاق المحمدية التي بُعث بها حضرته، وبما يؤدي إلي الهداية إلي الله تعالي، ويحقق السكينة للمسلم وصلاح حاله في الدنيا والآخرة، وبالتالي صلاح المجتمعات الإسلامية.
وربما ليس عيباً أن يسعي أي حزب أو حركة سياسية إلي الوصول للسلطة والحكم إذا ما اتبع أصحاب هذا الحزب أو الحركة أساليب الصراع السياسي المعروفة دونما عنف أو إرهاب، إلا أن ما هو مرفوض رفضاً باتاً هو ما اتبعته جماعة الإخوان عندما تدثرت أهدافها وطموحاتها السياسية بغطاء ديني، ورفعت شعارات إسلامية براقة مثل «الحكم بما أنزل الله» و«تطبيق الشريعة» و«تغيير المنكر»، وهي كلمات حق يراد بها باطل، تستغلها جماعة الإخوان وتطوعها طبقاً لمفهومها وبما يعطيها وحدها الحق في حكم المسلمين باسم «الخلافة» وهو نوع من الدجالة والتجارة بالدين لتحقيق أهداف سياسية وسلطوية بحتة، أما الأخطر من كل ذلك فهو تحريض حسن البنا وغيره من مرشدي الجماعة وقادتها عبر تاريخها لأعضاء الجماعة علي استخدام القوة، واللجوء إلي ممارسات العنف والإرهاب لتحقيق هدف الوصول إلي السلطة والحكم وإقصاء غيرهم، حتي إن أدي ذلك إلي تخريب وتدمير المجتمعات الإسلامية واستحلال حرمات أهلها.
المتاجرة بشعار الخلافة
لم يحظ شعار ديني من الشعارات التي رفعتها الجماعات المتأسلمة وفي مقدمتها جماعة الإخوان، بالمتاجرة من أجل الوصول إلي السلطة والحكم مثل شعار عودة الخلافة الإسلامية، رغم ما تسبب فيه ذلك من إسالة دماء المسلمين عبر القرون نتيجة صراعاتهم علي من هو أحق بالخلافة بينهم، هذا رغم أن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم حسم هذا الأمر في حديثه الشريف منذ 14 قرناً: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً عضوداً»، وقد ورد هذا الحديث في العديد من الكتب ومن بينها مسند الإمام أحمد والترمذي، وهو يعني أن الخلافة كانت لمدة ثلاثين سنة فقط لإقامة دعائم الدولة الإسلامية، وهو ما حدث بالفعل إذ انتهت الخلافة بعد ثلاثين عاماً فعلاً بعد انتقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيام الدولة الأموية سنة 30 هجرية، حيث أصبح الأمر ملكاً عضوداً، أن يتصارع عليه المتصارعون علي السلطة والحكم، ويعضون عليه بالنواجذ.
وكان نتيجة الصراع علي الخلافة في عهد الدولة العباسية أن نصب «الخليفة» أبوجعفر المنصور نفسه خليفة الله في الأرض، وفي ذلك خاطب الناس قائلاً: «أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة، وعنكم زادة، نحكمكم بحق الله الذي أولانا وسلطانه الذي أعطانا، وإنما أنا سلطان الله في أرضه، وحارسه علي ماله، جعلني عليه فضلاً، إن شاء الله أن يفتحني لإعطائكم، وإن شاء أن يقفلني».. وبذلك اعتبر المنصور نفسه حاكماً بالحق الإلهي يتصرف في أرواح وأرزاق وحرمات المسلمين كيفما شاء، أو الخليفة الأموي معاوية فقد قال في هذا الشأن أيضاً: «الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذت فلي، وما تركته للناس فيالفضل مني».
وإذا انتقلنا إلي العصر الحديث، بعد أن ألغي كمال أتاتورك الخلافة في تركيا وأنهي بذلك الخلافة العثمانية، فسنجد ملوك الدول العربية والإسلامية يتصارعون فيما بينهم، كل يزعم أنه خليفة المسلمين، حيث طلبها الملك حسين بن علي في فلسطين عام 1924 لنفسه وبايعه عليها علماء فلسطين، كما طلبها لنفسه أيضاً الملك فؤاد الأول في مصر في نفس العام، كما نازعهما علي الخلافة أيضاً ملك الأفغان، وانقسم المسلمون واحتدمت معارك كلامية وفقهية، بل واشتعل الخلاف حول مدي شرعية الخلافة، ونشط العلماء والسلفيون في مصر لعقد مؤتمر في مارس 1925 لإعلان الملك فؤاد خليفة للمسلمين، وفشل فشلاً ذريعاً في تحقيق هدفه بسبب وقفة الزعماء السياسيين في مصر ضد دعوة خلط الدين بالسياسة، ومنهم مصطفي النحاس باشا رئيس مجلس الوزراء الذي أعلن إعجابه بكمال أتاتورك الذي أنهي الخلافة في تركيا «وصاغ بعبقرية تركيا الحديثة» وهو الأمر الذي أغضب حسن البنا وهاجم بسببه موقف النحاس باشا الذي أيد الحكومة التركية لأنها «قلبت نظام الخلافة إلي الجمهورية».
وكانت استعادة الخلافة الإسلامية تشكل محور سياسة وخطابات حسن البنا، فطوال حقبة الأربعينيات وبينما كانت مصر كلها تغلي بالنضال ضد الاحتلال البريطاني كانت مؤتمرات واجتماعات الإخوان تنحرف بالقضية كلها نحو ضرورة التركيز علي «استرجاع الخلافة الضائعة» ولم يفصح البنا من الذي يرشحه خليفة للمسلمين آنذاك، وإن كان في سياق نفاقه وتملقه للملك فاروق نجده يقول: «إن لنا في جلالة الملك المسلم أيده الله أملاً»، ولكن حسن البنا الذي كان يصوره أتباعه في جماعة الإخوان ويروجون له باعتباره «خليفة رسول الله» يؤكد هذا المعني في حديثه: «إن الخلافة تقوم لوراثة النبوة» (الرسائل ص 27)، وهنا تساءل الكثيرون: إذا كان الخليفة وارثاً للنبوة كما يدعي البنا فمن يمكن أن يعارضه؟، ثم كيف يكون الخليفة وارثاً للنبوة والنبي صلي الله عليه وسلم كان يحكم بوحي يوحي إليه؟، ولم يقل أي من الخلفاء الراشدين إنهم يحكمون بالحق والوحي الإلهي، بل صار الحكم في عهدهم إنسانياً يجوز عليه احتمال الخطأ والصواب، وهو ما برز كثيراً في أحاديثهم، بل وطالبوا المسلمين بتقويمهم إذا ما أخطأوا؟
إلا أننا نري من جماعة الإخوان ومؤيديها في المشرق الإسلامي من يلح علي عقول المسلمين في ضرورة إعادة حكم الخلافة، ومن هؤلاء أبوالأعلي المودودي في باكستان - وهو الأب الروحي للجماعات الإسلامية في الهند وباكستان - وكان علي اتصال وثيق بكل من حسن البنا وسيد قطب، يقول في كتابه «نظرية الإسلام.. ص 71»: «إن الدولة الإسلامية تقوم علي أساس حاكمية الله الواحد، فالأمر والحكم والتشريع كلها مختصة بالله وحده، وليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو شعب ولا حتي النوع البشري كله، وإنما تكون لحاكم يقوم بوظيفته خليفة الله، فليس لأحد أن يأمر وينهي من غير أن يكون له سلطة من الله»، ثم يأتي علي دربه رشيد علي رضا ليكرر نفس المعني في كتابه «الخلافة أو الإمامة العظمي.. ص 116 - 128»، فيقول: «الخلافة الإسلامية هي الحكومة المثلي التي بدونها لا يمكن أن يتحسن حال البشرية.. فهي خير دولة ليس بالنسبة للمسلمين فحسب ولكن بالنسبة لسائر البشر».
ومن عباءة حسن البنا خرج آخرون يكررون نفس المزاعم، ومنهم شكري مصطفي زعيم جماعة التكفير والهجرة التي اغتالت وزير الأوقاف حسن الدهبي عام 1977، حيث نصب شكري نفسه «أميراً» للجماعة المسلمة التي أسماها «جماعة الحق في آخر الزمان»، وأطلق علي نفسه «طه المصطفي شكري أمير آخر الزمان»، ونمضي مع الداعين بعودة الخلافة ومنهم صالح سرية «حزب التحرير الإسلامي» - الذي قاد العملية الإرهابية في الكلية الفنية العسكرية عام 1977 - حيث نجده يقول في «رسالة الإيمان.. ص 16»: «لا جهاد إلا بوجود خليفة للمسلمين»، أما الشيخ عمر عبدالرحمن، مفتي الجماعة الإسلامية الذي أفتي باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات ومهاجمة مديرية أمن أسيوط التي سقط فيها 118 شهيداً من ضباط ورجال الشرطة، فنجده يقول في كتابه «حتمية المواجهة.. ص 63»: «الإمامة في الإسلام موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين»، أما المدعو عمر بكري عضو حزب التحرير الإسلامي في بريطانيا، فنجده يقول في مجلة «المجلة» اللندنية في 31/12/1995: «إننا نطمح إلي خلافة تقوم علي سلسلة من الانقلابات العسكرية في كل بلاد المسلمين»، وحتي الدكتور سليم العوا، نجده بدوره يترحم علي زمان الخلافة العثمانية، فيقول: «منذ انهارت الخلافة العثمانية تفرقت قوة المسلمين، وتمكن عدوهم من السيطرة علي مقدرات بلادهم جميعاً».
الرد علي دعاوي استعادة الخلافة
وفي مواجهة هذه الدعاوي الباطلة حول حتمية استعادة الخلافة، وهو ما يناقض أمر سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم السابق الإشارة إليه حول انتهاء الخلافة بعد انتقال حضرته بثلاثين عاماً، وانتهاء خلافة سيدنا علي بن أبي طالب، لم تعظم الأمة الإسلامية العلماء الذين تصدوا لهذه الدعوة وإظهار بطلانها وتسببها في إشاعة الفتنة والصراعات الدموية في ربوع البلاد الإسلامية، ومنهم الشهرستاني الذي قال في كتابه «نهاية الأقدام»: «إن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد»، والجرجاوي في كتابه «شرح المواقف»: «إن الخلافة ليست من أصول الديانات والعقائد، بل هي من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين»، أما الغزالي فيقول في «الاقتصاد في الاعتقاد»: «إن نظرية الإمامة ليست من المعتقدات»، وأيضاً نجد أبوحفص بن عمير يقول في «عقيدة التوحيد.. ص 154»: «إن الإمامة مستخرجة من الرأي، وليست مستخرجة من الكتاب والسنة».
وعندما ألغي كمال أتاتورك الخلافة في تركيا وتصور البعض أن الدنيا قامت ولن تقعد، قام عدد من رجال الدين الأتراك فأصدروا كتاباً بعنوان «الخلافة وسلطة الأمة»، فندوا فيه فكرة الخلافة وقالوا في ص 92: «لو كانت مسألة الخلافة، كما يظن البعض من المسائل الدينية الرئيسية لبين الرسول الأكرم تفاصيلها وهو الذي لم يضن ببيان وصاياه في أبسط الفروع والآداب والعادات، وفضلاً عن هذا فإنها لو عدت من المسائل الدينية الأصلية للزم حينئذ أن يكون دين الإسلام ناقصاً ولم يكتمل في زمن النبي «حاشا لله» لأنه لم ترد نصوص شرعية بخصوصها في زمنه، في حين تقول الآية الكريمة: «اليوم أكملت لكم دينكم»، ومن ثم فإن ترك الحديث عنها إنما يعني أنها ليست لازمة»، ويمضي أصحاب الكتاب قائلين: «الرسول الكريم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وقد سكت عنها وعن موضوع الحكم جمله وشكله وكيفية اختيار الحاكم وسلطته وحدود سلطاته، ومن ثم فهي من الأمور المسكوت عنها، والمسكوت عنه متروك لاستحسان البشر»، ثم يستشهد الكتاب بما ذكره المحقق الإسلامي «صدر الشريعة» المتوفي سنة 747 ه، القائل في كتابه «تعديل العلوم» بعد أن ذكر شروط الخلافة، وصرح بأنها ختمت في الثلاثين سنة التالية لانتقال الرسول وتأسست بعدها السلطنة التي هي عبارة عن الرئاسة الدنيوية، فإنه قد سقط من الشرائط ما تسقطه الضرورة، ثم يستطرد الكتاب فيذكر بأن «حضرة الإمام المعظم أبي حنيفة وهو من أكبر أئمة الدين لم يقبل الخلافة الأموية ولا العباسية ولا يجزها، ولهذا رفض تولي القضاء أولاً في زمان الأمويين ثم في دور العباسيين حين كلفوه بها، بل كان يعطي الفتاوي سراً، ثم يقول: «لا يخفي علي قارئ تاريخ الإسلام ما ارتكبه الخلفاء الأمويون من الظلم والسفه بحق أحفاد الرسول صلي الله عليه وسلم، وما سبق منهم من الجور عليهم والجفاء لهم ثم تأسست الدولة العباسية علي الظلم والاعتساف والقهر والتغلب فإن عدد الذين قتلهم أبومسلم الخرساني من الأمويين يبلغ ستمائة ألف.. أما عبدالله بن علي عم أبي العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين فقد أجري مقتلة عامة في الشام حين استيلائه عليها، وقتل تسعين من الأعيان بالعصي بعد أن دعاهم إلي مأدبة طعامه، كما أنه فتح قبور الخلفاء الأمويين وأحرق أجسادهم وعظامهم، وكذلك فعل سليمان بن علي أخوه الذي قتل كل من لقيه من الأمويين بالبصرة، وأمر بجر جثثهم في الأزقة وتركها طعاماً للكلاب، فهل نستغرب بعد ذلك أو تصيبنا الدهشة من ممارسات أتباع حسن البنا في جماعة الإخوان - المطالبين باستعادة الخلافة - تلك الممارسات التي اتسمت بالقتل والسحل والتعذيب والدموية في ميادين رابعة والنهضة وكرداسة وناهيا ودلجا في محافظات مصر، وهم في ذلك علي نهج سابقيهم الذين استحلوا حرمات المسلمين في عهود الدول الأموية والعباسية والعثمانية والفاطمية، حيث كان كل فريق يزعم الخلافة لنفسه.. ثم يختتم العلماء الأتراك كتابهم «الخلافة وسلطة الدولة» قائلين: «إن النص في القانون الأساسي العثماني علي أن ذات الحضرة السلطانية مقدسة وغير مسئول أمام أحد هو أمر مخالف للشرع كلياً.. ونقول بكمال الإخلاص إن مسألة الخلافة لا يستحق الإعظام، لأن الذي عظمها ليس الشريعة بل أصحاب الأفكار الجامدة الذين يميلون دائماً إلي إبقاء القديم علي قدمه من غير نفاذ إلي الحقائق الشرعية، والخلاصة أن مسألة شكل الحكومة هي من المسائل النابعة لمقتضيات الزمان، وتتبقي أحكام مثل هذه المسائل حسب تطورات هذه الأحوال والبواعث، ولذلك لم يضع الشارع أحكاماً شرعية في مثل هذه المسائل، واختار السكوت عنها.
أما د. أحمد البغدادي، فيؤكد في كتابه «تجديد الفكر الديني - دعوة لاستخدام العقل» ص 412 أن حكم الخلفاء كان يدور دوماً حول شخصهم وحول استمرار ملكهم وتسلطهم علي البشر، وهو ما أوضحه معاوية في قوله: «لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا»، ثم نمضي مع معارضي فكرة الخلافة، فنجد قاسم أمين يقول في كتابه «المرأة الجديدة» ص 34: «أما من جهة النظامات السياسية فإننا مهما دققنا البحث في التاريخ الإسلامي لا نجد عند أهل العصور ما يستحق أن يسمي نظاماً، ذلك أن شكل حكومتهم كان عبارة عن خليفة أو سلطان غير مقيد يحكم بموظفين غير مقيدين، وربما يقال إن هذا الخليفة كان يولي بعد أن يبايعه أفراد الأمة، وأن هذا يدل علي أن سلطته مستمدة من الشعب الذي هو صاحب الأمر، لكن هذه السلطة التي لا يتمتع بها الشعب إلا شكلاً ولبضع دقائق هي سلطة لفظية، أما في الحقيقة فإن السلطان هو صاحب الحق وحده».
ثم يأتي الإمام الشيخ محمد عبده الذي يؤكد في كتابه «الأعمال الكاملة - تحقيق د. محمد عمارة - ج 2» ص 287: «الأمة هي صاحبة الحق في السيطرة علي الحاكم، وهي التي تخلعه متي رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكم مدني من جميع الوجوه، فالإسلام لا يجعل للقاضي أو المفتي أو لشيخ الإسلام أية سلطة علي العقائد وتقرير الأحكام، وكل سلطة تناولها واحد من هؤلاء هي سلطة مدنية، ولا يسمح لواحد منهم أن يدعي حق السيطرة علي إيمان أحد أو عبادته لربه، أو أن ينازعه في طريقة نظره»، ثم يمضي الشيخ محمد عبده قائلاً: «أما الفكرة الشائعة عن توحيد الإسلام بين السلطتين المدنية والدينية فهي خطأ محض، ودخيل علي الإسلام ومن الضلال القول بأن الإسلام يحتم فرق السلطتين في شخص واحد، والزعم تبعاً لذلك بأن السلطان مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها، وأن المسلم مستعبد لسلطاته»، ويستطرد الشيخ محمد عبده قائلاً في نفس الموضوع: «إن الإيمان بالله يرفع الخضوع والاستعباد للرؤساء الذين استذلوا البشر بالسلطة الدينية، وهي دعوي القداسة والوساطة عند الله، ودعوي التشريع والقول علي الله بدون إذن الله، أو السلطة الدنيوية، وهي سلطة الملك والاستبداد، فالمؤمن لا يرضي أن يكون عبداً لبشر مثله، ثم إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان مبلغاً مذكراً، لا مهيمناً ولا مسيطراً، وليس لمسلم مهما علا كعبه في الإسلام علي آخر مهما انحطت منزلته إلا حق النصيحة والإرشاد، والأمة هي صاحبة الحق في السيطرة علي الحاكم، وهي تخلعه متي رأت ذلك مصلحتها، فهو حاكم مدني من جميع الوجوه»، فأين هذا من القول الباطل بسلطة مطلقة ومقدسة وأبدية للخليفة الذي يسمونه «خليفة الله» أو يقولون إنه «ظل الله في الأرض» أو «وريث النبوة»، وهو ما يدعيه ويزعمه لنفسه حسن البنا؟
ثم نمضي لنستعرض جزءاً من معركة الشيخ علي عبدالرازق ضد فكرة الخلافة، فنجده يقول في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» ص 36: «فشعائر الله تعالي ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف علي ذلك النوع من الحكومة الذي يسميه الفقهاء خلافة، ولا على أولئك الذين يسميهم الناس خلفاء، والواقع أن صلاح المسلمين في دنياهم لا يتوقف على شىء من ذلك، فليس من حاجة الى تلك الخلافة لأمور ديننا، أو لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الاسلام والمسلمين، وينبوع شر وفساد».
ثم يقول: «وإذا كان في الحياة الدنيا شىء يدفع المرء الى الاستبداد والظلم ويسهل عليه العدوان والبغي فذلك هو مقام الخليفة، إن الخلفاء والسلاطين استبدلوا بالمسلمين وحجبوا عنهم نور الحق واذلوهم باسم الدين، وحرموا عليهم النظرة في أمور السياسة باسم الدين، وخدعوهم وضيقوا على عقولهم في فهم الدين، فصاروا لا يرون غير الدين مرجعاً حتى في أمور الادارة الصرفة والسياسة الخالصة، وأدى ذلك الى موت ملكة التفكير الرصين عند المسلمين.. ولا شىء في الدين يمنع المسلمين من أن يدينوا ذلك النظام العتيق «نظام الخلافة» الذي ذلوا به واستكانوا اليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما انتجت العقول البشرية».
ونسرع نحو مفكر آخر هو د. حسين فوزي النجار في كتابه «نقلاً عن السيد يوسف: الإخوان المسلمون والدولة الدينية» ص 26، فنجده يقول: «وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم مبادئ الحكم والسياسة، ولكنه لم يضع نظاما للحكم، ولم يتخذ في السياسة قاعدة أو اسلوباً الا ما يتفق مع مبادئ الأخلاق وهدى الرسالة وخير المسلمين.. ولم يأت في القرآن ما يشير الى إقامة الدولة، وأن ما ورد فيه مما يشير الى الأمة الإسلامية إنما قد ورد بدعوى الدعوة للخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ثم إن التشريع الاسلامي تشريع للحياة والحضارة وليس تشريعاً للدولة».
ويكشف الأستاذ سليمان فياض في مقالة له «بالمجلة» في 6/1/1996 عن استغلال تنظيمات ارهابية لشعار الخلافة لتبريرها أعمال العنف والارهاب والترويع التي تمارسها من أجل الاستيلاء على السلطة والحكم في البلاد الاسلامية، وتكفير أنظمة الحكم القائمة حالياً في هذه البلاد، وتحت شعار الجهاد لاقامة دولة الخلافة من جديد، فيقول: «إنهم بذلك يريدون العودة بالحاضر الى الماضي بمظالمه وصراعاته وفتنه وثوراته، ومصارع رجاله، وإلغاء حق الشعوب المدني والدنيوي في تقرير المصير واختيار الحاكمين، وتحديد مدة الحاكم تفادياً لقهر الحاكمين، وتجديداً لنظام الحكم وروحه كل بضع سنين».
وأخيراً نعود مرة أخرى الى د. محمد عمارة في كتابه «الاسلام والسلطة الدينية» ص 25، فنجده يرى أن شكل الخلافة المعمول به حالياً، والسلطات المطلقة والمقدسة الممنوحة للخليفة تجعلنا «وبقليل من التأمل أمام شكل قديم من أشكال الفاشية الحديثة وتأليه لفرد يزعم البعض أن له من القدرات والصفات مما لا يشاركه فيه فرد آخر، بل ولا تشاركه فيه الأمة كلها مجتمعة، والنتيجة هى احتقار الجماهير، وهذا الاحتقار هو المقدمة لاغتيال مصالحها لحساب من تخدمهم وتخدم مصالحهم هذه النظريات، والوسيلة النظرية الى ذلك هى الزعم بأن السلطة ليست مدنية حتى تتولاها الأمة، وانما هى دينية تستأثر بها السماء التي أنابت عنها حاكماً حسابه أمامها وليس أمام البشر المحكومين»، ثم يؤكد د. عمارة: «إن ما هو دنيا وأحكام وسياسة لم يعرض لها القرآن بنص وتفصيل علينا أن نجعل الاحتكام فيها للاجتهاد والرأي، وأن يكون المعيار والهدف هو المصلحة المبتغاة لجموع الأمة ودفع المضرة المحتملة عنها، على أن يكون ذلك كله في إطار الوصايا العامة والقواعد الكلية التي حددها القرآن عندما دعا إلى الخير والعدل والشورى، وحذر من الضرر والضرار»، «المراجع: د. رفعت السعيد: المتأسلمون.. ماذا فعلوا بالإسلام وبنا؛ وأيضاً «الارهاب المتأسلم.. لماذا ومتى وإلى أين؟».
ولم يسأل أحد ممن يعتقدون ويعتنقون الفكر الخاطئ باستعادة نظام حكم الخلافة انفسم سؤالا بديهيا، وهو: مع الافتراض - نظريا - بأننا استعدنا نظام الخلافة، فمن الذي سيحكمنا باسم خليفة المسلمين؟ أليس في النهاية هو بشر مثلنا يمكن أن يصيب ويخطئ، سواء انتخبه المسلمون خليفة لهم أو فرض نفسه بالقوة والعنف نفسه خليفة عليهم كما حدث في الماضي، وتحاول اليوم التنظيمات الاسلامية كالإخوان وغيرها فرض زعمائها علينا خلفاء لله في الأرض، إن الله تعالى - حاشا لله ونستغفره - لن يُنزل علينا شخصاً من السماء أو يخرج لنا من الأرض رجلاً يحكمنا باسم الحق الإلهي، ولكن سيكون رجلاً من بيننا يزعم لنفسه باطلاً هذا الحق الإلهي.. فكيف يستسيغ إنسان عاقل قول من يدعون في جماعة الإخوان وحلفائها أنهم سيأتون بمن يحكمنا باسم الله تعالى؟!
دعوة حسن البنا لمقاتلة معارضي الخلافة
دعا حسن البنا صراحة إلى حمل السلاح والاعداد لمقاتلة كل من لا يستجيب لدعوة إحياء الخلافة والاستيلاء على الحكم والسلطة لاقامة دولة الخلافة، فنجده يقول في كتاب «مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا» ص 159 عن مراحل الدعوة التي تتضمن اعداد الجنود ثم التنفيذ: «الدعوة لها ثلاث مراحل هى: مرحلة الدعاية والتعريف، ثم مرحلة التكوين واعداد الجنود وتعبئة الصفوف، ثم بعد ذلك مرحلة التنفيذ».
ثم يحدد البنا في ص 162 متى يبدأ غزو الإخوان المسلمين، فيقول: «في الوقت الذي يكون فيه منكم - معشر الإخوان المسلمين - ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحياً بالإيمان والعقيدة، وجسمياً بالتدريب.. في هذا التوقيت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله.. ألفوا الكتائب، وكونوا الفرق، وأقبلوا على الدروس وسارعوا الى التدريب.
ويؤكد حسن البنا عزم جماعته على استخدام القوة لاسقاط النظام السياسي والاجتماعي في مصر عندما يستكملون استعدادهم، وأن المسألة في نظره وقت واستعداد، فنجده يقول في ص 168 تحت عنوان «الاخوان والقوة والثورة»: «يتساءل كثير من الناس: هل في عزم الاخوان ان يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون في اعداد ثورة عامة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي؟ ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إنني انتهز هذه الفرصة فاكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء، فليسمع من يشاء.. أما القوة فهى شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته.. ولابد لمن يتبع هذا الدين أن يكون قوياً، والاخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء.. قوة العقيدة والايمان، ثم قوة الوحدة والارتباط ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح».
ثم يضيف حسن البنا موضحاً: «سيستخدم الإخوان القوة حين لا يجدي غيرها، وحين يستكملون عدة الإيمان والعدة، وعندما يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء ينذرون أولا، ثم ينتظرون ثم يقدمون».
ويزعم البنا أن طلب الحكم وممارسة السياسة هي الإسلام وأن المطالبة بالحكم والحكومة ركن من أركان الإسلام، وأن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة، فنجده يقول في ص144: «إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا إلي الإسلام، والحكومة جزء منه، فإن قيل لكم هذه سياسة فقولوا هذا هو الإسلام، نحن دعاة حق نعتقده ونعتز به، فإن وقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندافع عن أنفسنا وكنتم أنتم الظالمين».
ثم يمضي حسن البنا في دعواه التي يخلط فيها بين الدين والسياسة فيقول في ص170: «يتساءل فريق آخر من الناس: هل في منهاج الإخوان المسلمين أن يكونوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم؟ ولا أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة ولا نبخل عليهم بالجواب.. فالإسلام كما يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه ويعتمد علي التنفيذ كما يعتمد علي الإرشاد.. فالإسلام حكم وتنفيذ كما هو تشريع وتعليم.. لا ينفك واحد منها عن الآخر، فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم.. فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أمر الله، فالإخوان المسلمون لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية، فلتعلم الأمة ذلك، ولتطالب حكامها بحقوقها الأساسية وليعمل الإخوان المسلمون لتحقيق الفكرة الإسلامية، التي يؤمنون بها.
ويصف عدم مطالبة الإخوان بالحكم بأنه جريمة إسلامية، فيقول في ص170: «إن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف».
ولدعم جماعته ومساندتها في أداء مهمتها القتالية هذه، نجد البنا يدعو وكبراء الأمة والهيئات والأحزاب للانضمام مبكرا للإخوان المسلمين لينعموا بالخير ويشاركوا في الرئاسة، فيقول في ص159: «ونحن الآن نهيب بالكبراء والأعيان والهيئات والأحزاب أن ينضموا إلينا، وأن يسلكوا سبيلنا وأن يعملوا معنا فإن أجابوا فهو خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وأن أبوا فلا بأس علينا أن ننتظر قليلا وأن نلتمس المعونة من الله وحده حتي يحاط بهم ويسقط في أيديهم ويضطروا للعمل أذنابا، وقد كانوا يستطيعون أن يكونوا رؤساء والله غالب علي أمره»!!
ويعرف حسن البنا جماعته بأنها هيئة سياسية وشركة اقتصادية وينفي عنها أن تكون جمعية خيرية إصلاحية أو جماعة دراويش، فيقول في ص156: «تستطيع القول ولا حرج عليك أن الإخوان المسلمين هيئة سياسية لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل، وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج وأن الإخوان المسلمين شركة اقتصادية لأن الإسلام يعني تدبير المال وكسبه من وجهه، وهو الذي يقول نبيه صلي الله عليه وسلم: «نعم المال الصالح للرجل الصالح» وفي ص87 يقول البنا: «يخطئ من يظن أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة دراويش حصروا أنفسهم في دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية». ثم في ص105 يقول: «يا أيها الإخوان المسلمون لسنا جمعية خيرية إصلاحية».
ثم يصدر حسن البنا أحكاما خطيرة بوجوب قتال من بلغته الدعوة حتي ولو لم يبدأ بالقتال!! فيقول في ص258 تحت عنوان «حكم الجهاد عند فقهاء الأمة، حكما خطيرا منسوبا الي أحد الفقهاء الأقدمين، ويزعم هذا الحكم وجوب قتال من بلغته الدعوة حتي لمن لم يبدأ هو بالقتال!! وأن علي الإمام أن يرسل سرية لمقاتلة من هم في دار الحرب علي الدوام مرة أو مرتين في العام!! فيروج الينا هذا الحكم الخطير فيقول: «الجهاد يفرض علينا أن نبدأهم بالقتال بعد بلوغ الدعوة وإن لم يقاتلونا.. ويجب علي الإمام أن يبعث سرية الي دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين» وبديهي أن هذه الدعوة باطلة لتعارضها تماما مع قوله تعالي: «وجاهدوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا».
ويدعو حسن البنا أتباعه الي التعالي علي المسلمين تحت الزعم بأنهم حافظو القرآن وحملة لواء الإسلام بعد الرسول، فنجده يقول في ص106: «نحن ولا فخر أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وحملة رايته من بعده ورافعو لواءه كما رفعوه وحافظو قرآنه كما حفظوه.. هذه منزلتكم فلا تصغروا في أنفسكم فتقيسوا أنفسكم بغيركم. لقد دعوتم وجاهدتم، فواصلوا جهودكم واعملوا والله معكم فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق ومن تقاعد عنا من المخلصين اليوم فسيلحق بنا غدا وللسابق عليه الفضل»، وحسن البنا في هذا الاستعلاء والكبر الذي يدعو أتباعه له بتجاهل كل الآيات القرآنية التي تنهي عن التبكر والاستعلاء وحديث سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر».
كما يدعو حسن البنا الي تكفير من لا يؤمن بمنهج الإخوان المسلمين ولا يعمل لتحقيقه فيقول في ص86: «إننا نعلن في وضوح وصراحة إن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج ولا يعمل لتحقيقه لا حظ هل في الإسلام»، ثم في ص276 من «رسالة التعاليم» نجده يدعو لمقاطعة كافة الهيئات والمحاكم والمدارس والصحف المناهضة للإخوان المسلمين، فيقول عن واجبات الأخ الصادق: «إن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة»، لذلك لم يكن غريبا أن ينقل زعيم جماعة التكفير والهجرة شكري مصطفي - وكان من قبل عضوا في الإخوان المسلمين - نفس هذا التوجيه لجماعته من حيث إسقاط الانتماء للمجتمع الكافر والدولة الكافرة، والامتناع عن المشاركة في أي هيئة أو جماعة من أجل إسقاط الدولة، فنجد شكري مصطفي يقول: في تعليماته التابعية في التعليمية رقم 37: «عليك أن تتخلي عن صمتك بأي هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك الإسلامية».
وأخيرا نجد عمر التلمساني المرشد الأسبق للإخوان في كتابة «ذكريات لا مذكرات» ينقل عن حسن البنا تهديده بمحاربة كل من لا يستجيب لدعوة الإخوان المسلمين، فيقول في ص69: «نحن حرب علي كل زعيم أو رئيس أو هيئة لا تستجيب لدعوتنا.. وسنعلنها خصومة لا سلم فيها، ولا هوادة حتي يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق». ثم يؤكد التلمساني نفس التهديد بل ويبرره حين قال في ص69: «إننا نجاهد في سبيل إنقاذ الإنسانية من كل شرورها بالدعوة إن قبلوا.. أما إن أبوا فليس إلا الكفاح الحربي بيننا»!!
وفي الخلاصة هذه بعض - وليس كل - آراء حسن البنا وأقواله وأفكاره كما وردت علي لسانه ونشرت في الكتب التي أصدرتها دور النشر التابعة للإخوان وهي تؤكد أن دعوة هذه الجماعة هي دعوة دجالة لا علاقة لها بهداية قلوب المسلمين الي الله تعالي، وأنها تستهدف استغلال الدين من أجل الوصول الي الحكم والسلطة ولا تتردد في سبيل ذلك عن تكفير المسلمين الذين يلتزمون بأداء كل الفرائض ويعتقدون الإيمان بأركانه في قلوبهم، ويسعون لسلوك طريق الإحسان تقربا الي الله تعالي، إذا لم يؤيدوا دعوة جماعة الإخوان كما لا تتورع هذه الجماعة عن استخدام كل الأساليب لتحقيق مآربها بما فيها العنف وسفك الدماء ونشر الفوضي والفرقة في المجتمعات الإسلامية لإضعافها وبث الوهن فيها متسترة بالشعارات الدينية الخادعة من أجل هدفها في الوصول إلي الحكم والتربع علي السلطة بدعوي إحياء دولة الخلافة وهي كلمات حق يراد بها باطل كما وصفها سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه منذ 14 قرنا.. أما هؤلاء الذين يرددون أقوال حسن البنا اليوم من جماعة الإخوان والجماعات الأخري المتحالفة معها، فهم خوارج هذا العصر الذين يخبرنا عنهم سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «يخرج فيكم حُداث الأسنان، سفهاء الأحلام، تحقرون صلاتهم لصلاتهم، وصيامكم لصيامهم، وأعمالكم لأعمالهم، يقرأون القرآن ولا يجاوز تراقيتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.