على الرغم من ندرة الأصوات الندية فى عالم التلاوة ، ولجوء الكثير من قراء القرآن الكريم المعاصرين الى تقاليد العمالقة الذين رحلوا عن دنيانا وبقيت اصواته من امثال الشيخ محمد رفعت وعبد الباسط عبد الصمد والمنشاوى ومصطفى اسماعيل .فإن مصر التى اشتهرت بنجوم التلاوة لم تبخل أن تجود بجيل جديد من القراء يحاولون استعادة مكانتها فى الأمة الإسلامية، واحد من هؤلاء هو القارئ حلمى الجمل نائب نقيب قراء مصر والمستشار العلمى للنقابة، القارئ بالإذاعة والتليفزيون، والذى أكد فى حواره «للاهرام» ان الصوت الحسن الجميل هو منحة ربانية، يحتاج الى صيانة وعناية من المنعم عليه، وان منع القراء المجيدين من التلاوة بالقراءات المتواترة فى الاذاعة هو قرار خاطئ، والى نص الحوار:
فى البداية سألناه:كيف كانت النشأة؟ قال: ميلادى كان بفضل الله ومشيئته فى يوم خمسة وعشرين يناير عام 1951مبقرية إخطاب مركز أجا بمحافظة الدقهلية، فى أسرة قرآنية، حيث كان الأب أحد حفظة ومحفظى القرآن الكريم بالقرية، ووجد فى القرآن الكريم خيرى الدنيا والآخرة فكان حريصا على مستقبل أبنائه.ولاحظ الوالد - رحمة الله عليه - بحس الأب وفراسة المؤمن المتدبر لكتاب الله الموهبة فيّ فتعهدنى منذ صغرى وأولانى جل رعايته، وقد أتممت حفظ القرآن الكريم فى السنة العاشرة من عمرى كما تلقيت أحكام التلاوة فى هذه السن، وبدأت القراءة فى المناسبات المختلفة فى سن الثانية عشرة،بعد الإلمام بمقومات القارئ المتمكن المجيد الواثق من أدائه دراية ورواية وصوتا مما جعلنى بفضل الله وتوفيقه فى مصاف كبار القراء من عباقرة التلاوة كما تلقانى جمهور (السميعة) بالرضا والقبول. حدثنا عن رحلتك مع الكتاب؟ بدأت رحلتى مع القرآن الكريم منذ طفولتي، فى كتاب الشيخين الجليلين (الشيخ إسماعيل احمد حموده، والشيخ محمود على الغريب) حيث تقاسم الشيخان تحفيظى القرآن الكريم مجودا تلقيا من أفواههما مشافهة وكتابة فى اللوح، فكنت كل يوم أحفظ ربعا من أرباع القرآن الكريم وأعرضه حفظا على شيخى مع مراجعة ماسبق حفظه وعرضه على سيدنا (الحصة اليومية أو الماضي) والتى قد تزيد على جزءين من القرآن الكريم أى حوالي (ستة عشر ربعا) ثم أصحح الربع التالى مشافهة على شيخى والمعروف عندهم (باللوح الجديد) بعد كتابته فى اللوح ثم أعرضه حفظا على شيخى قبل أن أنصرف إلى بيتى أو إلى مدرستي، وفى المساء ألتقى والدى لأعيد العرض عليه. وفى بداية المرحلة الإعدادية، تنبأ لى أساتذتى وزملائى بأننى سأتبوأ مكانة عالية بين مشاهير قراء القرآن الكريم عندما كنت أتلو عليهم القرآن بحصة (التربية الإسلامية )أو الاحتفالات المدرسية كعيد الأم ، وعيد العلم، وذكرى المولد النبوى الشريف، والإسراء والمعراج و غيرها.وقدمونى إلى قيادات التعليم فقرأت أمامهم فى احتفالات رسمية فكنت قارئهم المفضل بلا منازع ،مما أولانى ثقة بنفسي،وشجعنى منذ الصغر على مواجهة المواقف الصعبة والتى تتطلب الثقة بالنفس وتحتاج إلى ثبات وتمكن،وكانوا يمنحوننى الجوائز المختلفة والمكافآت تقديرا منهم وتشجيعا لى على الاستزادة ، ولفت أنظار زملائى للاقتداء بي. كيف تعلمت القراءات؟ بعد بلوغى الرابعة عشرة من عمري، اصطحبنى أبى إلى الشيخ المتقن إسماعيل حمودة بقريتي، لأتلقى عليه مشافهة القراءات السبع من طريق الشاطبية وعندئذ يتوجب على أن ألتزم بأولويات ثلاث هي(الدراسة بالتعليم العام،وتعلم القراءات ، وتلبية الدعوات للحفلات المختلفة، وفى أثناء السنة الأولى من كلية العلوم جامعة المنصورة رأيت أن أستزيد من القراءات دراية ورواية فوفقنى المولى جلت قدرته أن أتم القراءات العشر الكبرى من طريق طيبة النشر للإمام (الشمس ابن الجزري) ومدارسة كتاب النشر فى القراءات العشر للناظم المذكور نفسه. وهل أخذت السند القرآنى لإجازة القراءات؟ من فضل الله أن مكننى من لقاء فضيلة العلامة الراحل شيخ المحققين الشيخ رزق خليل حبة شيخ عموم المقارئ المصرية الأسبق فاستمع إليّ، وسألنى فيما يختص بحفظ القرآن وعلومه لدي، وبعدما آنس منى الرشد، وجودة الحفظ، فسعد الشيخ بذلك أيما سعادة ، وقال - رحمه الله - قول المعصوم - صلى الله عليه وسلم - «الخير فيّ وفى أمتى إلى يوم القيامة» وبعد هذا اللقاء طلبت من فضيلته أن أمثل بين يديه ،لأعيد تلقى القراءات عليه فرحب بذلك وكان سعيدا - رحمه الله - ولم يضن عليّ البتة عندما سألته عما زاد على العشرة فنصحنى بمدارسة كتابي(إتحاف المهرة فى الزيادة على العشرة)، وكتاب (إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر)فقمت بعرضهما عليه، وتلقيهما عليه دراية ورواية، وبعد تيقنه من ضبطى وإتقانى أجازنى قارئا بجميع القراءات المتواترة من جميع الطرق (العشر الكبري)، وأعطانى سندا كتبه بخط يده ، رحمه الله رحمة واسعة وبوأه من الجنة أعلى الدرجات. هذا ولم تصرفنى مدارستى لقراءات القرآن الكريم عن دراستى الجامعية بل كانت باعثا على تفوقى حيث تخرجت فى كلية العلوم عام 1973(كيمياء) وحصلت بعدها على دبلومى التربية (عام ،خاص)من كلية التربية جامعة المنصورة أيضا(انتساب)عامى 74/75 فى أثناء عملى بالتربية والتعليم، هذا بالاضافة إلى دراستى الأزهرية (معهد القراءات)للحصول على شهادة التخصص فى القراءات رافقها شهرة واسعة تعدت المحلية إلى العالمية. وماذا عن تكريمك؟ فى عام 2003 فى أثناء احتفالات الجامعة (البنورية - باكستان) برفقة القارئ المرحوم الشيخ الشحات محمد أنور القارئ بالإذاعة والتليفزيون ، وأمين عام نقابة القراء الأسبق تم منحى وإياه (الدكتوراه الفخرية). كيف تحافظ على الصوت وفن الأداء؟ الإنسان الموهوب الذى رزقه الله نعمة الموهبة تفضلا منه وكرما فى اى مجال من المجالات ينبغى أن تكون محل رعاية وعناية وشكر من الشخص، المنعم عليه، وأن يحافظ عليها ويصونها مما يضر بها، وإلا فالسلب أولى من العطاء، سيما إذا كانت خاصة بتلاوة القرآن الكريم بصوت حسن ندى فعندئذ تكون هذه المنحة الربانية أولى وأجدر بالصون والعناية، والتدريب المستمر والصقل مع تجنب ما يؤذى هذا الصوت الحسن من ملوثات، وادخنة وابخرة ضارة لأنه عطية من الله تعالى لايجوز الإضرار بها خاصة من يقرأ القرآن الكريم، فعن البراء ابن عازب قال النبى - صلى الله عليه وسلم «زينوا أصواتكم بالقرآن» وفى رواية «زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا» وقال عليه الصلاة والسلام (ليس منا من لم يتغن بالقرآن). الانطلاقة نحو العالمية كيف كانت؟ كانت بداية الشهرة فى قريتى (إخطاب) ثم إلى محافظة الدقهلية ومنها إلى باقى المحافظات ثم القاهرة (العاصمة)ثم إلى محطات الدنيا عبر الإذاعة وشاشات التليفزيون بادئا باذاعة وسط الدلتا بطنطا وإنتهاء بالإذاعة والتليفزيون بالقاهرة عام 1984م، ثم إلى معظم دول العالم العربى والإسلامى بعون الله وتوفيقه لا باجتهاد منى كما قالوا، وإن لم يكن عون من الله للفتي.. فأول ما يجنى عليه اجتهاده، غير أننى انتهجت منهجا فى الحياة، قد يراه البعض غريبا بعض الشئ، وهو الإقلال من عدد السهرات المتتالية إلا لضرورة حفاظا على صحتى وصوتي، وحتى أجد وقتا كافيا للاطلاع والبحث والمدارسة والتعاهد والصقل، وترويض الجهاز الصوتى بصفة دائمة. وماذا عن رحلاتك الخارجية وذكرياتك فى رمضان؟ سافرت، والحمد لله، إلى السعودية مبعوثا من وزارة التربية والتعليم إلى المدارس المطورة بمدينة الرياض عام 1989م وعلى مدى سنوات أربع متوالية لتدريس المناهج المطورة هناك، كما قمت بتسجيل العديد من الأشرطة القرآنية المرتلة والمجودة للمكتبات السمعية هناك وللإذاعة، كما سافرت عام 1992م موفدا من قبل وزارة الأوقاف المصرية إلى امريكا لإحياء شهر رمضان بأحد المراكز الإسلامية بمدينة لوس أنجلوس فتمسك بى أبناء الجالية الإسلامية هناك وأشهر الكثير من الأمريكيين من غير المسلمين إسلامهم بعد أن شرح الله صدورهم للإسلام بعد الاستماع إلى القرآن طوال شهر رمضان المبارك بجميع المراكز الإسلامية هناك وقد بلغ عدد من أشهروا إسلامهم فى فترة وجودى الأخيرة هناك ما يزيد على العشرين خلال شهر واحد بمدينة لوس إنجلوس فقط ، واستمروا فى دعوتى على مدى خمسة عشر عاما متتالية حتى عام 2006م، كما سافرت إلي إيران عام 2008م للتحكيم بالمسابقة الدولية هناك أيضا بصحبة فضيلة الشيخ الراحل/أبو العينين شعيشع نقيب القراء الأسبق، وسافرت إلى الجزائر عام 2009م لإحياء شهر رمضان المعظم بتلاوة القرآن بالزاوية البلقائدية، كما سافرت إلى كندا وألمانيا، وغيرهما ولاتزال الدعوات ترسل إليّ من شتى دول العالم حتى اليوم، غير أنى اعتدت على ترتيب أولوياتى حسب أهميتها بعد أن أستخير الله عز وجل. اللجنة الموحدة باتحاد الإذاعة والتليفزيون تمنع القراء الإذاعيين المجيدين من التلاوة بالروايات المتواترة إلا برواية حفص عن عاصم..مارأيك؟ هذا قرار خاطئ، وأتساءل:هل طبق هذا القرار على القراء السابقين من الرواد الذين كانوا يقرأون بشتى الروايات فى الإذاعة الواحدة بل فى الآية الواحدة؟وأين قراء الإذاعة المجيدون ممن تلقوا القراءات دراية ورواية وثبت صحة قراءتهم بها سنين طويلة مع ضبطهم وإتقانهم؟!أيحدث هذا فى مصر، مصر الأزهرمصر القراءة والإقراء، مصر التفرد فى التلاوة والأداء، وكيف لهم بمقولة (إن القرآن قرئ بمصر)، كما أتساءل إذا كان القرآن الكريم لا يقرأ إلا برواية واحدة فى مصروهى رواية (حفص عن عاصم) ففى أى بلد آخر تقرأ باقى الروايات المتواترة؟. وما جدوى وجود معاهد القراءات المتخصصة بالأزهر الشريف، وكليات القرآن الكريم؟؟! وكان على اللجنة أن تستمع وتراقب لتحاسب المخطئ على خطئه، وتجزى المحسن على إحسانه وإتقانه، جاعلة لكل قارئ مرتبة، وليس هناك قارئ معصوم من المحاسبة، تبعا لقول المولى - جل وعلا - «ولا تزر وازرة وزر أخري» ولا بأس أن يقرأ القارئ برواية واحدة منذ بداية تلاوته حتى ينتهى منها، وإن كانت غير رواية حفص، عملا بقول الإمام الشمس ابن الجزرى فى طيبته، وقد جرى من عادة الأئمة إفراد كل قارئ بختمة مما عليه العمل وماهو مجمع عليه، وحتى يعلم الجميع أن القرآن الكريم لم ينزل على حرف واحد، ويتيقن الجميع أن القرآن الكريم قرئ بمصر بلد الأزهر الشريف .