ارتبط شهر رمضان بسحور الفول المدمس لسنوات طويلة فى مصر، ولكن ظاهرة رمضان الحالى تولى فتيان وفتيات دون الخامسة عشرة هذه المهمة، ليس نيابة عن الآباء أو الأمهات، ولكن يبدو فى غياب ولى الأمر لظروف قهرية بالوفاة أو السجن أو المرض المزمن، وربما تتولى الأم إعداد الفول للاستهلاك.. لقد تأملت فى فخر واعتزاز حماس الصبية والفتيات فى البيع للزبائن فى وداعة، غير عابئين بسطوة المطاعم، مضحين باللعب عقب الافطار مع اقرانهم أو مشاهدة مهرجان المسلسلات التليفزيونية اليومي، ليتسربوا من الحارات إلى الطرق العمومية، لاتخاذ مواقعهم المتميزة على النواصى لعدة ساعات لحين انتهاء «قدرة الفول» والعودة للبيت بما رزق الله من مكسب للأسر كلها.. لم يستسلم الصغار لضغوط الحياة، وتحدوا العوز وقاوموا الفقر من خلال تجربة فول رمضان أو الورقة الرابحة، بعيدا عن أشكال الجريمة بأشكالها المخزية وتجنبا لجحافل التسول ليقدموا نموذجا رائعا للعمل فى الشهر الكريم. لم ينتظر المكافحون الصغار الحكومة المثقلة بهموم متوارثة واعباء شديدة حتى تقدم لهم العون، ولاشك ان استمرارهم فى عملهم عبر الأيام الماضية دليل على نجاح نسبى قابل للامتداد فى أنشطة أخرى مماثلة تبشر بظهور جيل جديد أزاح النعرات الشكلية البلهاء وقرر الاعتماد على الذات لصنع المستحيل فى زمن قياسي.. ان قدرة فول رمضان يمكن أن تكون «كلمة السر» للخروج من النفق الاقتصادى المظلم، باستحداث بدائل أكثر فعالية وأوسع نفعا للمجتمع كله. لمزيد من مقالات محيى الدين فتحى