بين ثلاث كتل كبرى (شيعة وسنة وأكراد) يتمزق العراق بصراع دموى يحمل كل الأبعاد الطائفية والعرقية والسياسية.. الانقسامات تتجذر بين الكتل الثلاث فى غرف السياسة المغلقة وتتجلى على الأرض حروب ومعارك مسلحة بلا أفق للنهاية.. يتعنت الساسة حول أسماء رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة بينما الشعب يدفع من دمائه الثمن جوعا ونزوحا وموتا. وسط المعارك الطاحنة فى كل أنحاء العراق وانغلاق الأفق السياسى بين الجميع، لجأ كل طرف إلى فرض وجهة نظره على الأرض كأمر واقع، هكذا انتفضت عشائر السنة وحملت السلاح ووضعت «داعش» فى المقدمة، بعدما تبين من نتائج الانتخابات البرلمانية أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته نورى المالكى سيحظى بولاية جديدة تحمل لسنة العراق مزيدا من القهر والمهانة والتهميش. وهكذا سارع إقليم «كردستان العراق» بالتلويح صراحة - ربما لأول مرة - بالاستقلال.. أو الانفصال السياسى إذا صح التعبير عن جسد دولة العراق الأم الموحدة، وذلك بأن دعا مسعود بارزانى رئيس الإقليم برلمانه لإجراء استفتاء على الاستقلال الكردى من خلال مفوضية مستقلة خاصة بالإقليم. يضم «كردستان» عرق الأكراد وتحده تركيا وسوريا وإيران ، يتمتع بالحكم الذاتى منذ عام 1970، ويعد بموجب الدستور العراقى عام 2005 كيانا اتحاديا ضمن العراق الموحد، يحتكم الإقليم على ثلاث محافظات هى دهوك وأربيل (العاصمة) والسليمانية ويسعى حاليا لضم كركوك الغنية بالنفط، ويبلغ عدد سكانه نحو 4 ملايين نسمة. خاض الإقليم حروبا عديدة وتعرض لمآس تاريخية جمة ومذابح جماعية وصولا إلى وضعه السياسى الراهن، ولم يسبق للإقليم فى أحلك الظروف أن سعى بشكل معلن للانفصال وتقرير مصيره، فما الذى جد؟ . وجد بارزانى رئيس كردستان العراق إقليمه والمناطق التى تحده عرضة لهجمة شرسة من تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» مدعوما بعشائر السنة، يستبيح الأراضى ويفرض سيطرته عليها ويرفع فوقها الرايات السوداء ويعلن منها انطلاق «خلافته الإسلامية»، بينما الساسة فى بغداد يتشاكسون ويتعنتون، وبرلمانه المنتخب يفشل باختيار الرئاسات الثلاث، ورئيس الحكومة المنتهية ولايته نورى المالكى يتمسك بولاية جديدة رغم كل ما يجرى على الأرض. لم يسلم الإقليم خلال فترات ولاية المالكى من مشكلات وأزمات حقيقية، منها تأخر المستحقات المالية، والخلاف حول تفسير المادة 140 من الدستور حول حق تقرير المصير لمنطقة كركوك والمناطق المتنازع عليها، مما دعا حكومة الإقليم لتصدير النفط دون الرجوع للحكومة الاتحادية المركزية ببغداد. المالكى الذى أسفرت ممارساته خلال الأعوام السابقة عن احتقان غير مسبوق لطوائف السنة بالعراق أدى لانفجارها فى انتفاضة مسلحة تحت لواء الجماعة الإرهابية «داعش»، لم يترك لشركائه السياسيين سوى فرض الأمر بالقوة، فنشر إقليم كردستان قواته «البشمركة» فى كركوك والمدن الكردية لحمايتها، ودعا برلمانه للإعداد للاستفتاء على «انفصال الإقليم» بشكل نهائي، كورقة ضغط تضع بغداد فى مأزق، وتدق ناقوس الخطر فى آذان الفرقاء، وتطرح أمامهم سيناريو أسود لعراق مقسم على أساس المذهب «شيعة وسنة» والعرق «الأكراد»، مالم يدرك الجميع خطورة الموقف.