لماذا نجحت "دولة" جمال عبد الناصر؟ نجحت لأنها كلها كانت "ضفيرة" واحدة متماسكة متشابكة .. يشد كل قطاع فيها عضد القطاع الآخر و يؤيده و يدعمه فى سبيل الإتجاه إلى تحقيق هدف واحد فقط .. و هو رفعة الوطن و كرامة المواطن .. ففى ذات الوقت الذى أنشأت فيه الدولة المجمعات الإستهلاكية الحكومية تعرض فيها السلع الأساسية الغذائية اللازمة لحياة المواطنين بالأسعار الرسمية لها و فرضت التسعيرة الجبرية لكل هذه السلع على التجار الذين لا يجدون أى حرج فى فرض أسعارهم الخاصة على تلك السلع نحو مزيد من المكسب وذلك لتقضى على جشعهم و إستغلالهم حاجة المواطن.. فى ذات الوقت نجد ظهور الفيلم السينمائى "الفتوة" والذى تقوم قصته كلها على جشع التجار فى سوق الجملة الرئيسى وقتها و كان يقع على نهر النيل والمسمى بسوق "روض الفرج" وأخرج الفيلم العبقرى صلاح أبوسيف وكان من بطولة العملاقان زكى رستم و فريد شوقى .. وخلصت القصة الدرامية على الشاشة بتصارع المعلمين الكبيرين وأنصار كل منهما مع بعضهما البعض ومقتل كل منهما.. غير أن اللقطة الأروع فى الفيلم كانت فى خاتمته بعد مقتل الكبيرين .. حين دخل محمود المليجى إلى السوق وتلقيه نفس "القفا" الذى سبق وتلقاه فريد شوقى عندما دخل السوق لأول مرة فى بداية أحداث الفيلم مع ضحكة كبيرة من الفنانة هدى سلطان التى ستقوم بدور الفنانة تحية كاريوكا التى بدأت الفيلم مع فريد شوقى .. ومغزى هذه اللقطة هى رسالة للمشاهد أنه على الرغم من موت المعلمين الكبيرين اللذين سعى كل منهما للسيطرة على السوق.. إلا أن الأمر لم ينته.. فهناك معلم جديد قادم .. وصراع جديد مستمر .. طالما كان "الجشع" هو البطل الحقيقى .. والفتوة الحقيقى فى السوق .. بقى أن نذكر أن الفنان الراحل كمال يس الذى قام بدور ضابط نقطة البوليس فى السوق كان هو "الحكومة" التى عاشت تحارب فساد وجشع التجار فى عهد الفتوة السابق .. وكل فتوة جديد يظهر فى السوق .. وهكذا نجحت "دولة" جمال عبد الناصر.. حيث كانت كل قطاعات الدولة "ضفيرة" واحدة متماسكة نحو تحقيق هدف واحد مشترك.. وهكذا أيضاً سقطت كل الدول بعد دولة جمال عبدالناصر.. سقطت لأنها أهملت المواطن.. المواطن عماد الوطن .. هذا الحديث بمناسبة الأسعار "المجنونة" للسلع الغذائية التى شاع جنونها على الجميع اليوم فى مجتمع الغلابة المطحونين .. اليوم عندما أستمع للرئيس الأمريكى يهدد مصر.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. واليوم عندما أجد وعيد الإتحاد الأوروبى لمصر .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. و اليوم عندما أجد حكومة مهزوزة خائفة .. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر.. واليوم عندما أجد سلاح فلسطينى موجة نحو مصر .. أتذكر مواقف جمال عبدالناصر.. واليوم عندما أجد إختلاف العرب حول مصر.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر.. واليوم عندما أجد إختفاء المنتج المصري.. أتذكر مواقف جمال عبدالناصر.. واليوم عندما أجد إنهيار الأمن المصري.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر.. واليوم عندما أجد إنكسار الفلاح المصري.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر.. واليوم عندما أجد إنحدار التعليم المصري.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر.. واليوم عندما أجد خفوت صوت المرأة المصري.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر.. واليوم عندما أجد هوان العامل المصري.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر.. واليوم عندما أجد مذلة الموظف المصري.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر.. واليوم عندما أجد إسفاف الفن المصري.. أتذكر مواقف جمال عبد الناصر .. اليوم .. عندما لا أجد "مصريا" .. أتذكر جمال عبد الناصر "المصري" .. تمسك ب "مصرك"... ولدنا ... وتربينا ... ووعينا ... على أن "مصر" عندما تنادى ... يلبى الملايين النداء ... اليوم "مصر" فعلاً تنادى أبناءها لينهضوا بها من كبوتها ... لكن صوتها ضاع وسط أصوات فضائيات "النكسة" الإعلامية التى أبتلينا بها بدعوى الحريات والديمقراطيات وحقوق زواحف وحرابى وسحالى الأرض... يوماً مضى ... أوصلت "مصر" صوتها المنادى بالحرية والإستقلال إلى كل مسامع العالم من خلال ثلاثة جرائد ومحطة إذاعية واحدة... واليوم صوتها ضاع مع أن فيها مئات الجرائد ومئات المحطات الإذاعية والتليفزيونية... تمسك بأرضك... تمسك بنيلك... تمسك بهرمك... تمسك بمسجدك ... تمسك بكنيستك ... تمسك بمدرستك ... تمسك بجامعتك ... حينئذٍ تظهر "مصر" أمام عينيك ... وطنك هو .. أرضك .. نيلك .. هرمك .. مسجدك .. كنيستك .. مدرستك .. جامعتك ... وطنك هو "مصرك" ... ولا شئ غير "مصر" ... لمزيد من مقالات مؤنس زهيرى