بدأت الحكومة فى اتخاذ إجراءات مهمة لهيكلة منظومة الدعم وترشيده لمصلحة الفقراء ومحدودى الدخل، بدلا من المنظومة الفاسدة طوال العقود الماضية والتى عصفت بالفقراء لمصلحة الأغنياء، وخلالها تحولت المنافسة لصالح من لديه القدرة على الإنفاق، مما أدى إلى زيادة فاتورة الدعم بشكل كبير، وارتفع معها عجز الموازنة العامة للدولة بشكل أدى إلى تشوه الهيكل المالى لموازنة مصر أمام العالم الخارجى من جهة وغابت معه العدالة الاجتماعية من جهة أخرى. وترى الدكتورة أمنية حلمى أستاذة الاقتصاد ومديرة البحوث بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية أن إشكالية دعم الطاقة من الموضوعات التى قتلت بحثا، ومشكلتنا فى هذا الإطار أننا لا نطبق الإصلاحات إلا بعد فترات طويلة، ويصبح الوضع معها غاية فى الصعوبة ويتفاقم عجز الموازنة معها ويصل لمستويات تقترب من الخطوط الحمراء. وأوضحت أن دعم المنتجات البترولية قفز من 417 مليار جنيه فى موازنة 2006/ 2007 ووصل إلى نحو 1304 مليارات جنيه فى عام 2013/ 2014 وفق توقعات وزارة المالية، وبالتالى ارتفع بنسبة 2127% خلال تلك الفترة. وتضيف أن دعم الكهرباء أيضا شهد ارتفاعاً كبيراً، حيث صعد من 35 مليار جنيه فى موازنة عام 2007/ 2008 إلى نحو 277 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة بارتفاع نسبته 6914% خلال ثمانى سنوات، وبالتالى فإن منظومة الدعم فى حاجة إلى إعادة هيكلة لترشيد هذا النزيف الذى يتفاقم ويزداد عاماً بعد عام. وتؤكد الدكتورة أمنية حلمى أنه لا يمكن الاستمرار على الوضع القديم فى عمليات الدعم والتسعير، لأنه له تأثيرات سلبية على أداء الاقتصاد بوجه عام وعمليات الإنتاج بوجه خاص، مشيرة إلى أن استمرار الوضع خلال الفترات الماضية أدى إلى مانحن عليه الآن من انقطاع التيار الكهربائى والذى يعانى منه الأفراد، كذلك تأثيرات سلبية على الاستثمار، فالمستثمرون وفق مؤشرات الأعمال يفضلون المناطق التى لا ينقطع عنها التيار الكهربائى، وبالتالى فدعم الطاقة له تأثيرات سلبية على مناخ الاستثمار بشكل عام. وتؤكد أن العالم يبحث عن مصادر بديلة للطاقة ومن ثم فإن نظام دعم الطاقة يؤدى إلى عدم جدوى إنتاج الكهرباء من المصادر البديلة على الرغم من توافرها بمصر بشكل يؤهلنا إلى المنافسة عالميا فى هذا المجال، لكن مع تشوه هيكل الدعم أفقد مصر ميزة نسبية مهمة. وتشير إلى أننا فى حاجة ماسة لتبنى برامج عدالة اجتماعية أكثر حزما تستهدف الحفاظ على حقوق الفقراء فى الدعم وتشجع بوجه عام على ترشيد استهلاك الطاقة، فضلا على ضرورة دمج القطاع الرسمى ضمن المنظومة الرسمية والحد من سرقات الكهرباء وغيرها من الممارسات التى تستنزف دعم الطاقة وتشجع على زيادة الاستهلاك. وتوضح أن التقارير الدولية تؤكد أن دعم الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمثل نحو نصف دعم الطاقة العالمى، وفى حين يوفر هذا الدعم إعانة بدرجة ما للمستهلكين الفقراء، فإن منافعه تعود بالدرجة الأولى على المستهلكين الأيسر حالا. وتضيف مديرة البحوث بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية أن هذا الدعم أيضا يؤثر على ميزانيات الحكومات على حساب الاستثمار المطلوب بشدة في الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية؛ وغالبا ما يشجع الصناعات كثيفة الاستخدام لرأس المال على نحو يضر بالأنشطة كثيفة الاستخدام للعمالة؛ فضلا على ذلك، فإنه يشجع الإفراط في الاستهلاك ويضر البيئة. وترى أن دعم الطاقة يؤدى إلى تشوهات تضر بالاقتصاد ويمكن أن يؤدى إلى التباطؤ فى الاستثمار بقطاع الطاقة والصناعات التي تستخدم العمالة بكثافة أكبر إلى جانب تحويل الموارد العامة بعيدا عن الإنفاق الذى يعزز النمو الأكثر شمولا للجميع. وأكد رجال الأعمال أن ترشيد الدعم فى الموازنة الجديدة خطوة إيجابية وبداية وضع الاقتصاد على الطريق الصحيح خاصة، وأن غالبية الدعم يذهب للأغنياء على حساب الفقراء. وأوضح رجال الأعمال أن تلك الخطوة فى مصلحة الفقراء ومحدودى الدخل، مع ضرورة وضع آليات لضمان وصول الدعم للفئات المستحقة وفق برامج عدالة وإصلاح اجتماعى للمحافظة على حقوق تلك الفئات. ويرى المهندس حسين صبور رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين أن مصر تأخرت كثيراً فى عملية ترشيد الدعم فى الموازنة، ويجب إلغاء الدعم بالكامل حتى لايصل إلى الأغنياء. ويؤكد ضرورة منح الدعم لمستحقيه من خلال حاملى بطاقات التموين، ويمكن دفع مبالغ لهم مقابل تضخم أسعار المواصلات وبالتالى نكون قد أنهينا مشكلة الدعم التى تستنزف موارد الدولة منذ عقود دون وضع حلول جذرية لها. ويشير إلى أن الخطوات التى تم اتخاذها فى ترشيد الدعم بالموازنة غير كافية وكان يجب حل المشكلة مرة واحدة، وبالتالى يمكن أن يتم رصد 20 مليار جنيه فقط لمستحقى الدعم من خلال بطاقات التموين ووفق الآلية التى تم ذكرها بدلاً من إهدار 130 مليار جنيه على دعم الوقود وفق موازنة العام الماضى. ويشير إلى أنه ليس من المنطقى أن يستفيد رجال الأعمال من دعم الوقود وكذلك فئات كبيرة من الأغنياء وكذلك بعثات السفارات الدبلوماسية وغيرهم وهؤلاء عددهم كبير جداً ويزاحمون الفقراء فى الحصول على الدعم. ويضيف أن مصر لم تبخل على رجال الأعمال ومنحتهم الكثير وبالتالى آن الأوان لأن يتحمل رجال الأعمال حتى نخرج من تلك المرحلة الفاصلة فى تاريخ مصر. ويقول المهندس أيمن قرة رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين إنه فى ظل وجود أسعار غير حقيقية سيؤدى ذلك إلى أضرار كبيرة تشمل فئات كبيرة من الشعب. ويوضح أن عمليات تقليل الدعم فى الموازنة الجديدة خاصة دعم الوقود خطوة إيجابية لكن لابد أن تتواكب معها برامج عدالة اجتماعية تضمن من خلالها وصول الدعم لمستحقيه، وبالتالى فنحن فى حاجة لمنظومة متكاملة. ويشير إلى أن لسنا ضد إلغاء الدعم لكننا نأمل فى أن يكون هناك عدد من الإصلاحات لتجنب أخطاء الماضى، مشيراً إلى أن ترشيد الدعم فى الموازنة الجديدة يعد بداية قوية تشجع ترشيد استخدام الطاقة، والبحث عن مصادر بديلة مثل الطاقة الشمسية التى أدى نظام الدعم فى الماضى إلى عدم جدوى استخدامها كمصدر مهم لإنتاج الكهرباء. ويرى مصطفى النجارى رئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الأعمال أن هيكلة دعم الوقود فى الموازنة الجديدة اتجاه سليم من القيادة السياسية الحالية لأنه سيؤدى إلى توجيه الدعم للفئات الأكثر احتياجاً. وطالب بضرورة أن تكون هناك آليات لتشجيع الشعب على استخدام المواصلات بدلاً من السيارات الخاصة، فمثلا الشارع الذى يسير به 200 سيارة وفى كل سيارة فرد واحد يمكن أن يكون هذا العدد داخل 3 أوتوبسيات مثلا، لكن لكى أشجع هذه الفئات على استخدام السيارات لابد أن تكون هناك مواصلات تشجعهم على ذلك وبأسعار مرتفعة نسبيا وعلى أن تكون مكيفة، وبالتالى سيجد كثيرون فرصة كبيرة لاستخدام تلك المواصلات بدلاً النزول بسياراتهم وبالتالى نضمن تحقيق هدفين الأول ترشيد الوقود والثانى تخفيف الزحام. قطار الدعم انطلق منذ 1945 ووصل للسرعة القصوى منذ 2011 أظهرت دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أن تاريخ الدعم فى مصر يرجع إلى عام 1945 عندما تم تخصيص مليونى جنيه فى الموازنة العامة للدولة ووصل عام 1952 إلى نحو 15 مليون جنيه، بنسبة 73% من إجمالى الإنفاق العام ثم انخفض عام 1960 إلى نحو 9 ملايين جنيه بنسبة 25% من إجمالى الإنفاق العام، ومنذ ذلك التاريخ وبدأ قطار الدعم فى الانطلاق بأقصى سرعة إلى أن وصل إلى معدلاته المخيفة خلال الفترة الحالية. تجارب دولية فى توجيه الدعم تختلف أشكال الدعم من دولة لأخرى وفقا لأهداف كل دولة لكنها تجتمع على تحقيق أهداف اجتماعية تنموية. كينيا: تقوم بتقديم مساعدات نقدية للأيتام والأطفال والضعفاء وشملت المرحلة الأولى 500 أسرة وبعد نجاح التجربة وآثارها الإيجابية على الصحة والتعليم تم ضم 7500 أسرة فى المرحلة الثانية وتستهدف برامج الدعم 100 ألف أسرة و300 ألف طفل يتيم وتشكل أعمار الأطفال من سن يوم وحتى 17 عاما. المكسيك: أظهرت نتائج اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة ارتفاع معدلات الفقر فى المكسيك بشكل كبير إلى 462% فى عام 2010 ليقدر عدد الفقراء بنحو 52 مليون شخص، وتقوم الحكومة بدعم المنتجات الغذائية، بالإضافة إلى العديد من برامج الاستهداف الكلى والجزئى من خلال المجمعات الاستهلاكية والتى يتم بيع المنتجات فيها بسعر مخفض، إلى جانب الكوبونات الغذائية مثل بطاقات التموين.وتقوم الحكومة بتبنى برنامج الفرص والذى يشمل تحويلات نقدية للأفراد وعينية للأسر الفقيرة للاهتمام بالصحة العامة ولضمان تعليم أطفال هذه الفئات.