لقد منّ الله سبحانه وتعالى على مصر دون غيرها من الدول الإسلامية، بأصوات ملائكية لتلاوة القرآن الكريم، بطريقة لم يعرف العالم لها مثيلا، حتى إنهم أطلقوا على مصر دولة القراء، وقديما قالوا «ان القرآن الكريم نزل بمكة وطبع باسطنبول وقرئ بمصر» ولقد مرت مدارس التلاوة المصرية بمراحل متعددة سواء من ناحية الصعود و الهبوط أو القوة والضعف، حتى وصلت إلى مرحلة التقليد، فهل التقليد فى التلاوة مدرسة؟ أم بداية لنهاية واهتزاز عرش دولة التلاوة؟!.
ويقول الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف شيخ عموم المقارئ المصرية، اننى أرفض مدرسة التقليد فى التلاوة ولا أنصح بها، وعلى كل قارئ اراد ان ينجح فى هذا المجال عليه ان يقرأ بطبيعته، بحيث حينما يسمعه الناس يقولون «فلان» ولا يقولون ان فلانا يقلد فلانا، ويوجد فرق كبير بين ان تحب القارئ الفلانى، وبين ان تقلده، فالحب يدفعك للتعلم الصحيح المدروس المبنى على قواعد القراءة الصحيحة، اما التقليد فيجعل القارئ «محلك سر» فلا يتعلم او يضيف لنفسه شيئا.
مسخ مرفوض وأضاف:أنصح القراء عامة وشباب القراء خاصة بالإخلاص وتقوى الله فى السر والعلن، وعدم المتاجرة بكتاب الله تعالى، وايضا عدم الانسياق وراء التقليد فى التلاوة، لان التقليد ليس له معنى وليس فيه اى اضافة لصاحبه غير انه «مسخ» غير مقبول من صاحب المدرسة الاصلية، موضحا ان المدارس الآن التى يتم انشاؤها فى خارج مصر وتحمل اسماء قراء مصر العظام امثال: الشيخ محمد رفعت ومصطفى اسماعيل ومحمد صديق المنشاوى ومحمود خليل الحصرى وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود على البنا، وغيرهم من الذين ملأوا وعلموا الدنيا كلها كيف يقرأ كتاب الله تعالى، ستظل تلك المدارس مجرد «تقليد»، وقد تبين لى ذلك من خلال مشاركاتى المتعددة كمحكم فى المسابقات الدولية التى تجرى سواء فى مصر اوغيرها، حيث إن جميع الذين يشاركون فى هذه المسابقات حينما نطلب منهم ان يقرأوا القرآن ترتيلا او تجويدا، نجد انهم لايخرجون عن نطاق قراء مصر الكبار سواء فى طريقة الأداء او النغمة، مما يؤكد ان التقليد فى التلاوة لايضيف شيئا جديدا لصاحبه. واشار الى ان مصر غنية فى كل شىء، وتوجد بها مواهب حافظة وخامات صوتية فى الأقاليم او فى القاهرة الكبرى، موضحا ان الحل لإيجاد مدارس جديدة، يكمن فى التنقيب والبحث واكتشاف تلك المواهب التى لابد انه سيكون من بينها صاحب مدرسة جديدة تضاف الى المدارس الموجودة، بدلا من مدرسة التقليد التى صدعت رءوس الجميع دون فائدة.
الاستماع مطلوب وفى سياق متصل، يؤكد القارئ حلمى الجمل نائب نقيب القراء، أن القارئ الذي وهبه الله تعالي صوتا جميلا ووفقه لحفظ القرآن الكريم ومعرفة أحكامه رواية ودراية، وتلقي القرآن من أفواه الشيوخ الضابطين إذا أراد أن يكون قارئا يشار إليه بالبنان في دولة التلاوة، فعليه أن يستمع منذ حداثة سنه إلي جهابذة القراء الرواد الذين عمت شهرتهم الأنحاء والأرجاء، وعطروا الدنيا كلها بتلاوة القرآن الكريم، وهذا أمر يسير في الوقت الحالي بعد التقنيات الحديثة، وما عليه إلا أن يدخل إلي الإنترنت فقد يري التسجيلات (صوتا وصورة) لبعض هؤلاء القراء العظام، ومن خلال هذه المعايشة يتعرف علي قدرات وميزات وخبرات كل قارئ منهم وجملة المواهب التي منحها الله إياه، فينعكس ذلك إيجابيا علي أدائه، إذا قرأ القرآن تريت فيه كل هؤلاء دون تحيز أو ميل لأحدهم علي الآخر، فيلاحظ السميعة ذلك في طريقته فلا يقلد شيخا بعينه وإنما يحذو حذوه، ويترسم خطاه متخذا إياه نبراسا هاديا له علي درب القرآن وتلاوته ومدارسة علومه، أما إذا استعار سمته، ونهجه في التلاوة، وصوته وقيامه وقعوده و جلسته، فقد أصبح محاكيا إياه مقلدا له، وأوصد باب الاجتهاد والتفرد والتميز والإبداع أمامه وركن إلي تقليده القارىء المفضل إليه، متجاهلا كل الإمكانات لديه. وأشار الى ان المقلد في النهاية هو صورة مشابهة للأصل وليست مطابقة له، ومرجع التفرد والإبداع لصاحب المدرسة التي تخرج فيها ذلك القارئ المقلد، وعلي ذلك فالسميعة حينما يستمعون إلي من يقلد، يكون ذلك باعثا لهم علي الترحم علي صاحب المدرسة الاصلى، فيقولون والقارئ يقرأ الله يرحمك ياعم الشيخ فلان....«، وهكذا فصاحب المدرسة الغائب الحاضر، والقارئ المحاكي لصاحب المدرسة ماهو إلا مؤد، ناهيك عن اختلاف خامة الصوت ودقة الأداء والانتقالات النغمية المتمكنة والقفلات المحكمة والقراءة بالمتواتر من القراءات وتطبيق أحكام التجويد دون زيادة أو تطفيف، فالصورة الضوئية تشابه الأصل لكنها ليست مطابقة، له وتقل كثيرا عنه تألقا ووضوحا، مشيرا الى ان التقليد يسلب القارئ شخصيته ويخرجه عن طبيعته التي فطره الله تعالي عليها، مشيرا إلي أن أي قارئ موهوب يتحتم عليه أن يستمع ويتعلم من عباقرة التلاوة ومشاهير القراء السابقين ليكتسب المهارات والخبرات وفنون التلاوة وحسن الأداء، ويتخذ لنفسه طريقا مميزا له صوتا وأداء.