ما هى إلا ساعات قليلة ويشرق علينا فجر أول أيام أجمل شهور العام..شهر رمضان المبارك ..وكعادته دائما يحمل معه خيراته وروحانياته العطرة ,وان كان يأتينا هذا العام فرحا بقدرة المصريين على تجاوز ثلاث سنوات عضال زارنا خلالها مشفقا علينا مما كنا فيه. كذلك يحمل معه بشائر الاستقرار مع قدوم الجمهورية الثالثة وفوز الرئيس عبدالفتاح السيسى.. فقط يطالبنا بالهدنة على محورين أساسيين أولهما بالتخلى عن عادات طالما اقترنت به وهو منها برىء وهى الإسراف فى فاتورة الشراء .. وعن عادات أخرى دخيلة علينا لم تكن مفرداتها ضمن قاموس حياتنا وعلى رأسها البلطجة .. فليكن هذا الشهر الكريم هو نقطة البداية والإنطلاق نحو مراجعة النفس وإعادة ترتيب الأوراق لننال جزاء الرحمة والمغفرة والعتق من النار خلال ثلاثين يوما .. كل عام ومصر وأبناؤها بخير
الصوم دعوة للترشيد النفسى والمادى تحقيق:فاطمة محمود مهدى "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان "صدق الله العظيم،يهل علينا شهر البركات بنعمه وفضائله وتعاليمه التى تدعونا إلى تهذيب النفس وتقويمها والبعد عن الشهوات والصوم عن كل ماهوخطأ،ويندرج ايضا على تقويم سلوكنا فى كافة الجوانب.ومنها الإسراف فى الاستهلاك والإنفاق الذى دائما ما يصاحب استقبالنا للشهر الكريم،والدعوة للترشيد هذا العام تنبع من الظروف الاقتصادية التى تعانيها الدولة وضرورة تضافرجهود كل الأطراف لمواجهتها،لأن فاتورة رمضان تمثل عبئا ثقيلا على كاهل الاقتصاد وميزانية كل بيت . يقول ممدوح محمد – محاسب – لقد ارتفعت الأسعار بنسب تتراوح مابين 10 و15% على اسعار العام الماضى ،وهناك أنواع من الياميش زادت على هذه النسب،ولذلك فنحن مضطرون للترشيد الاجبارى وسوف ألجأ إلى تقليل الكميات الى النصف لأننى محدد بميزانية لشراء مستلزمات رمضان ولن أستطيع تعديها لأنها ستؤثر على ميزانية البيت وهناك متطلبات أخرى اساسية،ولأن مسلسل ارتفاع الأسعارالمرتبط بالمناسبات وجشع التجار لايزال مستمرا ومتزايدا فيجب أن تفعل الرقابة على الأسواق وتقوم الجهات الرقابية فى وزارة التموين بدورها فى الحد من التلاعب فى الأسواق وطمع بعض التجار ،كما يجب وضع آليات لضبط الأسعار مثل التسعيرة الجبرية. ويرى ابراهيم سعيد – مدرس – أن مواجهة ارتفاع الأسعار وترشيد الإنفاق سيكون من خلال الشراء من المجمعات الاستهلاكية والتى تنخفض الأسعار فيها عن السوق الحرة بنسبة لاتقل عن 30% فعلى سبيل المثال نجد أن سعرجوز الهند فى المجمعات يبلغ 23جنيها وفى الأسواق 32جنيها والبندق 90جنيها وفى السوق 120جنيها وباقى أسعار المنتجات على هذا النحو،حتى أن أسعار اللحوم والدواجن لاتقارن بأسعار التجار،واللجوء للشراءمن منافذ البيع التابعة لوزارتى التموين والزراعة هو الحل لتوفيرالكميات المطلوبة للاستهلاك بسعر مناسب ودون تخفيض للكميات ،ويؤكد ضرورة التوسع فى فتح مجمعات استهلاكية جديدة للحد من استغلال التجارورفع الأسعار.تقول سهير حسين – موظفة – ان شهر رمضان الفضيل له سمات ومتطلبات لايمكن إغفالها فهو شهر واحد فى السنه وتتجمع فيه الأسر ولربما لايلتقى بعض الأقارب إلا فى الموائد التى تجمعهم فى هذا الشهر الكريم ،ولذلك بالرغم من ارتفاع الأسعار وخاصة السلع الغذائية إلا أننا لايمكننا أن نخفض من معدل الاستهلاك والشراء،وواقع الحال يؤكد إرتفاع فاتورة رمضان كل عام . بينما قررت منى مصطفى – ربة منزل – مقاطعة غالبية أنواع الياميش وليس ترشيد استهلاكها لأن أسعارها مرتفعة عن قدرة أسرتها المالية، وسوف تكتفى بشراء الأنواع المحلية من التمور والزبيب وجوز الهند وسوف تستبدل المكسرات بالفول السودانى وكذلك العصائر بالمشروبات المصرية مثل الكركدية والعرقسوس والتمر هندى ،وترى انها دعوة لشراء وتشجيع المنتجات المحلية،وتطالب التجار بعدم استغلال شهر رمضان ورفع اسعار السلع الغذائية الاساسية ومراعاة الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد وتنعكس بشكل مباشر على المواطنين. الإعتدال من سنن رمضان فرض الله عز وجل الصوم لكبح جماح النفس وشهواتها ، بهذا القول بادرنا الدكتور فوزى عبد ربه - الأستاذ بجامعة الأزهروعضوالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية – وأوضح أن الصوم فى لغة العرب معناه الإمساك على اطلاقه بمعنى أن الإنسان يمسك النفس عن ملذاتها وما تشتهيه من مأكل ومشرب وما يطلبه الجسد والأخذ بالنفس ضد هواها،ولو رجعنا إلى قول الله سبحانه وتعالى "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا "نجد أن الحق سبحانه وتعالى ينبهنا إلى الاعتدال فى الإنفاق وعدم الإسراف ،ولذلك فإن مايشاع بين الناس بأن استقبال شهر رمضان يكون بكل ما تشتهيه النفس يعد فى الواقع خروجا عن القصد من الصيام ،فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جعل من السنن الإفطار على تمرة بل استدرك وقال فإن لم يجد فالماء باعتباره متوفرا وليس له ثمن وفى متناول الغنى والفقير وجعله من السنن التى يثاب فاعلها عند الإفطار ،ومن هنا نقول أن الإسلام نهى عن تلبية ما تشتهيه النفس وعلى الصائمين أن يستقبلوا شهر الصوم بالأخذ بهذه المقاصد ،وباعتباره تربية وتهذيبا للنفس وخير السبل لتحقيق ذلك هى ألاننساق وراء الإسراف خاصة بالنسبة للطعام والشراب ،ولنتبع قول الشاعر: وخالف النفس والشيطان واعصهما وأنهما محضاك النصح فاتهما والنفس تنشأ على ما رباها صاحبها فإن نمت على الجشع والطمع وعدم الاكتفاء بما هو نافع، فإنها تجرى وتلهث وراء الملذات ولا يقف دونها حاجز وإن هو هذبها فإنهاتعتاد القناعة وتسمو إلى الروحانيات العالية ولا تتدنى،ويؤكد الشاعر ذلك بقوله: والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ردت إلى قليل تقنع وعلى المسلم أن يستغل هذا الشهر الكريم المبارك ليسمو بنفسه ويطهرهاويبعد عن الشيطان ويسعى للوصول إلى عالم الروحانيات، ويغتنم من النعم والفرص التى يمنحها الله تعالى لنا فى شهر رمضان ولايستهلك طاقته المعنوية والماديةفى التدنى والسعى وراء ملذاته من مأكل ومشرب وأمور فانية تتنافى مع حكمة الشهر الكريم ،وهذا الكلام على إطلاقه ينبع من تعاليم ديننا الحنيف والأسرار والحكم التى تكمن وراء الصوم. ويشير الدكتور فوزى عبد ربه إلى أنه إضافة إلى ما تمر به البلاد من سوء الحالة الاقتصادية تعظم حاجتنا للترشيد فى الإنفاق، خاصة وأن غالبية ما يتهافت عليه الناس من طعام نستورده من البلاد الأجنبية وبالعملات الصعبة ،فمشاركة من كل مسلم نحو مجتمعه ان ينأى عن الجرى وراء هذه الأطعمة التى تكلف الدولة وترهق كاهل اقتصادها بلا عائد ولافائدة،كما يجب أن ننبه إلى أن رمضان هو شهر البر والصدقات والخيرات وعلى الجميع أن يستغل هذا الشهرفى القرب من الله عز وجل،والأغنياءعليهم أن يشعروا بالفقراء والحديث النبوى الشريف يقول:"من فطر صائما كان له مثل أجره"فعلى القادرين ألا ينسوا إخوانهم المساكين عند جلوسهم على موائدهم الفاخرةويستشعروا أن هناك أفواها لاتملك قطعة خبز،فليشاركوهم مايفيض عن حاجتهم ويقدموا صدقاتهم وزكاتهم فى مصارفها الصحيحة لتحقيق التكافل الاجتماعى الذى أمرنا به ديننا الحنيف. يؤكد الدكتور عادل عامر- رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والقانونية- أن فاتورة رمضان تصل الى 7.2مليارجنيه وذلك ناتج للسلوك الاستهلاكى للمواطن المصرى والإسراف المبالغ فيه لإستقبال شهر رمضان مما يرهق ميزانية الأسر وميزانية الدولة على حد سواء،ولقد ارتفعت الفاتورة خلال ال15 عاما الماضية ،فلقد استمر متوسط الإنفاق نحو مليار جنيه حتى عام 1985،ولكن بعد تقلص دور الدولة وترك الساحة للقطاع الخاص الذى لايهتم بالفقراء أوالعدالة الاجتماعية وهدفه هو تحقيق اقصى معدل للربح،زادت الأسعار بشكل مطرد كما تم فتح باب الاستيراد على مصراعيه ،ولأن الاستيراد مرتبط بقوة الاستهلاك فقد أدى ذلك إلى الإسراف فى استيراد السلع من الخارج والتنافس فى إغراق الأسواق بالمنتجات ولم تتم مراعاة مستوى الدخول لغالبية المواطنين بل تم الاستيراد من دول أجنبية مثل إيران وفيتنام وأمريكا وتركيا والتى تتناسب أسعارها مع الشرائح المرتفعة الدخل،بينما توفير هذه المنتجات من نطاق دول الشام يعد هوالأنسب لأن أسعارهم تتوافق مع غالبية دخول المواطنين ،وفى الماضى عندما مررنا بظروف اقتصادية صعبة تم منع استيراد مثل هذه المنتجات وغيرها حتى عام 1974 باعتبارها بضائع ترفيهيه وعبئا على الاقتصاد لاطائل منه ،ولكننا لايمكنا تكرار تلك الإجراءات الأن لوجود اتفاقيات عالمية مثل الجات وغيرها تحظر ذلك،ولكننايجب أن نتحرك على مستويين المجتمعى والحكومى ،والأول ينصب على تغيير سلوك الاستهلاك لدى المواطنين والعمل على تبنى سياسة ترشيد الإنفاق باعتباره واجبا وطنيا ومساهمة فى تخفيف الأعباء عن كاهل الاقتصاد،وهو التصرف المناسب خاصة مع ارتفاع الأسعارالمستمر الذى يواجه ميزانية كافة الأسر،وبالنسبة للحكومة فلقد بدأت خطواتها للإصلاح بالفعل وذلك بقرار رئيس الوزراء بضم الشركة القابضة للصناعات والشركات ال15 التابعة لها إلى وزارة التموين بدلا من قطاع الأعمال العام ،ويعد القرار تصحيحا للمسار وتحقيقا للعدالة الاجتماعية باعتبار وزارة التموين جهة لاتسعى لتحقيق الربح مما يساهم فى طرح السلع والمنتجات بأسعار مناسبة فى الأسواق والمجمعات الاستهلاكية مما ينافس أسعار التجار فى السوق الحرة،وتلك المنافسة تعود بالنفع على المستهلك وتنعش السوق الراكدة وتنمى الاقتصاد بشكل عام .
الشهر الكريم يأتى فى الوقت المناسب تحقيق:هاجر صلاح على مدى أكثر من ثلاثة أعوام، والمصريون "يلهثون" بحثا عن لحظة الاستقرار والشعور بالأمان، دفعوا خلالها فاتورة باهظة الثمن، بسبب أحداث العنف والفوضى المتلاحقة التى أعقبت ثورة يناير، قدرتها دراسة أعدها مركز المصريين للدراسات القانونية والاقتصادية والسياسية ب 120 مليار جنيه.فضلا عن خسائر قدرت بمئات الملايين من الجنيهات تكبدتها الدولة، فى الفترة التى أعقبت فض اعتصام رابعة فى أغسطس الماضي، وما تلاه من تصاعد لأحداث الإرهاب والتخريب والحرق فى منشآت الدولة وجامعاتها، وما ترتب على ذلك من إصابة مختلف القطاعات الاقتصادية فى مقتل، وان كانت كل الخسائر السابقة قابلة للتعويض، فان الأرواح التى كانت تتساقط بشكل يومي، هى الخسارة الحقيقية .. ومن العنف السياسى إلى المجتمعي، توالت فى الأسابيع الأخيرة الماضية حوادث التحرش الجنسى بالفتيات، والتى حمل بعضها أحيانا "طابعا سياسيا"، ليصل المصريون إلى" الذروة" وتصيبهم درجة من "التشبع" من تلك الأجواء المشحونة بالكراهية والتوتر وعدم الأمان.. مع حلول الشهر الكريم ، يأمل المصريون فى التقاط أنفاسهم ،والتخلص من كل شحنات التوتر ومشاعر الترقب التى سيطرت عليهم فى الفترة الماضية، خاصة مع بداية مرحلة جديدة فى الحياة السياسية تنذر باستقرار نسبى إلى حد كبير، أو على الأقل فهم يطمحون فى الحصول على "هدنة" من كل الأخبار ذات الطابع السلبي، ولو لمدة 30 يوما.. الدكتورة هدى زكريا- أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة الزقازيق- تبشرنا بأن الظروف السياسية الآن مهيأة لنشعر ببعض الاستقرار ، فبعد انتخاب الرئيس ، ستتوارى إلى حد كبير أعمال العنف السياسي، خاصة - وكما ترى-أن جماعة الإخوان المسلمين ظهر حجمها وقدرها ،وضعفها، ويمكن القول أن العنف الذى يمارس تجاه قوات الشرطة يكاد يكون قد اختفى، أما على مستوى العنف المجتمعى بما فيها حوادث التحرش، ترى الدكتورة هدى أن شهر رمضان يفرض جوا من الروحانية يسود المجتمع كله مسيحيين ومسلمين حتى فى أصعب الظروف، والمشكلة أن الإعلام يركز على الحوادث السلبية، ليرسخها ،وبدل من أن تختفى تتزايد، لكن الخلاصة من وجهة نظر أستاذة علم الاجتماع أن المجتمع المصرى الذى كان" بعافية" خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومر بأحداث جسام وصعبة، سيستعيد عافيته فى الفترة المقبلة ،فمع حلول شهر رمضان بطابعه الروحانى الهادئ ، وتزامنه مع الوضع السياسى الجديد بكل ما يحمله من آمال وطموحات، سنتمكن من تحقيق أهدافنا. إلا أن الدكتورة هدى تطمح فى أن تستمر "الحالة الأخلاقية" التى يفرضها الشهر الكريم، إلى ما بعد انتهائه، وأن يكون للطقوس والعبادات التى يمارسها المصريون بكثافة خلال رمضان، تأثير ممتد وحقيقى على سلوكهم وأخلاقهم طوال العام، وهى مسئولية تقع – من وجهة نظرها- على القائمين على الخطاب الدينى الذى يجب أن يعلى من الجوهر والمعاملات والحث على العمل والإنتاج، وليس مظاهر التدين الشكلي. تتفق مع الرأى السابق الدكتورة سوسن فايد- أستاذ علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية- حيث ترى إننا مقدمون على مرحلة من الهدوء و الاستقرار ، بعد تراجع المسببات لكل ما شهدته البلاد من صراع وعنف، ويكفى المقارنة بين أيام الجمع فى الشهور السابقة وبين نظيرتها فى الفترة الحالية ، وتفسر ذلك بان قيادات جماعة الإخوان تأكدت من عدم جدوى ما تقوم به من أعمال عنف وتدمير، وربما تبحث للخطوة المقبلة وهى الانتخابات البرلمانية، فى محاولة لإيجاد أى وسيلة للوجود على الساحة السياسية، وتعتقد د. سوسن أن الجو الروحانى فى الشهر الفضيل سيؤثر بالإيجاب على تراجع العنف فى الشارع، لكن الأهم أن المرحلة الجديدة التى يعيشها الشعب المصرى رفعت معنوياته كثيرا، وزودته بالأمل والتفاؤل بمرحلة ستشهد انتعاشا وحركة وعملا ، بل أنه سيقف لكل من يرغب فى إحداث العكس، وسيواجه بحزم كل من يرتكب أى سلوك منحرف، لأنه بدأ يشعر أنه الضابط والحاكم، ولن يسمح بأى محاولة لتهديده من جديد، ولهذا ترى الدكتورة سوسن انه من الصعب أن نسمع مثلا عن حالات تحرش فى رمضان ، وإلا سيكون جزاء الفاعل "التقطيع إربا .