محاربة الفساد, وتوزيع الثروة بالمساواة, وتوفير المواد الغذائية بسعر معتدل, ياتري هل يمكن للأحزاب الإسلامية الفائزة تحقيقها في اطار زمني قريب. أم أن الوضع الاقتصادي الصعب السائد حاليا يجعل قدرة تلك الأحزاب علي تلبية هذه التوقعات موضعا للشك, وهذا ما قد يقود الي نزع السحر الذي يكتنف الايديولوجيات الإسلامية في المستقبل القريب. يكاد يكون ذلك هو السؤال المتلاحق يوميا ليس علي السنة وشفاه المصريين فحسب انما علي المستوي العربي والدولي, ولعل الفوز الكاسح الذي حققته هذه الأحزاب وحصولها علي الأغلبية البرلمانية, قد جعل من دراسة الحالة النفسية للمصريين وانحيازهم للقوي الإسلامية موضع اهتمام للمحللين والمراقبين السياسيين الأوروبيين. فالإعلام الأوروبي وعدد من المراقبين ماازالوا يرجعون هذا الفوز الساحق الي ان معظم المصريين يفضلون أحزابا ليست علي علاقة جيدة بالمفاهيم الأوروبية للديمقراطية, لكن هذا لا يعني ان المصريين صوتوا لصالح سلطة دينية, لأنه من الواضح أن الكثير من المصريين يثقون بقدرة الأحزاب الإسلامية علي فرض العدالة والمساواة في المجتمع المصري. ولكن وعلي طريقة المثل الشعبي الذي يقول: جات الحزينة تفرح لم تجد لها مطرح.. أظن أن هذه الثقة في أن تحقق الأحزاب الإسلامية مايصبو اليه الشعب من تحقيق أحلام وعدالة علي يد هذه الأحزاب قد بدأت تهتز, ليس لأن الأحزاب الاسلامية خذلتهم وتراجعت عنهم أو انها غير قادرة, وإنما لأن المشهد السياسي الجاري وبما يحتويه من اشتباكات ومصادمات بين هذه القوي الاسلامية وقوي شباب ائتلاف الثورة والقوي السياسية الليبرالية والعلمانية يجعلنا نستشعر بأن الأحزاب الاسلامية بدلا من ان تفرح بهذا الاستحواذ ويدوم لها هذا المطرح السياسي والسلطوي الكبير الذي حصلت عليه بفضل نتائج الانتخابات الأخيرة, هي الآن تستدرج نحو هاوية أزمات سياسية مصطنعة تغوص فيها وتشتبك ولا تتفرغ الي تكريس فوزها الذي حققته, في الوقت الذي بدأ الشارع المصري يقترب من الوصول الي تحقيق الخطوة التالية وهو الاستقرار التشريعي والبدء في سن قوانين وتشريعات تصلح ما أفسده النظام السابق بدءا من تشكيل لجنة المائة التأسيسية للدستور الجديد تتوافق عليها جميع اطياف المجتمع وحتي حلول المشاكل المزمنة والقضاء علي الفساد المستشري في كل ركن من أركان الحياة السياسية والاجتماعية المصرية, فإن المشهد السياسي يوحي بأن هذه الأحزاب هي تدفع دفعا الآن نحو حالة من الصدام والصراع علي السلطة تفرضها عليها قوي شباب الثورة بالميدان وعدد من القوي السياسية المدنية, وهو الأمر الذي وضع هذه القوي والأحزاب المدنية في جانب والقوي الاسلامية والمجلس العسكري في جانب آخر, وهذا ماتسعي اليه هذه القوي الخاسرة الي حد ما حتي يفقد الناس ثقتهم في هذه الأحزاب وان ماتحقق من نتائج لم يكن سوي نتاج لصفقة سياسية عقدت بليل بين المجلس العسكري وبين هذه الأحزاب, ربما يؤدي الي تقاسم السلطة سرا بين القادة العسكريين والاخوان المسلمين, وهي نظرية يتم تداولها بكثافة وكلتا الحالتين قد تؤديا الي اشتعال فتيل الاحتجاجات في الشارع واندلاع أعمال العنف مجددا. السيناريو الأقرب للتنفيذ يقول: أن حالة من التعثر السياسي هي الاتية لا ريب في ذلك, وأن فوز الاسلاميين وتصدرهم المشهد السياسي الآن يتعرض لضربات استباقية بدأت تلخصها لنا حالة الضغط الاحتقان والاحتجاج القصوي التي بدأ يشهدها الشارع السياسي خارج البرلمان خلال الساعات القليلة الماضية. واما في داخل البرلمان فالصورة لا تختلف كثيرا, فمنذ الساعات الأولي لعقد أولي جلساته ونحن نلاحظ زيادة في حدة نبرات أصوات نواب حزبي الحرية والعدالة والنور وبعض ممثلي الأحزاب الاسلامية وهم ينتقدون بطء المحاكمات وأداء المجلس العسكري فالمطالبة بالقصاص واعدام مبارك حتي اعادة النظر ومراجعة جميع القوانين التي أصدرها العسكري امام البرلمان لاسيما قانون الانتخابات الرئاسية والذي أصدره المجلس العسكري يوم19 يناير الماضي, أي قبل بدء الدورة البرلمانية بأربعة أيام وكأنهم يسعون لتبرئة أنفسهم من هذه التهمة, تهمة انهم والمجلس العسكري, في خندق واحد, وهو مايلوح الي احتمالية وقوع مايمكن ان يسمي بالصدام المبكر, أو الطلاق السياسي بين القوي الاسلامية والمجلس العسكري, وهو ماتسعي اليه القوي الليبرالية والعلمانية, فيموت الحلم ويبطل مفعول السحر.