فى شوارع المعز القديمة.. بالتحديد تلك المحيطة ببيت السحيمى.. بدأ مركز ابداع, التابع لصندوق التنمية الثقافية سلسلة عروض لمسرح "الأراجوز" فى مارس الماضى مركز تحت شعار "هنروح للناس, مسرح ببلاش".. العروض قدمتها فرقة "ومضة" وقام بتأليفها وإخراجها د. نبيل بهجت.. الذى وثق الكثير عن هذا اللون الفنى.. فى كتابه بالعربية والإنجليزية "الأراجوز المصرى".. قدم الكاتب حصرا بفقرات الأراجوز التى جمعها من 7 فنانين: صلاح المصرى، صابر شيكو، محمد كريمة، سيد الأسمر، سمير عبد العظيم، حسن سلطان، عم صابر المصرى. .. وكلمة "اراجوز", مشتقة من الكلمة التركية "قره قوز".. "قره" بمعنى سوداء و "قوز" بمعنى عين، أى "ذو العين السوداء" أو النظرة القاتمة للحياة.. وهو تعريف تغير تماما عند المصريين لتصبح النظرة ساخرة! فن "الأراجوز" ينتمى بشكل أو بآخر إلى مسرح العرائس.. رغم أنه عبارة عن دمية قفاز، يرتديها الممثل فى يده.. تصنع رأس الدمية من خامة خفيفة, صلبة فى الوقت نفسه كالخشب، يرتدى "طرطورا" أحمر اللون. وجلبابا أحمر أيضا تخرج منه قطعتان صغيرتان من الخشب تمثل اليدين. كان "الأراجوز يقدم سابقا على عربة مستطيلة ذات عجلات.. تتنقل بين الأحياء الشعبية فى الموالد و الأعياد.. واجهة العربة تغطيها ستارة سوداء تحجب ما خلفها, حيث يجلس الممثل والشخصيات المشاركة.. الدراما فى هذا اللون المسرحى.. خليط بين النص المكتوب والارتجال.. فهناك مجموعة من النصوص الدرامية تحتفظ بها ذاكرة الممثلين، يتوارثونها جيلا بعد جيل، يتناقلها شفاهة الأب وابنه أو تلامذته، وقد يكون النقل تراثيا مجهول المصدر.. وغالبا لا تخرج عن هذه العناوين: "جواز بالنبوت"، و"الأراجوز ومراته"، و"الست اللى بتولد"، و"الأراجوز ومراته السودة"، و"حرامى الشنطة"، و"البربري"، و"الشحات"، و"فنان بالعافية"، و"الحانوتي النصاب"، و"كلب السرايا"، و"حمودة وأخوه"، و"جر شكل"، و"الفتوة الغلباوى"، و"الأراجوز فى سوق العصر"، و"أراجوز فى الجيش"، و"حرب بورسعيد"، و"العفريت".. تمتزج هذه الذاكرة الشفهية بالارتجال الفورى للممثل.. تناول المؤلف مختار السويفى الكثير من هذه التفاصيل فى كتابه "خيال الظل و العرائس فى العالم" الذى صدر عام 1967. أما بنيان الموضوعات للأفكار السابقة فيكون بسيطا.. يرتكز على موقف درامى واحد للأراجوز.. يبدأ سعيدا تنهمر منه القفشات المغناه مع مساعده.. ثم لا يلبث الأمر أن يتصاعد باصدامه بما يعكر صفوه.. ثم يتغلب على ما يعكر صفوه, ليعود مرة أخرى لحالة السعادة التى بدأ بها. نماذج شخصيات مسرح الأراجوز, لا تخرج عن: الاراجوز، وزوجته، وابنه، حماته, الشحات، الحانوتى، الشاويش، الحرامى, وغيرها من شخوص يحتك بها يوميا.. فهو إنسان بسيط, يكره التعالى و الكذب, حاد الطباع، ساخر، عنيد.. يقدم الزوجة شاكية, ثرثارة, عنيدة.. كما يقدم الشحاذ كاذبا, مخادعا, طماعا. تستخدم اللغة العامية فى درامات الأراجوز.. فى الشخصيات المساعدة تستخدم كل طائفة أو منطقة بلهجتها, فالنوبى يتكلم بلهجته, وكذلك السودانى والصعيدى والسكندرى.. الخ, أما الأراجوز نفسه فيتحدث لهجة القاهريين.. تمتد فيها النكات والقفشات طوال مدة العرض.. حتى تصل للنهاية السعيدة دائما.. ولما كانت بعض المواقف الدرامية تستدعى الغناء، فلابد أن يمتلك ممثل الأراجوز صوتا مقبولا. حسنا خطا مركز ابداع تلك الخطوة.. بالنزول بالفن البسيط للناس فى شوارع مصر القديمة.. وهى خطوة موجهة لجيل من الصغار لم تر اعينهم عروضا مشابهة من قبل.. السؤال المهم هو: هل يمكن تطوير الدراما المقدمة لتخرج عن عناوين الأراجوز التقليدية؟.. وهل يمكن تفكيك المناهج الدراسية للأطفال بشكلها الحالى, بتقديمها عبر "الأراجوز"؟.