الملياردير هو جورج سوروس مجرى الجنسية ومؤسس «صندوق المجتمع المفتوح» في عام 1979 و « مؤسسة سوروس» في المجر في عام 1984 وفى الاتحاد السوفييتي في عام 1987 وفى بودابست ووارسو أنشأ «الجامعة الأوروبية المركزية» في عام 1990. والغاية من كل ذلك مؤازرة الشباب فى تمردهم على وجودهم فى مجتمع مغلق بحيث يفضى هذا التمرد إلى ثورة يحيل المجتمع المغلق إلى مجتمع مفتوح. وهو فى كل ذلك ينفق سنوياً ثلاثمائة مليون دولار. وقد استعار سوروس مفهوم المجتمع المفتوح من كارل بوبر وهو فيلسوف بريطاني من أصل نمساوي وشهرته مردودة إلى أنه مؤلف كتاب « المجتمع المفتوح وأعداؤه» (1945) وصدر في جزءين: الجزء الأول عن أفلاطون من القرن الرابع قبل الميلاد والجزء الثاني عن هيجل وماركس من القرن التاسع عشر. ويتميز هؤلاء الفلاسفة الثلاثة بأنهم ضد الحرية وضد العقل. وقد تأثر سوروس بكارل بوبر عندما كان ملتحقا بكلية الاقتصاد بلندن وكان بوبر من أبرز الأساتذة وفكرته المحورية أن الفكر الناقد يستلزم فكراً دوجماطيقياً لكى ينقده. وإذا كانت الأنظمة الشمولية هى المعبرة عن الدوجماطيقية فمهمة الفكر الناقد اذن نقد تلك الأنظمة من أجل تدميرها. وقد استعان سوروس بهذه الفكرة المحورية فى مسألتين: المسألة الأولى خاصة بنقده لفرويد مؤسس التحليل النفسي عندما أعلن فرويد أن التحليل النفسي كفيل بفهم جميع أنواع السلوك فارتأى سوروس أن فرويد بهذا الاعلان قد وضع نفسه فى مستوى الله، ومن ثم يلزم تحجيمه. وقد أدى سوروس هذه المهمة عندما قال: « ليس فى إمكان العلم أن يكون بديلاً عن الدين إلا إذا تدهور وتدنى إلى أن يكون ديناً على نحو ما حدث للماركسية والتحليل النفسي»، بل إنه استطرد قائلاً بأن فرويد قد دمر معايير المنهج العلمي عندما أصبح على يقين بأن التحليل النفسي هو المنهج العلمي الصحيح لاكتشاف اللاوعي، ومن ثم يكون هو الوحيد المحتكر للحقيقة. هذا عن المسألة الأولى أما المسألة الثانية فخاصة بتأليفه كتاباً عنوانه الرئيسي « أزمة الرأسمالية الكوكبية» وعنوانه الفرعي « المجتمع المفتوح فى خطر». قال فى مقدمة ذلك الكتاب: «لقد تأثرت إلى حد بعيد بفيلسوف العلم كارل بوبر وبكتابه « المجتمع المفتوح وأعداؤه» الذى كشف النقاب عن مغزى النظم النازية والشيوعية التى عانى منها عندما كان شاباً فى المجر. إن هذه النظم لها ملمح مشترك وهو الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة وفرضها على العالم بعنف. واقترح بوبر بديلاً عن هذه النظم نظاماً اجتماعياً مبايناً يستند إلى أن لا أحد قادر على امتلاك الحقيقة المطلقة، وأن العالم الذى نعيش فيه عالم ناقص وعلينا بالتالي اختيار الأفضل وهو المجتمع المفتوح القابل للتحسن على الدوام وعدوه الأنظمة الشمولية». وفى رأى سوروس أن المجتمع المفتوح أصبح فى خطر مع بزوغ الكوكبية، ومن ثم أثار هذا السؤال العمدة: كيف يمكن إنقاذ المجتمع المفتوح فى ضوء الكوكبية؟ جواب هذا السؤال يتحدد بجواب عن سؤال فلسفى قديم: ما العلاقة بين الفكر والواقع؟ والجواب عن هذا السؤال يستند إلى ثلاثة مفاهيم: عدم العصمة من الوقوع فى الخطأ بمعنى أن معرفتنا عن العالم معرفة ناقصة، وبالتالى لا أحد يقتنص الحقيقة المطلقة. فاعلية العقل بمعنى أن العقل يؤثر ايجابياً فى الأحداث الاجتماعية التى نشارك فى صنعها ونفكر فيها، ذلك أن هذه الفاعلية تعنى أن المشاركين المفكرين هم جزء من الواقع الذى يفكرون فيه. ليس فى الامكان التنبؤ بالأحداث، ذلك أن ثمة نسبة من اللاتعين كامنة فى الأحداث، ولهذا قيل تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن. ويترتب على ذلك أن ثمة فجوة بين الفكر والواقع، لأن الوقائع تحدث فى المستقبل فى مكان، ووقوعها متوقف على قرارات المشاركين المفكرين. وتأسيساً على ذلك فإن سوروس يميز بين المجتمع المفتوح والمجتمع المغلق. المجتمع المغلق هو الذى يؤمن بأنه معصوم من الخطأ، وبالتالي يرفض التغيير. وهنا يذكر سوروس مثالين لهذا المجتمع المغلق وهما مصر الفرعونية والاتحاد السوفييتي بالإضافة إلى المجتمع الرأسمالي فى صورته التقليدية التي تستند إلى مبدأ « دعه يعمل». فسوروس يرى أن تبنى هذا المبدأ فى ظل الكوكبية يخلق ما يسميه « السوق الأصولية» بدعوى أن هذه السوق تزعم أن مبدأ « دعه يعمل» هو مبدأ مطلق لا يقبل النقد. وقد نشأت هذه السوق الأصولية فى الثمانينات من القرن العشرين بفضل سياسة كل من تاتشر وريجان وهما أصوليان بحكم فكرهما الدينى. وفى عام 2003 صدر كتاب عنوانه الرئيسى «سوروس» وعنوانه الفرعى « حياة وأزمنة ملياردير صاحب رؤية تبشيرية». ومؤلفه مفكر أمريكى اسمه مشيل كاوفمان استدعاه سوروس فى ربيع عام 1995 ليكون رئيس تحرير مجلة تصدر فى براغ. ومن هنا كانت الفرصة مواتية لكاوفان ليصدر ذلك الكتاب. وإذا أردت مزيداً من الفهم فانظر إلى حال مصر قبل ثورة 25 يناير حيث كان الحزب الوطنى الديمقراطى يحيا فى رحم جماعة المسلمين ومع ذلك يزعم بأنه يقاومهم إلى أن اخترقوا جميع مؤسسات الدولة بما فى ذلك مؤسسات القطاع الخاص الذى يملكه مليونيرات أو بليونيرات. ولا أدل على ذلك من أن ثورة 25 يناير قد انتهت فى الساعة الواحدة بعد ظهر الجمعة الموافق 28 يناير 2011 عندما سرق الاخوان المسلمون الثورة ثم استولوا عليها وأعلنوا أنهم قد عقدوا صفقة بينهم وبين الله، ومعنى ذلك أنهم مثل الله يملكون الحقيقة المطلقة، ومن ثم دخلت مصر فى قفص المجتمع المغلق تمهيداً لإعادته إلى ما قبل الحداثة. لمزيد من مقالات مراد وهبة