اكتفى المشير عبد الفتاح السيسى فى تصريحاته وحواراته المتلفزة التى أدلى بها خلال فترة حملته الانتخابية باشارات مختصرة عن سياسة مصر الخارجية عموما ورؤيته لما يحدث من تطورات فى بعض الدول العربية . ويبدو انه أراد بذلك ان يمنح لنفسه مساحة واسعة من المرونة وحرية التحرك بعد توليه سدة الرئاسة ، وربما أيضاً حتى يمنح للأطراف العربية والدولية ذات المواقف المناوئة أو المترددة فرصة المراجعة والتعديل فى مواقفها. العلاقات المصرية الخليجية ويأتى تمتين العلاقات المصرية الخليجية فى مقدمة اهتمامات الرئيس الجديد وذلك انطلاقا من امتنانه الواضح للموقف الذى ايدته كل من السعودية ودولة الاماراتوالبحرين لمصر بعد 30 يونيو و3 يوليو 2013 ، وتأسيساً على اقتناعه بحقائق التلازم بين الامن القومى المصرى وأمن الخليج العربى . وسوف يترجم ذلك من الناحية العملية فى تكثيف وتنويع العلاقات القائمة بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجى، لتشمل مجالات جديدة ، وربما تشكيل قوة مصرية خليجية مشتركة للتدخل السريع فى حالات الطوارئ أو لمكافحة الارهاب . وقد تنضم اليها الاردن أيضاً ] ومع ذلك فسوف تظل هناك اشكالية الخلاف القطرى المصرى التى يلزم تجاوزها سواء بطريق الوساطة أو من خلال قنوات التفاهم المباشر بين القاهرة والدوحة. ومن المهم فى كل الاحوال أن تتسع المقاربات المصرية مع دول مجلس التعاون الخليجى لتشمل نظرة ارحب الى مفهوم الامن القومى العربى بما فى ذلك مستقبل العلاقة مع ايران على ضوء تقويم دقيق لطبيعة الدور الايرانى فى كل من العراقوالبحرينوسوريا ولبنان وغزة ، وامكانيات تطويره فى اتجاهات ايجابية ، فضلاً عما تمثله الاتجاهات الدبلوماسية للرئاسة الايرانية الجديدة من فرص لتهدئة المخاوف وبناء جسور التواصل والحوار مع الدول العربية وفى مقدمتها السعودية ومصر. مصر والعراق تأرجحت العلاقات المصرية العراقية خلال السنوات العشر الماضية بين حالات من التوتر والفتور والترقب بسبب اغتيال القائم بأعمال السفارة المصرية فى بغداد، وتزايد النفوذ الايرانى فى العراق ، واكتشاف بعض الخلايا السرية التى تعمل على نشر الفكر الشيعى داخل بعض المدن والقرى المصرية . ولكن بعد سقوط حكم الاخوان المسلمين فى مصر وتعرض البلدين فى توقيت شبه متزامن لموجات من الارهاب المنسوب الى جماعات الاسلام السياسى وعلى الاخص تنظيمات " القاعدة " وبعض فروع " السلفية الجهادية " ، فضلا عن تماثل الظروف الجغرافية التى تفرض على كلا البلدين التعامل بحذر شديد مع التطورات الساخنة التى تجرى فى دول مجاورة لكل منهما (سوريا وليبيا) فقد يرى البعض أهمية تقوية جسور التواصل المصرى العراقى والبحث فى تطوير وجوه التعاون بين البلدين خاصة فى مجالات التنسيق الأمنى ومكافحة الإرهاب . وقد يفكر البعض فى دور سياسى جديد يمكن ان تقوم به مصر فى توقيت مناسب لتخفيف التوتر القائم بين العراق وبعض الدول الخليجية بسبب مخاوف الاولى من ادوار تقوم بها بعض تلك الدول الخليجية فى دعم التحركات الاحتجاجية داخل بعض المحافظاتالعراقية ذات الكثافة السكانية السنية ومخاوف تلك الدول الخليجية من التشجيع الإيرانى والعراقى لمطالب الاقليات الشيعية الموجودة فى شمال وشرق شبه الجزيرة العربية وفى البحرين والكويت والامارات ومن المهم فى كل الأحوال ان تعيد كل الاطراف العراقية والخليجية النظر فى علاقاتها البينية على ضوء ما يتهددها من اخطار ارهابية، وقد تتطور فى تصاعدها وانتشارها خارج العراقوسوريا لتطال اطرافاً اخرى مجاورة . مصر والقضية الفلسطينية ورغم ان القضية الفلسطينية لم تكن فى صدر القضايا التى تضمنتها الحملات الانتخابية الاخيرة لمرشحى الرئاسة إلا أن أحدا لا يمكنه تجاهل أو تعديل الثوابت المبدئية والتاريخية الدائمة للموقف المصرى إزاء حقوق الشعب الفلسطينى وطرق التسوية الواجبة لقضيته العادلة، وسوف تعمل مصر من خلال أجهزتها السياسية والديبلوماسية والامنية على تمكين السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية من أداء أدوارها المعترف لها بها عربياً ودولياً، والحفاظ على قوة الدفع لعملية التسوية السياسية الشاملة مهما حاولت بعض الاطراف المحلية أو الاقليمية تعويقها أو افشالها . سوريا ...والجولان : البعد الغائب فى الأزمة الراهنة وبالنسبة للتطورات فى سوريا فيبدو أن الاعتبار الرئيسى والحاكم للموقف المصرى كان وسيظل هو الحفاظ على كيان الدولة الموحدة فى سوريا أرضاً وشعباً ، والحفاظ على القدرات العسكرية للجيش السورى باعتبار ذلك عنصراً أساسياً من عناصر الأمن القومى العربى فى مواجهة الاستراتيجيات العسكرية التوسعية لاسرائيل فضلاً عن اقتناع مصر بخطورة السماح للمنظمات التكفيرية والميلشيات المسلحة بالانتشار والتوسع والحلول محل الدولة والجيش. وقد تتضمن المساهمة النوعية التى يمكن أن تقدمها مصر لتسوية الأزمة القائمة فى سوريا محاولة لتحريك الجمود الراهن فى قضية الجولان المحتل من خلال طرح دولى جديد يقدم فى مجلس الأمن يتم بمقتضاه الربط بين عودة الجولان الى السيادة السورية والتوصل الى ترتيبات اقليمية للأمن والتعاون فى المنطقة يكون من بين اغراضها مكافحة الارهاب. ويستدعى هذا الطرح جهوداً ديبلوماسية مكثفة ليس فقط مع دمشق وروسيا والصين وباقى الدول دائمة العضوية بمجلس الامن وانما ايضا مع دول الجامعة العربية واسرائيل. أما مسألة الاكتفاء بإسقاط النظام القائم فى دمشق من خلال دعم المعارضة السورية بالمال والسلاح أو بالتدريب فقد لا تؤدى بالضرورة الى انهاء ظواهر الإرهاب وعدم الاستقرار فى سوريا والمنطقة . ليبيا : بين المقاربات الامنية والسياسية اما بالنسبة للأوضاع السياسية والامنية الشائكة فى ليبيا فمن المنتظر أن تضاعف مصر تحركاتها الميدانية لتأمين حدودها الغربية ضد تسلل الافراد والأسلحة التى تستخدم فى عمليات ارهابية داخل مصر وربما تضطر القوات المسلحة المصرية بعد توفير الغطاء القانونى اللازم عربياً ودولياً الى القيام ببعض العمليات النوعية السريعة لضرب بؤر تجمع الجماعات الارهابية القريبة من الحدود المشتركة وذلك تلبية لطلب الجيش الوطنى الليبى وقد يصحب ذلك أيضاً الاعلان عن دعم مصرى صريح لباقى عناصر خارطة الطريق المطروحة فى ليبيا من أجل تصحيح مسار ثورة 17 فبراير 2011 وخاصة فيما يتعلق بالقضاء على ظواهر انتشار السلاح واعادة بناء مؤسسات الدولة فى ليبيا على اسس دستورية وديمقراطية سليمة بما فى ذلك تطوير نظام اللامركزية .ومن الضرورى ان يصحب هذه الابعاد الامنية والسياسية العاجلة اعداد مشروعات اقتصادية وخدمية متكاملة تطرحها المؤسسات والشركات المصرية بما يلبى الاحتياجات الليبية بحيث تكون جاهزة للتفعيل بمجرد استتباب الوضع الأمنى واستكمال الهياكل الدستورية فى ليبيا . وسوف يكون من الحتمى فى كل الاحوال ان تراعى مصر فى كل ما يصدر عنها من تحركات ميدانية ان هناك مئات الالاف من المواطنين المصريين المقيمين فى ليبيا ممن يلزم احاطتهم بوسائل التأمين والرعاية . وبعد ... فكما كان لدور مصر المؤثر فى فترات سابقة اسباب ومؤهلات تعرفها كافة المواقع فى الخريطة العربية فإن المأمول أن تهتم مصر خلال المرحلة المقبلة باستعادة تلك المؤهلات وتحديثها وفق متطلبات ومعايير العصر، وحتى يكون الدور المصرى مطلوباً وليس مفروضاً .