إذا كان الإسلام السياسي قد فشل بامتياز في إدارة أمور البلاد أو تقديم نموذج ناجح للحكم، وانتشرت الفتاوى المتطرفة والتكفيرية التي تهدد الآمنين وتشعل الفتن وتدعو إلى القتل والتدمير، أصبحت الآن الآمال معلقة على الطرق الصوفية التي كانت هي الرائدة لقرون عديدة في ضبط إيقاع المجتمع وإحياء منظومة القيم والأخلاق. تلك التطلعات التي يرى البعض أنها صعبة التحقيق تتجلى معها تلك الخلافات التي نشبت بين مشايخ الصوفية حول عضوية المجلس الأعلى للطرق. الدكتور عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، تحدث معنا في حوار كاشف عن الأزمة داخل البيت الصوفي ، وحقيقة ما يتردد عن نشر التشيع بين بعض ابناء الصوفية، والاختراقات الخارجية لبيت الزهد والورع والتقوى. ومبنى مشيخة الطرق الجديد، وأشار أيضا إلى المخصصات المالية الشهرية الهزيلة لمشايخ الطرق والتي لا تكفى للقيام بالدور الدعوى المطلوب .. وإلى نص الحوار: الصوفية .. هل تشكل الوجه الحقيقى للإسلام؟ الصوفية هي الإسلام، وكل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله الكريم، فالتصوف منه برىء، وقد وصف الكثير من العلماء التصوف، ونحن نقول أن التصوف هو التطبيق الكامل لكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم . ما أسباب الخلاف داخل البيت الصوفى ؟ وهل تنهى نتائج الانتخابات الأخيرة ؟ من البداية لا يوجد خلافات داخل البيت الصوفى، فالخلاف يجب أن يكون بين طرفين، ولكن ما نشاهده هو طرف واحد مدع للخلاف، وأنا أؤكد أننا لن ندخل فى أى مهاترات، وليس عندنا وقت لذلك، يجب أن نكون أكبر من أى خلاف فمصر الآن محتاجة لجهود وإخلاص كل فرد منا، فرسالتنا أسمى وأعلى من أية انشقاقات. والخلافات لم تتجاوز 3 طرق صوفية ، كانوا قد اعترضوا على المكان، الذى يتم فيه إجراء الانتخابات، وتجرى انتخابات المجلس الأعلى للطرق الصوفية كل 3 سنوات، ومن المفترض أنه قبل نهاية المدة بستين يوما أخاطب محافظ القاهرة لتحديد موعد الانتخابات، والتي كانت تجرى داخل المجلس المحلى لمحافظة القاهرة وفق القانون وبحضور رئيس المجلس المحلى أو محافظ القاهرة، وبما أن المجالس المحلية تم إنهاؤها بعد الثورة ، فخاطبنا السيد رئيس مجلس الوزراء، وبموجب صلاحياته حولها إلى محافظ القاهرة الذى أصدر القانون رقم 661 لسنة 2014 مضمونه أنه يكلف فضيلة الشيخ محمد عبدالرازق وكيل وزارة الأوقاف بالإشراف على هذه الانتخابات، والذى حدد بالفعل موعدا للانتخابات فى نصف مايو، وتجرى فى قاعة الاجتماعات فى مسجد الحسين وهو ما اعترض عليه القلة من مشايخ الطرق، ومنعا لتصعيد الأمور تم تأجيل الانتخابات أسبوعا وأجراؤها فى مبنى المجلس المحلى على الرغم من الغائه، ومع ذلك اعترضوا أيضا وحاولوا تأجيل الانتخابات، وهو ما اعترضت عليه الجمعية العمومية وصممت على انتخاب من يمثلها وبالفعل تمت الانتخابات بسلام، وبدأ المجلس أولى جلساته فى 29 مايو. هل انضم بالفعل بعض مشايخ الطرق إلى الاتحاد العالمى للطرق الصوفية ؟ لا يوجد من تقدم لى بطلب انضمام إلى هذا الاتحاد، لأنه أساسا لا يوجد سوى جهة واحدة مختصة بالشأن الصوفى فى مصر، وهى المشيخة العامة للطرق الصوفية، وأى شخص أنشأ اتحادا هو منتحل للصفة ويحاسب قضائيا، فلا أحد يمارس عملا صوفيا إلا من خلال المشيخة، وغير ذلك هو محاولات لهدم مؤسسات الدولة الدينية بعمل كيانات موازية لها لإضعافها ، ونشر الأفكار الشاذة والمتطرفة والتى تثير الفتنة والبلبلة داخل المجتمع، مثل الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين والذى ظنت قطر أنها تستطيع من خلاله هدم الأزهر الشريف، ومن الأساس لا يعقل أن ينضم أحد إلى اتحاد مجهول الهوية والتمويل والأهداف . وكيف يمكن تنقية المنهج الصوفى من البدع والخرافات التى تظهر فى الموالد واختلاط الرجال بالنساء فى حلقات الذكر ؟ المنهج الصوفى بالفعل نقى تقى أصيل، فالتصوف بدأ منذ عهد النبى صلى الله عليه وسلم،فإذا طالبنا بالتصحيح فسيكون بالعودة إلى سابق عهده ، اتفق أن هناك مخالفات وهى موجودة دائما فى الموالد، وبالفعل بدأنا بدراسة هذه الظواهر المخلة والتى أول من يعترض عليها هم أهل التصوف، وما يحدث هو استغلال البعض لفترة الموالد فنجد مثلا الأغانى الهابطة فى المقاهى المحيطة بالمكان لجذب الرواد ،فهل نعد ذلك من احتفالات الموالد!! فنحن ليس لنا السلطة لمنع هذا، إنما هو دور الدولة لإلغاء هذه المظاهر السلبية،واستغلال تلك الاحتفالات التى تهدف إلى تذكير الناس بآل البيت والأولياء الصالحين لاتخاذهم قدوة حسنة، والاحتفالات أيضا بها منافع للناس ورواج للتجارة، فعلى هامشها ننمى مثلا منتجاتنا الوطنية، وهذا دور المحافظة بإعطاء تصاريح لمن يستحق ،فنحن لا نعترض إلا على المظاهر السلبية التى تسىء للتصوف وأهله وهم منها براء . الطرق غير المشهرة بمشيخة الطرق الصوفية هل سيعاد النظر فى شأنها سواء بحظرها أو تقنين أوضاعها والاعتراف بها كطرق صوفية شرعية ؟ الآن لا يوجد لدينا طرق غير مشهرة، وكان فى الماضى بعض المشايخ غير المشهرين ، وتم إشهار الجميع، سواء طرق أو مشايخ طرق،وتوجد أيضا طرق صوفية عظيمة جدا وتؤدى مهمة جليلة فى الدعوة الوسطية الصوفية، وغير مسجلة فى المشيخة، وهذا هدفنا فى المرحلة القادمة وسنفتح الأبواب لهذه النماذج الطيبة . البعض يتهم الطرق الصوفية بأنها أصبحت بوابة للمد الشيعى فى مصر وذلك لأن الشيعة يستغلون حب الصوفية لأهل البيت .. فما تعليقك على ذلك ؟ التصوف لم ولن يكون يوما بوابة للتشيع، ولن يستطيع أحد أن يستغل حب المصريين لآل البيت، فمصر لم و لن تتشيع وستظل سنية ، فنحن نرفض تماما أن يتم التعدى على أزواج او أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بأى قول يسىء إليهم وهو أيضا مايرفضه كل المصريين . أوقاف الطرق الصوفية لماذا لا تطالبون بردها خاصة أنها من شأنها إنقاذ التصوف من أزمته المالية؟ أوقاف الطرق قضية مهمة جدا وقد تم بالفعل عقد اجتماع مع الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف لبحث هذا الأمر وسنصل إلى نتائج جيدة قريبا إن شاء الله،فمؤسسة الطرق الصوفية تحتاج دعما ماديا، ومع ذلك رفضنا مساعدة أى شخص فالمشيخة لها عزتها وكرامتها، ولكن لكى نؤدى المهمة التى ينتظرها منا المجتمع نحتاج موافقة وزير المالية على درجات مالية لتعيين موظفين بالمشيخة، فعدد العاملين بها خمسة فقط، ونحن فى حاجة لجهاز إداري ومالى وإعلامي ودعوى، وللأسف إجمالي الدخل الخاص بالمؤسسة لا يكفى لفتح مكتب محاسب صغير، فيجب الاهتمام بالمؤسسات الدينية بأكملها، فإهمالها هو الذى أدى إلى نشر الفكر المتشدد والمتطرف. توريث مشيخات الطرق الصوفية من الآباء إلى الأبناء هل كان سببا فى تردى المستوى الفقهى لبعض مشايخ الطرق الصوفية ؟ ابن الشيخ الذى نشأ فى حلقات الذكر، واستمع لدروس العلم، وامتلأ قلبه بالإيمان ولسانه بذكر الله، فمما لا شك فيه أنه مهيأ لرئاسة الطريقة، والقانون يحدد أن من يتولى الطريقة لابد أن يكون من أهل العلم والدين، ونحن نشدد دائما على الجانب العلمى،ولدينا معهد لدراسة العلوم الصوفية ومقره فى صلاح سالم، وهو مدرسة راقية لتعلم التصوف،وهو متاح لأبناء الطرق الصوفية وغيرهم من العامة، لتلقى العلوم الصوفية، ويقوم بالتدريس فيه كبار علماء الأزهر الشريف ومنهم فضيلة الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق، والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، والدكتور أحمد عمر هاشم . كم تبلغ المخصصات المالية الشهرية لشيخ الطريقة ؟ وهل يكفى هذا المبلغ لإعانته؟ المخصصات المالية هزيلة جدا لا تكفى للإنفاق حتى على 5 طلاب لتحفيظ القرآن ، ولابد من إعادة النظر فى تلك المبالغ، فنحن بالفعل لا ندعم الطرق بشكل كاف لإتمام مهمتها بنجاح، فالطرق الصوفية تنفق الكثير من المال على التكيات الصوفية،وتحفيظ القرآن، والإنفاق على المناسبات الدينية والموالد . المبنى الجديد لمشيخة الطرق الصوفية بعد 3 سنوات على وضع حجر الأساس متى ينتهى العمل به ؟ لا يوجد وقت محدد للانتهاء من بنائه لنقص الإمكانيات المادية، وبرغم الظروف المادية الصعبة نجحنا فى بناء 3 أدوار، بها قاعة اجتماعات تسع لأكثر من 750 شخصا، وقاعة مخصصة للسادة مشايخ الطرق لعقد الاجتماعات واستقبال المريدين، ومكاتب للإداريين، وجارى بناء 4 أدوار أخر سيكون فيها قاعة للإعلاميين، ومطبعة لطبع التراث الصوفى، ودوران فندق لاستقبال ضيوفنا من الخارج. ما دور مشيخة الطرق الصوفية فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة ؟ قبل إعلان المشير عبدالفتاح السيسى ترشحه للرئاسة، اجتمعنا معه وطالبناه بالترشح، وكان يرفض تماما، ولكن لأنه رجل عسكرى، قدر الموقف جيدا ، ووافق على الترشح، نظرا للظروف الصعبة التى مرت ومازالت تمر بها البلاد من تحويل الصراع السياسى إلى صراع دينى، وهو ما كان سيؤدى بنا إلى نفق مظلم آخره حرب أهلية، وهدم لمؤسسات الدولة وقد رأينا بالفعل ما تعرض له القضاء من هجمات شرسة لتشويهه والقضاء عليه، وأيضا الهجمات ضد المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف.وبما أننا مؤسسة دينية وأخلاقية فليس من المعقول أن نطلب منه الترشح ولا نقف بجانبه، وبالفعل بعد إعلانه الترشح كان لنا معه لقاء ثان قصدنا به الشد على يديه وتأكيد أننا بجانبه لصالح مصر، وعند الوصول إلى مرحلة التصويت،جهزنا غرفة عمليات داخل مقر المشيخة لمتابعة ال27 محافظة،وقياداتنا تساعد الناس على إتمام مهمتهم وتسهيل وسائل المواصلات لهم، وفى الحقيقة وجدنا أن هناك قوة دفع ذاتية وتلقائية، وإرادة شعبية واضحة، وكانت هذه ظاهرة تجلت فيها عظمة الشعب المصرى الذى استوعب حجم المخاطر التى كانت تحيط به . ما الكلمة التى توجهها للشعب ؟ أود أن أشيد بجموع الشعب التى خرجت فى الانتخابات الرئاسية، فقد قاموا بمهمتهم الوطنية على أكمل وجه، وأتمنى أن تستمر تلك الروح الطيبة، وأن يلتفت الجميع إلى مصلحة الوطن دون النظر إلى الأهواء والمصالح الشخصية، فكل فرد مسئول فى موقعه، فيجب علينا جميعا العمل والعطاء بجهد وإخلاص حتى نعبر بالبلاد إلى بر الأمان .