اجتماع لمجلس النقابة العامة للمحامين والنقباء الفرعيين غدًا    محافظ قنا يبحث الفرص الاستثمارية بقنا ونجع حمادي    الأمم المتحدة ترحب بتصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا    طبيب الزمالك يكشف طبيعة إصابة ثلاثي الفريق في مباراة بيراميدز    رئيس مجلس الشيوخ يلتقي المشاركين في منحة ناصر للقيادة الدولية    رياح ترابية وأمطار.. الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة وتعلن موعد ارتفاع جديد لدرجات الحرارة    مسلسل آسر الحلقة 32، وفاة فيصل واتفاق ثلاثي بين راغب وغازي وعزت للنصب على آسر    وربيرج: نسعى لنكون شريكًا أساسيًا وندرك حرية دول المنطقة    فتحى عبد الوهاب: العلاقة تاريخيا ملتبسة بين الإخراج والإنتاج ويشبهان الأب والأم    هل تعليق الصور في البيوت يمنع دخول الملائكة؟.. أمين الفتوى يحسم    من بين 80 غزوة.. علي جمعة يكشف عدد الغزوات التي شارك فيها النبي؟    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    قرار بتعديل تكليف خريجي دفعة 2023 بالمعهد الفني الصحي بقنا إلى المستشفيات الجامعية    احذر- علامات تدل على نقص فيتامين ه بجسمك    وزير التعليم يستقبل الممثل المقيم لصندوق الأمم المتحدة للسكان لبحث سبل تعزيز التعاون    محافظ جنوب سيناء خلال لقاؤه «الجبهة»: المواطن السيناوي في قلب الأولويات    بأعين كبيرة وأسنان بارزة.. دمية لابوبو تثير هوس عالمي    الصين صدرت 242 ألف سيارة تجارية في الربع الأول من 2025    وكيل الصحة بالمنوفية يتفقد القومسيون الطبي لبحث تطوير الخدمات    وزير خارجية سوريا: رفع ترامب العقوبات عن بلادنا نقطة تحول محورية    التقنية الحيوية ومستقبل مصر.. رؤية من جامعة القاهرة الأهلية    د. أسامة السعيد يكتب: ساعات فى رحاب المجد    محافظ الدقهلية: 1457 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية الخليج مركز المنصورة    الصحة العالمية تحذر من عجز أعداد الممرضين في إقليم شرق المتوسط    إلهام شاهين تشارك جمهورها صورًا من على شاطئ البحر في لبنان    وكيل وزارة الصحة يعقد اجتماعًا مع لجنة المعايشة بمستشفى سفاجا المركزي    رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج يشكر مصر على استضافة البطولة الإفريقية    المرأة الوحيدة في استقبال ترامب.. من هي الأميرة السعودية ريما بنت بندر؟    "فخور بك".. كريستيانو يحتفل بأول ظهور لنجله مع منتخب البرتغال (صور)    جامعة برج العرب التكنولوجية تنظم الملتقى الثاني لكليات العلوم الصحية التطبيقية    رئيس الوزراء يستعرض جهود تعزيز استدامة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة    سن الأضحية من الخروف والماعز والبقر.. يكشف عنها الأزهر للفتوى    انطلاق مسيرة دعم وتمكين فتيات «ريحانة» بمركز شباب أبنوب بأسيوط    ننشر الصورة الأولى لشاب ألقى بنفسه في ترعة الإسماعيلية    «كان يا ما كان في غزة» ينطلق في عرضه العالمي الأول من مهرجان كان السينمائي    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    النقل: وسائل دفع متنوعة بالمترو والقطار الكهربائي للتيسير على الركاب    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    قرار عاجل من المحكمة في إعادة إجراءات محاكمة متهمين بأحداث شغب السلام    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    كشف ملابسات فيديو يتضمن تعدى شخصين على سيدة بالضرب في الدقهلية    بالصور- مصادرة مكبرات صوت الباعة الجائلين في بورسعيد    مصدر ليلا كورة: لا توجد أزمة في خروج حسام عبد المجيد لأداء امتحان ثم عودته    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    «بتهمة تزوير معاينة بناء».. السجن سنتين لمهندس تنظيم بمركز مغاغة في المنيا    تحديد موعد مشاركة الجفالي في تدريبات الزمالك    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    استلام 145 ألف طن من القمح المحلى بمواقع التخزين بالصوامع والشون فى بنى سويف    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    كييف تعلن إسقاط 10 طائرات مسيرة روسية خلال الليل    مصرع شاب غرقا فى حوض مياه بالشرقية    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي كأس السوبر الافريقي لكرة اليد    ولي العهد السعودي في مقدمة مستقبلي ترامب لدى وصوله إلى الرياض    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاك لانج: نهاية التاريخ ليست غدا .. ولن نقبل بعالم يحكمه قطب واحد

وسط عالم تتخاطفه الأحداث من كل جانب جاءت الحوارات , محاولة لترتيب أفكارنا والدوران فى فلك وعى جديد ,لعلنا نصل الى القدرة على اعادة التفكير فى الاسئلة المطروحة على الساحة العالمية .
فالحوارات التى نقدمها حول المستقبل بمثابة حفر معرفى فى أذهان النخبة العالمية الذين قبلوا بشجاعة تحدى الاجابة عن أسئلة محورية وشاملة حول الموضوعات الاكثر أهمية وحيوية على الساحة العالمية المعاصرة وارتداداتها على المحيط المصرى والعربى , ونتوقف عمدا عند محطات فكرية ذات دلالة فى السياق التاريخى والحضارى منها التجربة الديمقراطية... ونتاجات الحداثة... وحوار الحضارات والتعددية الثقافية فى مواجهة العولمة.... ولا يمكننا أن نغفل هذه الثلاثية التى تثير جدلا صعودا وهبوطا ,كرا وفرا ,وهى الدين بالمعنى العام ,والعلمانية ,والاسلام السياسى بوجه خاص . فجاءت حوارات المستقبل محاولة لقراءة هذا الوضع المتفجر بالاسئلة المتشابكة.باختصار هى قراءات متأنية فى زمن متعجل .

هو واحد من سلالة المفكرين والمثقفين الفرنسيين الكبار الذى تتجاوز رؤيته الفكرية حدود الفرانكفونية إلى العالم بأسره. مثلما كان الحال مع سابقيه امثال «فولتير وروسو وأندريه جيد وسارتر وجان جانيه وآلبير كامو»,
جاك لانج المفكر والسياسى الفرنسى العالمى الذى يعمل حاليا رئيسا لمعهد العالم العربى بباريس, نستضيفه فى حوار ليس بوصفه مفكرا أو سياسيا له قيمته فحسب وإنما أيضا بصفته رئيسا لمؤسسة «معهد العالم العربي» والتى تدير حوارا مستمرا للفهم وتعميق الرؤية , وتشجيع التبادل الثقافى مع العالم العربى
ول..»جاك لانج» مؤلفاته التى يعد من أهمها ثقافيا«حالة المسرح» ,وبدراسته القانونية المتمثلة فى عملة أستاذا للقانون العام , قدم تحليلا لحكم محكمة العدل الدولية عن «الجرس القارى لبحر الشمال»,ثم يعاود نشاطه الثقافى عن السياسات الثقافية المقارنة بأوروبا , وفى المجال «السياسى / الاقتصادي» يقدم « القيام بثورة مالية .. التغلب على البطالة , وأخيرا يقدم لنا صديقه نيلسون مانديلا فى كتابه « قطع من حياة مشتركة»
عمل جاك لانج وزيرا للثقافة فى عهد فرانسوا ميتران دورتين ومن ثم وزيرا للتعليم العالى بجانب الثقافة , وكلنا يعرف قيمة الثقافة بالنسبة لفرنسا تحديدا,ثم وزيرا للعليم العالى فى عهد جاك شيراك وكان نائبا فى البرلمان الأوروبى آواخر التسعينات , وعمل مستشارا لبان كى مون الأمين العام للامم المتحدة.
واذا كان توفيق الحكيم قد سجل سيرته الحياتية فى فرنسا من خلال «عصفور من الشرق» فانه بالأحرى أن يكون ما طرحه المفكر الكبيرجاك لانج فى حورانا يمكن أن نسميه بتصرف «عصفور من الغرب»
ومن فرنسا إلى فرنسا .. ومن الصدام والنهايات الى الحوار والبدايات نبدأ ..

إذا كان البعض يقر صداما بين الحضارات ..وآخرون يرونه حوارا مستمرا, فهل تعتقد أن الحضارات التى يشار إليها لم تعد اليوم كما كانت عليه ؟»
لا يوجد حوار إلا بين الأشخاص، الكائنات الحية، الرجال والنساء الذين، أيا كانت أصولهم لديهم جميعا طابعا مختلفا، أفكارا مختلفة، تاريخا مختلفا. الحديث عن الحوار بين الحضارات، على الأقل من وجهة النظر العامة، ضار بقدر الحديث عن الصدام بين الحضارات.
عندما يقدم مفكر رؤيته للعالم، فهو ينقاد، أيا كانت صفاته الثقافية، إلى تبسيط حقيقة إنسانية لا يمكن لأى عمل أن يحتويها ويسيطر عليها. عندما نسعى بعد ذلك أن نلخص فى سطور قليلة أو بضع كلمات هذه الرؤية، فإنها لا تكون أكثر من علاقة بعيدة عن الواقع الذى نزعم أننا نصفه. على كل الأحوال فإنه ليس من خلال فكر «هانتينجتون» أحدد تفكيرى ولا أعتقد أنى ملزم باستخدام المفاهيم ذاتها. أولا مفهوم الحضارة: ما هى الحضارة؟ إذا كنا نعنى بذلك كتلة غير متحركة لها حدود ثابتة وتوازنات داخلية مستقرة، إذن فنحن نرتكب خطأ جسيما. كل التكوينات الإنسانية – دول، مجتمعات وحتى الأديان – فى حالة حراك دائم. فرنسا اليوم مختلفة كثيرا عما كانت عليه فى ثلاثينات القرن الماضي. وهو الحال أيضا فى مصر. ومع ذلك هناك دائما واقع فرنسى وواقع مصرى تشكل من الحاضر ومن ذكري. فرنسا ومصر هل تنتميان إلى حضارتين مختلفتين وما هما هاتان الحضارتان؟ الإجابة ليست واضحة. اعتمادا على ما إذا كنا ننظر إلى اللغة، الدين، العادات الغذائية، الأعراف الزوجية .. فإن الحدود المبهمة التى تفصل الكتلتين الثقافيتين تتباين. هل يمكننا أن نقول إن هناك على سبيل المثال حضارة إسلامية فى مواجهة حضارة مسيحية؟ لكن لماذا لا نرى الأشياء بشكل مختلف ونضع حضارة متوسطية قبالة حضارة آسيوية. هل مصر أقرب إلى أندونسييا منها إلى فرنسا. من جانبى أشعر أنى فى بلدى وأنا فى تونس أكثر مما أشعر وأنا فى فنلندا.
وهل وفق هذه المفاهيم للحضارات الكائنة يمكن ان ينتج صراعا فى العلاقات بين الشعوب يمتد بين الاغنياء والفقراء..أو يتسع نطاقه ليشمل العالم أى أن تواجه المجتمعات بعضها بعضا ؟
أن نتناول العلاقات بين الشعوب من زاوية المواجهة بين الأغنياء والفقراء أمر ملموس أكثر بكثير عند النظر إلى العلاقات الدولية. كل من تجاوز عمره الخمسين تأثروا بمفهوم الشمال الثرى الذى يستغل الجنوب الفقير وغير المتقدم. الأمر هنا كان يتعلق بصراع موضوعى كانت التعبئة ضده لكل النساء وكل الرجال المأخوذين بالعدالة. الوضع اليوم لم يعد كما هو بالضبط. هناك دائما فوارق هائلة من حيث مستوى الحياة والثروة، لكن التوزيع الجغرافى للتنمية تغير. كتل كبيرة نامية ظهرت فى آسيا، فى العالم العربي، فى أمريكا. أفريقيا نفسها التى يعتقد البعض أنها سائرة إلى البؤس، دخلت فى الحراك. هذا النظام العالمى الجديد ليس دائما سهل التعايش معه فى دول استولت فيما مضى على الثروات. وأنا أرى العكس، بما فى ذلك بالنسبة لهذه الدول فرصة رائعة: فرصة المنافسة بين أكفاء كل منهم يرغب بشدة أن يكون الأفضل. لم نصل بعد إلى هذه المرحلة لكن نحن نتوجه جميعا نحو عالم أكثر توازنا حيث نصحح الاختلالات التى فرضتها النهضة الصناعية الأولي، فى القرن التاسع عشر والتى أدت حتميا وبالضرورة إلى تحقيق فوائد إلى اثنين أو ثلاثة من الامبراطوريات الاستعمارية الهائلة.
«هل ترى أن الشركات متعددة الجنسيات فى طريقها لتحل محل الدولة الأمة على مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية ؟»
هناك اليوم شركات متعددة الجنسيات أكثر ثراء من بعض الدول. هذه ليست حقيقة جديدة كما يمكن أن نتخيل. أصحاب البنوك فى جنوة فى القرون الوسطي، ثم لاحقا بنك فوجيه، الشركات الاستعمارية الكبري، مثل شركة الهند كانت تقوم بنشاط اقتصادى يتجاوز بكثير حدود الدول ولم تكن تلك الدول دائما فى موقف قوة. الشركات العالمية الكبرى اليوم تخلق الثراء وهى مصدر للإبتكار والتقدم لكن من خلال نشر أنشطتها فى العديد من الدول، وليس هناك تقريبا أى سيطرة عليها. هؤلاء الذين يناصرون الاستسلام التام لقانون السوق ينسون أنه ليس هناك سوق دون قانون. وإلا، فإنها تكون غابة والحيوانات الكبيرة هى التى تفرض قانونها. ولأنه لا توجد أى دولة يمكنها أن تفرض بفاعلية سيطرتها على أنشطة الشركات متعددة الجنسيات، يجب أن تتفق الدول فيما بينها. هذا ما نفعله على مستوى الاتحاد الأوروبي. هذا أيضا أحد الأشياء التى يجب أن تصححها منظمة التجارة العالمية. لا يتعلق الأمر بعرقلة مبادرة شاهدنا أنها كانت مصدرا للتقدم، لكن سد العجز الديمقراطى الناجم عن وجود أنشطة بعيدة عن إطار القانون.
«كيف تحلل الاستشراق اليوم؟و هل تؤيد رؤية «ادوارد سعيد» تجاة مفهوم الاستشراق أم يجب قراءة هذا المفهوم من جديد.. اى من وجهة نظر التاريخ، ؟
الحديث عن الاستشراق معناه التفكير فى وجود شرق وغرب. كان هذا الافتراض ليصبح صحيحا لو لم تكن الأرض كروية. الباحث الصينى الذى يستكمل دراسته حول المجتمع الأمريكى هل هو مستشرق واليابانى الذى يهتم بالعالم العربى هو هو مستغرب؟ كيف نقوم بالتالى بتصنيف شخص من جنوب أفريقيا متخصص فى المسرح الإليزابيثي؟ هل هو شمالي؟ لم يعد هناك شخص اليوم يستخدم مصطلح استشراق الذى يتفق مع فترة محدودة للغاية من التاريخ حيث كانت أوروبا الغربية تنطلق لغزو العالم محاولة فى الوقت نفسه وصفه. الأعمال ذات القيمة العظيمة لادوارد سعيد هى احتجاج على النظرة المشوهة للمجتمعات العربية التى يمنحها علم احتكره متخصصون خرجوا من الدول الاستعمارية. أن تقول إن المتخصصين اليوم ليسوا ضحية لأحكام مسبقة قديمة موروثة من فترات سابقة سيكون دون أدنى شك أمرا مبالغا فيه. لكن الطريقة الوحيدة لكى لا نقع ضحية لهذه الرؤية، الطريقة الوحيدة لتوضيح الحقيقة – بقدر ما الحقيقة موجودة بالفعل – ليس الاحتجاج على رؤية الآخرين، ليس أن ننكر عليهم حقهم فى الكتابة، لكن أن نحمل نحن أنفسنا القلم لنحلل مجتمعنا وتاريخه الخاص.
«ما هو رأيك فى مقولة «النهايات»: نهاية الاشتراكية، نهاية التاريخ، نهاية الديمقراطية، نهاية الدولة؟ ..وكيف ترى النظرية التى طرحها فرانسيس فوكوياما وآخرون حول انتصار وسيادة أيديولوجية معينة ؟ وهل تعتقد أنه يمكن الاكتفاء بعالم تسوده أيديولوجية واحدة، قوية ومنتصرة؟»
بفضل الله ليس هناك نهاية. تاريخ الإنسان تجديد دائم. كذلك المجتمعات، والثقافات، فى حالة تطور دائم ولا تتخذ مطلقا الشكل الذى كانت عليه فى لحظة معينة فى وجودها، بالطريقة نفسها تغير الأيديولوجيات بشكل دائم شكلها. أواخر القرن الماضى تميزت بفشل ذريع لأحد أشكال تنظيم المجتمع تعلن أنها وريثة كارل ماركس ولينين. هذا لا ينفى عن كارل ماركس مكانته تطور الفكر الإنساني. الأمر المؤكد أنه لن يكون هناك مطلقا عودة إلى أشكال من الماضي. الشيء الآخر المؤكد هو أن أحدا لا يمكنه أن يتكهن بالمستقبل. ليس هناك نهاية أخرى مكتوبة فى المغامرة الإنسانية غير كارثة تفنى وجوده.
«ظهور الأصولية كما نشهدها اليوم.. هل تمثل ردة نحو الماضى أم هى مرحلة جديدة من الحداثة؟»
ليس هناك مطلقا عودة إلى الماضي. هذا مستحيل مطلق. أبواب الماضى أغلقت بشكل نهائى ومن يدعون أنهم يعودون إليه بالتمسك بأسلافهم (أعتقد أنه فى العربية هذا يسمى سلف) لا يمكنهم أن يعيدوا إحياء ماض مثالي، كما يحدث فى السينما. كل ظاهرة جديدة هى جزء إذن من الحداثة، دون أن يتضمن ذلك حكما على القيمة. كل ما يعنيه هذا هو أن نعرف ما إذا كان هذا الشكل من الحداثة يفتح بابا للتطور الإنسانى أو أنه، على العكس، ينتهى إلى طريق مسدود.
«ما هي، من وجهة نظرك، أسباب فشل الحداثة فى كل محاولات فى العالم الثالث ..وما هى نتائج مثل هذا الفشل؟»
لا أوافق مطلقا على فكرة فشل الحداثة فى العالم الثالث وبالأحرى لم يعد هناك عالم ثالث، ما دام لم يعد هناك عالم ثان. إذا وضعنا فى الاعتبار وجهة النظر التاريخية، السؤال الأكبر هو معرفة السبب فى أنه، انطلاقا مما نطلق عليه النهضة – وهى ظاهرة بدأت مبكرا جدا فى ايطاليا، منذ القرن الرابع عشر، ومتأخرا أكثر فى غيرها – جزء من العالم بدأ ينطلق فكريا وماديا، يفكر بشكل أكثر حرية، يعيد النظر فى كل الأفكار الموروثة، يحاول ان يفهم العالم ويسيطر عليه، وهو ما منحته الثورة الصناعية فى نهاية القرن الثامن عشر القدرة على تحقيقه.
وحدها اليابان فى عصر مييجى نجحت فى مقاومة الاستعمار وأصبحت دولة حديثة وقوية. هل هذا معناه أن نقول إن الامبراطورية العثمانية، مصر وتونس فشلوا تماما؟ هذا تبسيط أكثر من اللازم للتاريخ. فعلى أنقاض الامبراطورية أمكن تشييد تركيا مستقلة تعوض تأخرها اليوم بخطى كبيرة. فيما يتعلق بمصر وتونس، فكلتا الدولتين لم تتمكنا من الفوز فى سباق السرعة الذى بدأتاه. لقد أفلتت منهما السيطرة على شكل الحداثة الذى امتلكتاه منذ أن جردا من استقلالهما فى الوقت نفسه تقريبا (1882: احتلال بريطانيا لمصر و1883 اتفاقيات المرسي، التى أفرغت اتفاقية باردو التى وقعها عام 1981 بك تونس وفرنسا من محتواها).
فشل الحداثة هذا ظاهرة تاريخية. إنها ليست ظاهرة معاصرة. اليوم كل الدول المنتمية إلى ما كان يسمى العالم الثالث انتزعت لنفسها هذه الحداثة، محققة فى بعض الحالات نتائج مبهرة.
« فى اطار التعددية الثقافية هل تعتقد أن قيمة الإسلام السياسى سوف تتعاظم ..وبالتحديد فى فرنسا؟»
فى فرنسا، من وجهة نظري، المشكلة ليست فى الإسلام السياسي. إذا كانت هناك مشكلة – وهناك مشكلة ولا يمكن أن ننكر ذلك – فإنها مشكلة مدرسة، نظام، بطالة. هناك أيضا مشكلة أمن عام له علاقة بمجموعات محدودة تعلن انتماءها للإسلام، مثل مجموعات فى ايطاليا والمانيا فى الثمانينات كانت تعلن انتماءها للماركسية لكى ترتكب نفس نوع الجرائم.فيما يتعلق بالعالم العربي، أعتقد أن الظهور المتطرف لمجموعات أو أحزاب تعلن انتماءها للإسلام السياسى لا يجب أن يمنعنا من رؤية واقع المجتمع الذى يخضع لحالة من التغيير العميق، وهو ما تظهره الثورات العربية، الثورات التى لم يحدث فى أى لحظة أن أشارت إلى الدين كمرجع لها. كما يقول المثل: الشجرة لا يجب أن تخفى غابة. لكن دون شك هل من الطبيعى أن يظل البصر مركزا على ظاهرة تجذب انتباهه منذ وقت بعيد، مما يحول دون رؤيته لواقع جديد يبرز وقريبا سوف يصبح سائدا. السؤال الحقيقى اليوم هو أن المجتمعات، فى كل مكان تقريبا، بما فى ذلك الدول الديمقراطية القديمة، تطلب حق الكلمة. وفى نظرى ما يهدد الحوار بين الأفراد وبين الثقافات الناجم عنه هو عدم التسامح والتعصب، هو الاعتقاد المطلق أننا أفضل من الآخرين وأننا وحدنا نمتلك الحقيقة. الحوار لا يمكنه أن يتحقق ما لم نعترف بفكرة أن الآخر يمكنه بدوره أن يمتلك جزءا من الحقيقة. من هم أنصار الإسلام السياسي؟ هل يعترفون بالحوار والديمقراطية؟ هل هم مستعدون لطرح معتقداتهم لموافقة الناخبين؟ هل يحاولون الاقناع أم يريدون فقط الفوز؟
«نرى جيدا أن غالبية الكنديين الناطقين بالفرنسية يؤيدون الحكم الذاتى لإقليم الكيبك، سكان كاتالونيا فى أسبانيا يساندون الحكم الذاتى للإقليم، كما يدعم أهالى ويلز فى انجلترا الحكم الذاتى لها. هل تعتقد أن إقامة كونفدرالية فى هذه المناطق من العالم من شأنه أن يقدم حلا لمشكلات الأقليات؟»
كل دولة فى أوروبا لها صفاتها الخاصة. وحدة كل منها هى نتيجة لتاريخها الخاص. فى فرنسا، التنوع الهائل بين أرض الشمال والجنوب، بين المملكة الغالية والألزاس الناطقة بالألمانية، تم محوه لصالح تحقيق مشروع مشترك، مشروع جمهورية علمانية وموحدة. هل هذا المشروع فى خطر اليوم، هل ما زال له مستقبل؟ لا شيء يكتسب للأبد والعقد الاجتماعى الذى يؤسس أمة يتجدد على الدوام. لدى ثقة فى مستقبل بلدي. أنا مقتنع أن سكانها سوف يستمرون فى رغبتهم فى العيش معا، الحلم معا، بناء مشروعات مشتركة مع البقاء منفتحين على الشعوب الأخرى فى أوروبا والعالم. هنا تكمن رؤيتى للوطنية. لست على دراية كبيرة بالوضع فى كندا، فى بريطانيا واسبانيا. أعرف ببساطة أنه فى الكيبك، لم تتمكن أية أغلبية حتى الآن من الاتحاد لصالح الاستقلال. فى سكوتلندا، يجرى الاستعداد لإجراء استفتاء، لكن استطلاعات الرأى تتوقع فشل أنصار الاستقلال. سوف نرى جميعا ما ستكون عليه النتيجة. تبقى حالة كتالونيا، المتحدة مع أسبانيا على امتداد تاريخ مشترك لا يقل عمره عن خمسمائة عام. لا أدرى كيف ستحل هذه المشكلة. القائمة يمكن أن تضاف إليها الحركة الفلمنكية. هل يجب أن نحطم إلى قطع صغيرة كيانات سياسية أقامها التاريخ؟ لكن يجب الانتباه: أين تتوقف هذه الحركة من مطالب الهوية؟ ألن نجد فى كتالونيا أقلية تطالب هى أيضا بحقها فى تقرير المصير؟ كل قرية، كل حى سيكون له الحق أن يفعل الشيء نفسه إذا سرنا على هذا المنطق. ألن يكون هناك تعارض فى الرغبة أولا فى فصل ما هو قائم لكى نوحد لاحقا كل شيء فى كيان أكبر، عالمى مثلا؟ هل سوف تجد الديمقراطية فيها مكانا؟
«هل تعتقد أن فرنسا سوف تتمكن بسهولة من حل المشكلات التى يفرضها عليها وجود أعداد كبيرة جدا من المسلمين على أراضيها من جانب؟ وتصاعد المشاعر المناهضة للإسلام «الاسلاموفوبيا» من جانب آخر؟»
لقد شيدت الجمهورية الفرنسية على المساواة بين كل المواطنين ووحدة الأمة. خلال مناقشات الجمعية الوطنية الأولى للثورة الفرنسية ترددت هذه الكلمات المشهورة التى تعتبر اليوم أيضا علامة على فلسفة دولتنا فيما يتعلق بالمواطنة: «يجب أن نرفض كل شيء لليهود كأمة ونمنح اليهود كل شيء كمواطنين. لا يجب أن يقيموا فى الدولة لا كيانا سياسيا ولا نظاما. يجب أن يكونوا مواطنين كل بمفرده». وبدلا من كلمة يهودى يمكن أن نكتب بوذي، مازدي، بهائى أو مسلم. ديانة المواطن لا تعنى الدولة فى شيء وليس للدولة من دور، فى هذا الشأن، غير أن تفرض احترام النظام العام. هذا الموقف حقيقى تماما حتى أنه فى عام 1905 قطعت آخر الصلات التى كانت تربط فرنسا بالكنيسة الكاثوليكية. الدين إذن مسألة فردية تنتمى لدائرة الحياة الخاصة. المنتخبون عن الأمة لا يستندون إلى التعاليم الدينية عندما يسنون القوانين، وهذه القوانين، ما أن يتم التصويت عليها، تطبق على الجميع.وبما أن الجمهورية لا تمنح أى وضع قانونى لا للإنتماءات الدينية ولا للإنتماءات العرقية، فمن المستحيل أن نقول كم يوجد من الكاثوليك أو من المسلمين أو البروتستانت أو اليهود فى فرنسا.
المسألة بالنسبة لى ذات طابع اجتماعي، تعليمى وسياسى أكبر بكثير من الدينى والحلول بالتالى هى أيضا سياسية، تعليمية وسياسية. الدين يستخدم غالبا كعلامة اجتماعية، وسيلة ليؤكد الإنسان اختلافه عن الآخرين. وكلما ازداد الوضع الاجتماعى فى حى ما صعوبة، زادت التوترات فيه وكلما زادت محاولات التغلب على الجار المباشر باسم الشعارات المستفزة. إسلام مخطط يواجه مشاعر أولية معادية للإسلام على خلفية البطالة وسوء الظروف الاجتماعية التى هى الوقود المعتاد لكل عنصرية. هل تستطيع فرنسا حل المشكلة؟ نعم إذا وثقت فى نفسها، فى امكاناتها وفى مستقبلها.
«الربيع العربى أحدث تغييرات مختلفة فى العالم العربي. ما هو فى رأيك تأثير هذه التغييرات على العلاقات بين العالم العربى والغرب؟»
الربيع العربي، كما أطلقت عليه وسائل الإعلام، حتى لو كان قد حدث فى قلب الشتاء، هو أحداث جسام ما أبعدنا حتى الآن عن قياس كامل تأثيراته. العالم العربى يعود للظهور بشكل مأساوى على الساحة العالمية بعد خمسة قرون من التاريخ، وقد عاش بعد انهيار الامبراطورية العثمانية عام 1923 بين واقع يقوم على الاغتراب والقهر يبعث على اليأس وايديولوجيات رومانسية وغير فعالة فى الوقت نفسه. الثورات العربية فى شتاء 2011 هى نقطة بداية نهضة عاش العرب ينتظرونها لمدة قرنين من الزمان وهم محبطون. الثوار الشباب التونسيون والمصريون لم يطلبوا إحياء «أمة عربية لها مهمة خالدة» لم يسعوا إلى العالمية، لقد صرخوا بملايين الأصوات: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية». خبز، مثلما حدث عام 1789، خبز لا يمكن للحياة أن توجد بدونه، حرية الحياة بدونها ليست سوى عبودية وعدالة اجتماعية بدونها الحرية ليست أكثر من غابة تخضع لقانون الأقوي. بهذه الشعارات الشديدة التفاؤل والواقعية فى آن واحد، دخل الشباب المصرى والتونسى إلى الحداثة. معركتهم لم تنته بعد. سوف تكون هناك بالتأكيد احباطات، معوقات، تراجعات إلى الخلف لكن تكون هناك عودة لحالة البداية. بالنسبة لأوروبا، البعث العربى عنصر شديد الإيجابية. أوروبا والعالم العربى هما الجزءان المنفصلان اصطناعيا لنفس الواقع الجغرافي، واقع مركزه هو حوض البحر المتوسط. هذان الجزءان فى حالة أحدهما إلى الآخر لكى يواجها معا تحديات العولمة. العالم العربى المتحرر من قمعه وأوروبا المتحررة من أفكارها المسبقة يمكنهما أن توجد كمركز ثقل للتوازنات الكبرى فى العالم.
بصفتكم رئيسا لمعهد العالم العربى بباريس ماذا عن التقارب بين الفرانكفونية والعربية؟
هناك جانبا ثقافيا تعتبر الفرانكفونية قريبة منه بشكل خاص وهو الانتماء للغة العربية. بحكم التاريخ والوضع الجغرافي، فإن فرنسا على صلة وثيقة بالدول المطلة على البحر المتوسط. هذه العلاقة اتخذت أشكالا متباينة. وتأثرت بشكل خاص خلال القرنين الماضيين بتجربة الاستعمار. أيا كانت الصلات الوثيقة التى نجمت عنه. أربع دول أعضاء فى جامعة الدول العربية ينتمون أيضا إلى الفرانكفونية: وهى المغرب، تونس، مصر ولبنان. فى دول المغرب ولبنان تستخدم الفرنسية بشكل يومي. فى فرنسا لغتنا المشتركة تشارك بقدر كبير فى تشكيل النخبة. ومع ذلك إذا كانت اللغة الانجليزية تملك الأولوية، فإن الفرنسية تأتى تاليا، متقدمة بكثير على اللغات الأخري. هذه المعرفة بلغة مشتركة ييسر كثيرا الحوار. ومع ذلك فهو حوار غير متكافيء نظرا لأن معرفة اللغة العربية ليست منتشرة فى فرنسا كما يجب أن تكون إذا كنا نأخذ فى الاعتبار القرب الجغرافى والتاريخى وحقيقة أن عدة ملايين من الفرنسيين أصولهم من دول عربية. من جانب أشعر بالأسف لهذا التفاوت وأعتزم، بصفتى رئيسا لمعهد العالم العربي، أن أكافح لأعالج المسألة.

جاك لانج : ليس هناك مطلقا عودة إلى الماضي. هذا مستحيل مطلق. أبواب الماضى أغلقت بشكل نهائى ومن يدعون أنهم يعودون إليه بالتمسك بأسلافهم (أعتقد أنه فى العربية هذا يسمى سلف) لا يمكنهم أن يعيدوا إحياء ماض مثالي، كما يحدث فى السينما. كل ظاهرة جديدة هى جزء إذن من الحداثة، دون أن يتضمن ذلك حكما على القيمة. كل ما يعنيه هذا هو أن نعرف ما إذا كان هذا الشكل من الحداثة يفتح بابا للتطور الإنسانى أو أنه، على العكس، ينتهى إلى طريق مسدود.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.