سامى شرف هو «حدوتة مصرية» لقصة رجل التقى الزعيم جمال عبد الناصر منذ الأيام الأولى لثورة يوليو 52 فآمن بأفكاره وزعامته وأصبح رفيق عمره فأحب من أحبهم عبد الناصر واختلف مع من خاصموه أيضاً حتى توفاه الله فى 28 سبتمبر 1970 .. وكرس سامى شرف عمره فى خدمة أهداف القائد والزعيم. وشاء حظى أن ألتقى سامى شرف غداة لقائى الرئيس جمال عبد الناصر فى فبراير 67 بصحبة المفكر جان بول سارتر والكاتبة سيمون دى بوفوار واليهودى رئيس تحرير مجلة الأزمنة الحديثة الذى كان بجانب ثوار الجزائر فى نضالهم من أجل الاستقلال، وبعد انتهاء اللقاء أخذنى الرئيس عبد الناصر إلى لقاء منفرد بمكتب مجاور ليعرف لماذا اعتبرتنى بعض الأجهزة الأمنية طالباً مشاغباً من 58 إلى 66 ولماذا رفضت التعاون. صارحته بأن هذه الأجهزة لم تطلب منى التعاون ولكن أن أكون «مخبراً» يعطى لهم أخبار الطلاب المصريين بالحى اللاتيني، وابتسم عندما قلت له لقد اعتقدت وقتها أننى أستطيع أن أعمل أشياء أهم وأفضل من أن أكون «مخبرا»..!! وختم كلماته بتوجيه واضح: «من الآن فصاعداً ستكون قناة الاتصال بيننا من خلال السيد سامى شرف..»، ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا تولدت علاقة قوية ومتميزة بينى وبين هذه الشخصية الوطنية والمخلصة والجريئة: السيد سامى شرف..». أريد أن أقتبس من كتابه «سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر» بعض مقتطفات لرجل يعرف كيف يسجل المعلومات, التى هى اليوم جزء من تاريخ قصة تأميم قناة السويس يقدمها هدية لشباب مصر حتى لا ينسوا معارك مصر. يكتب سامى شرف عن مكاسب شركة قنال السويس فيقول: ((وصل دخل القناة إلى 35 مليون دولار فى عام 1955، وكان نصيب مصر منها مليون جنيه فقط، وكان موعد انتهاء امتياز الشركة الفرنسية يحين فى عام 1968 لتعود ملكيتها بعد هذا التاريخ إلى مصر، ولقد استوعبت قيادة الثورة هذه الحقائق منذ البداية، وبدأت بالفعل فى العمل على تعديلها ابتداء من عام 1953 لترتيب أوضاع ما بعد 1968»، ثم يبدأ فى الكلام عن الإعداد والتنظيم واختيار مجموعة عمل مشرفة درست الموقف وأعدت الدراسة أمام القيادة السياسية قبل تأميم القناة وكيف سيتذكر الشباب اسم محمود يونس المهندس الأكبر لتنفيذ مشروع تأميم القناة، واسم عمالقة القانون وقتها د. مصطفى الحفناوي، ود. حلمى بهجت بدوي، والمحترم العزيز محمد على الغتيت. واستطرد السيد سامى شرف : « وفى مارس 1956 عندما كان وزير الخارجية البريطانى سلوين لويد يزور القاهرة وتطرق الحديث إلى قناة السويس، أشار إلى أن بلاده تعتبرها جزءاً من مجتمع البترول فى الشرق الأوسط، فرد عليه الرئيس جمال عبد الناصر بأن الدول العربية تتقاضى 50% من أرباح البترول بينما تتقاضى مصر فقط 5% من أرباح القناة وأن المفروض أن تعامل مصر معاملة الدول المنتجة للبترول»، وأضاف سامى شرف أنه: ((فى التاسع عشر من يوليو 1956 كنا فى طريق عودتنا من يوغسلافيا ومعنا زعيم الهند نهرو -الذى كان مقررا أن يقوم بزيارة رسمية للقاهرة لمدة ثلاثة أيام- وبعد تلقينا خبر قرار الولاياتالمتحدة بسحب عرض تمويل مشروع السد العالي، علق نهرو على رغبة عبد الناصر فى تأميم القناة قائلاً: «إن الدول الصغيرة يجب أن تعطى المثل للدول الكبيرة حتى تمنعها من التمادى فى شئونها وتبرز قدرتها على الرد.. ولكن هذا القرار يعنى الحرب.. فهل أنتم مستعدون؟ على العموم نحن تحت أمركم، واعتبرونا معكم فى أى معركة ستواجهها مصر»، (...) وفى الصباح طلب الرئيس تجميع كل الدراسات التى سبق إعدادها على أن نجتمع مع على صبرى لوضع التوصيات التى يمكن بحثها إذا ما أجبرنا على اتخاذ إجراءات تتعلق بإدارة قناة السويس، ولم يطرح الرئيس هذه المرة كلمة «تأميم». بدأنا مناقشاتنا، وتحمس اثنان من الحاضرين هما مصطفى الحفناوى ومحمد على الغتيت لاتخاذ قرار لفرض السيطرة المصرية الكاملة على شركة قناة السويس». واستكمل شرف قصة التأميم: «ففى يوم 24 يوليو 1956 استدعى الرئيس جمال عبد الناصر القائم-مقام مهندس محمود يونس من سلاح المهندسين إلى مكتبه بمبنى رئاسة مجلس الوزراء وأبلغه للمرة الأولى بالنية لإعلان قرار تأميم شركة قناة السويس فى خطابه الذى سيلقيه بالإسكندرية بمناسبة عيد الثورة يوم 26 يوليو 1956.(...) وفى صباح يوم 25 يوليو 1956 عاد محمود يونس لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر وعرض عليه الخطوط العريضة لخطته، وأبلغه الرئيس بأن كلمة السر هى «دى ليسيبس». وأن عليه عند سماعه هذه الكلمة أثناء إلقائه خطابه بالإسكندرية أن يتحرك فوراً لتنفيذ مهمته على جميع المحاور». وفى 22 أغسطس انتهى مؤتمر لندن بالموافقة على إرسال بعثة للقاهرة برئاسة روبرت منزيس رئيس وزراء استراليا المعروف بالجرأة والميل إلى التطاول, وحين طالب عبدالناصر بالعودة عن قرار التأميم وقبول الإشراف الدولى وألا تنفرد مصر بإدارة قناة السويس، قاطعه الرئيس قائلاً: «انت الآن فى أرض مصرية وده مرفق مصري، ودى إدارة مصرية، وستظل مصرية، ولن نحيد عنها ولن نغير القرار». ويستمر سامى شرف فى وضع المعلومات التاريخية أمام القارئ: ((بدأت بعد ذلك عملية الاستقالات من جانب المرشدين الأجانب من شركة قناة السويس وكان البديل جاهزا، ففى يوم 10 سبتمبر 1956 تم تعيين 46 مرشداً منهم 28 أجنبياً من جنسيات مختلفة, لكن أغلبهم من اليونانيين والقبارصة واليوغوسلاف والباقى مصريون. (...)، وفى 11 سبتمبر 1956 اقترحت الولاياتالمتحدةالأمريكية الدعوة إلى عقد مؤتمر جديد لبحث نظم وأساليب عمل «ناد» للمنتفعين، وفى 13 سبتمبر 1956 أعلن أنتونى إيدن فى مجلس العموم البريطانى أن الحكومة البريطانية بالاتفاق مع حكومتى الولاياتالمتحدة وفرنسا قد قررت إنشاء هيئة مؤقتة للمنتفعين بقناة السويس، وفى اليوم التالى أعلنت الخارجية البريطانية الدعوة لعقد مؤتمر ثان فى لندن اعتبارا من 19 سبتمبر 1956 لبحث إنشاء الهيئة المقترحة. وردت مصر على هذا الإجراء فى رسالة سلمها السفير أحمد حسين لوزير الخارجية الأمريكى جون فوستر دالاس تؤكد فيها مصر أن تنفيذ هذه الخطة معناه الحرب.. بينما أعلن الاتحاد السوفيتى أنه سوف يستخدم حق الفيتو ضد أى محاولة تهدف إلى دفع الأممالمتحدة للقيام بعمل ضد مصر)). ويواصل سامى شرف شرح الموقف الدولى قائلاً: ((إن وزيرى خارجية بريطانيا وفرنسا عادا من جديد فى 29 أكتوبر 1956 ليؤكدا إصرارهما فى مناقشات مجلس الأمن على عرض مطالب لا يمكن لمصر قبولها. وقد وضح أن العملية كلها تسير فى طريق التسويف وكسب الوقت، فقد كانت كل المؤشرات تؤكد أن العدوان المسلح أصبح وشيكاً، وأن الجهود السياسية لا تعدو أن تكون مناورات ومحاولات للخداع والتمويه)). أتمنى أن يكون فى نموذج ما ذكره السيد سامى شرف عن تأميم قناة السويس ما يغنى ذاكرة شبابنا بالصفحات المشرقة من تاريخ مصر، وأن ندعو معا لرفيق درب عبد الناصر بالصحة وطول العمر. الكتاب سنوات وأيام مع عبد الناصر المؤلف: سامى شرف الناشر : المكتب المصرى الحديث الصفحات: 288 صفحة