تعد منطقة المناصرة الواقعة بقلب القاهرة القديمة نموذجا واضحا للإهمال في الحفاظ علي التراث الحضاري والتناقض الذي أصبح سمة مميزة لمعظم مناطق التراث العمراني في مصر. فهذا الحي العريق يمتد تاريخه إلي القاهرة الفاطمية ويعتبر شاهدا علي نماذج المدن الإسلامية القديمة ويعود تاريخ إنشائه إلي عام971 ميلادي وأكتسب اسمه نسبة إلي الخليفة المنصور بالله والد المعز لدين الله الفاطمي, وبدلا من أن تمتد إليه يد الرعاية والاهتمام تحول إلي ورشة كبيرة لصنع الأثاث, وتحولت دروبه وحوارية الضيقة المعبدة بالبلاط القديم إلي معارض عشوائية للموبيليا, واختفت أو كادت ملامح العمارة القديمة وتحول ما تصدع منها أو سقط إلي نماذج شائهة لبيوت عشوائية تحتوي داخلها علي ورش للدوكو والدهانات وآلات النجارة وأطنان من بقايا الأخشاب, وكافة الملوثات في حين أنها كان من الممكن أن تعد متحفا تاريخيا وسياحيا جذابا لو وجدت من يهتم بها يدر علي مصر دخلاي كبيرا ويضيف إلي تراثها الحضاري مكانا فريدا. خاصة وأنها امتداد طبيعي لمناطق خان الخليلي والموسكي والغوري والحي القديم بالسيدة زينب, بل والأغرب أن المناصرة بوضعها الراهن تعد قنبلة داخل القاهرة لانعدام وسائل الدفاع المدني في حالة حدوث حريق فيها, فبها كل المواد القابلة للاشتعال من الأخشاب وبويات ومخلفات وغيرها, كما أن دروبها الضيقة وكأنها متاهة محكمة لا تسمح بدخول سيارات الحريق أو وسائل النجدة, وتحول الحي العريق والكنز الحضاري إلي مكان مثير للقلق وساحة كبيرة للتلوث بالقاهرة يضم آلاف العمال ومئات الورش العشوائية التي تفرش كل شبر من طرقها. وسكان المناصرة من أهل كار الموبيليا غير سعداء كما يتصور البعض, فهم ضجوا من الزحام وضيق المكان الذي يمنعهم من تطوير صناعته وتجارتهم, يقول الأسطي محمود محمد الشهير ب بهلول: أعمل بالمناصرة منذ50 عاما, المكان أصبح ضيقا وإختلفت ظروفه كثيرا عن الماضي, ووعدتنا محافظة القاهرة منذ8 سنوات بنقلنا إلي القطامية ولكن ذلك الوعد لم ينفذ, وحتي إذا تم تنفيذه فسيكون مقصورا علي الورش الحاصلة علي ترخيص وأغلب الورش هنا تعمل بلا ترخيص, كما أن أغلبنا يعاني من التلوث لأن ورش الدهانات تعمل بالنظام القديم وهو مسدس الرش الذي يسمح بتطاير الرائحة الكريهة والمواد الكيماوية المسببة للأمراض الخطيرة منها السرطان, بينما لا يسمح ضيق المساحة من التوسع في النظام الحديث وهو عبارة عن غرف الرش المغلقة. ويضيف الحاج خال الشيخ الشهير ب بلبل صاحب أحد المعارض: أقيم بالمناصرة منذ40 عاما وقد ورثت المهنة عن الأجداد, وأطالب محافظة القاهرة بتنفيذ وعدها بنقلنا إلي القطامية لأن ذلك سيساعدنا علي سهولة الإنتقال من وإلي أي مكان بالقاهرة وييسر لنا نقل البضائع ووصول الزبائن إلينا, ويمكن للمحافظة أن تستفيد بجعل هذه المنطقة سياحية, ومن أجل التخفيف من حدة الزحام المروري بوسط القاهرة, بينما يطالب الحاج علي حمامة صاحب معرض بخان الخليلي بتطوير وتجميل منطقة المناصرة مع الإبقاء علي الحرف التقليدية بها للجذب السياحي, وإعادة ترميم المباني وإعادتها إلي حالتها الأصلية ورصف الدروب بالأحجار وتخصيصها للمشاة فقط وتوسيع الشوارع الرئيسية تسهيلا لوصول الدفاع المدني إليها. وعن حي المناصرة تقول الدكتورة سهير موسي الخبيرة بجهاز التنسيق الحضاري: إنه يعد أحد المناطق التاريخية المميزة ويقوم الجهاز بوضع الضوابط للحفاظ علي هذه المناطق ويصدر بها قرار من المجلس الأعلي للتخطيط والتنمية العمرانية وتلتزم بها الجهات المختصة عند قيامها يأي أعمال بهذه المناطق, ولا يجوز إقامة أو تبديل أو تعلية أو ترميم أي مباني بها بشكل مخالف, أو وضع أي إشغالات مؤقتة أو دائمة أو تحريك أو نقل عناصر معمارية أو منحوتات أو وحدات زخرفية, وعلي هذا الأساس فكل ما يجري بالمناصرة من عمل ورش للدوكو أو إقامة ورش بالأدوار العليا أو فرش المعروضات بالحواري الضيقة مخالف للقانون, ومحافظة القاهرة ملزمة قانونا بإزالة هذه المخلفات.