مفهوم العطاء أو التبرع داخل الولاياتالمتحدة أو فى أى دولة من دول العالم هو بلا شك وبشكل عام «ثقافة» ومفهوم مجتمعى تقدره الدولة وتتيح له «مناخا مناسبا» يحميه وتحافظ عليه بالتشريعات والقوانين، بالإضافة الى وجود مكاشفة و«عمليات عطاء معلن عنها ومسجلة» يعتز بها كل من لديه الشعور ب »المسئولية الاجتماعية» ولديه الرغبة والاستعداد لتخفيف أعباء المجتمع، وأيضا الإسهام مع الدولة فى حمل تلك الأعباء. وتقدر بعض الجهات المعنية بالعطاء فى أمريكا بأن حجمه فى عام 2013 قد وصل الى نحو 400 مليار دولار، وأن الأفراد والأسر مازال لهم النصيب الأكبر من التبرعات والإسهامات المالية وغيرها، كما أن المشروعات الخيرية والصحية والتعليمية مازالت لها الأولوية فى هذا العطاء الأمريكي. من جهة أخري، يرى المهتمون بهذا الملف بأنه مادام مبدأ «المشاركة المجتمعية» قائما وتم تبنيه، فلابد أن يتم تم وضع قواعد للعبة وآليات تحقيق هذا المبدأ، فإن الحكومة وأجهزة الدولة ومعها التشريعات القائمة والمستحدثة تعمل على تيسير مبادرات العطاء أو الإسهام، وعدم وضع عراقيل بيروقراطية «مفاجئة» أمامها.ويرى خبراء الاقتصاد والتشريع أن الأمر أكثر وأكبر من «الاعفاء الضريبي» وبعض التسهيلات الأخرى التى تمنح لرجال الأعمال، فالمطلوب هو زيادة وعى الناس سواء كانوا مساهمين أو مستفيدين من هذه الإسهامات. وأيضا توسيع دائرة المساهمين والمشاركين وتعميق دائرة إسهامهم ومشاركتهم.والأهم أن تقوم الدولة بكل هذه المهام ولديها الوعى والادراك بأن هذا الأمر فى نهاية المطاف فى مصلحتها ويزيد من رصيدها واحترامها ومصداقيتها لدى الشعب ولدى المجتمع الدولي. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن تجاهل الدور البارز الذى يلعبه مارك زوكربيرج رئيس مجلس إدارة «فيسبوك» وزوجته طبيبة الأطفال بيرسيلا تشان فى دعم المجتمعات الفقيرة، فقد تصدر اسماهما عناوين الأخبار خلال الأيام الماضية، بمجرد إعلانهما التبرع ب120 مليون دولار لمصلحة المدارس العامة والفقيرة فى منطقة «باى أريا» القريبة من مقر «فيسبوك» فى سان فرانسيسكو، حيث أكد رجل الأعمال الشاب أنه لا يمكن أن يكون مقر الإبداع والابتكار فى الولاياتالمتحدة والعالم موطنا لمدارس فقيرة لا تجد التمويل اللازم لدعم أبنائها. ولم يكن هذا هو العمل المجتمعى الأول لزوكربيرج، حيث إنه تبرع قبل أربع سنوات ب100 مليون دولار لمصلحة مدارس نيوآرك بولاية نيو أورليانز الأمريكية، واحتل المركز الأول وعن جدارة كرئيس أهم شركة تساعد فى دعم المجتمع لدى تبرعه ب 1،5 مليار دولار لدعم الصندوق الاجتماعى لوادى السيليكون للتكنولوجيا العام الماضي، لتفوز شركته بلقب أكبر متبرع فى 2013. ويعتبر زوكربيرج وزوجته بصفة عامة أن التعليم من أهم الأوجه التى تستحق الاستثمار فيها، مؤكدا أن هذا هو السبيل الأمثل لإيجاد حياة أفضل للجميع. ويحتل مؤسس «فيسبوك» المركز ال21 على قائمة أغنى أغنياء العالم، بثروة تقدر بنحو 28 مليار دولار، ويعتبر أصغر عضو فى حملة «عهد بالعطاء» وهى بمثابة تعهد بالتبرع ب 50% من ثروته أو أكثر. أما بيل جيتس مؤسس «مايكروسوفت»، وهو الأكثر عطاء إسهاما فى مشروعات الانسانية والخيرية فى العالم، يواصل إسهاماته بمليارات من الدولارات سنويا (74 مليارا فى عام 2012)، وقد كان خلال شهر أبريل الماضى فى زيارة لكل من اندونيسيا وفيتنام، واستطاع خلالها اقناع أصحاب أموال وأعمال فى البلدين بالمشاركة فى مشروعات تطوير الرعاية الصحية فى كلا البلدين. وبما أن «مسئولية المشاركة أو الإسهام» هى القضية المطروحة دائما وأبدا، فإن من خلال حواراتى وحضورى لعشرات من الندوات والمحاضرات ناقشت ملفات هذا الأمر الحيوي، ويمكن إضافة لما ذكر من قبل قول التالي: من الأفضل ألا يعنى الإسهام اعطاء الأموال للجهات المعنية مع اعطائهم مطلق الحرية فى التصرف بها، بل وضع معايير (ولا أقول ضوابط) لاستخدام هذه الأموال بحيث تستخدم وتستثمر فيما يأتى فى النهاية بما هو مطلوب ومنتظر من أموال التبرع والعطاء. ثم يأتى أيضا دور وسائل الاعلام خاصة تلك المؤسسات التى تحظى بمصداقية ولها تأثير ونفوذ لدى الرأى العام، فعليها أن تتبنى مثل هذه المبادرات فى اطار «مسئوليتها الاجتماعية»وتقوم بابراز أهداف تلك المبادرات وحث الرأى العام على الإسهام والمشاركة فى دعم تلك الأهداف. فالقضية ليست الإسهام المالى بقدر ما هى الفكرة المطروحة وأهمية وجودها على الساحة ثم الاهتمام بمعرفة تأثيرها على القطاع المستهدف والمستفيد من البشر، ولكن يجب التذكير أن دور الاعلام لا يقتصر على الترحيب بهذه المبادرات والاسهامات، وأحيانا «التطبيل لها»، وانما أن يكون له دور أيضا فى مراقبة المبادرة ومحاسبة صاحب العطاء ومتابعة « إلى أين ذهبت هذه الأموال؟».