سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مسعود أحمد مسئول صندوق النقد الدولى بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا ل «الأهرام»:المؤشرات الاقتصادية فى مصر تقدمت فى الشهور الأخيرة .. نرحب بالتفاوض على القروض فى أى وقت تراه الحكومة
تحاول مؤسسات دولية كبرى تبييض وجهها أمام الرأى العام العالمى بعد سنوات من الإضراب المالى والثورات الشعبية من الأزمة المالية التى ضربت إقتصاديات كبرى وكادت تهدد بموجة كساد عالمى إلى ثورات الربيع العربى التى تحمل فى طياتها صورة للتفاوت فى توزيع الثروة وغياب العدالة الإجتماعية فيما تلقى الشعوب باللوم على المؤسسات الدولية لدعمها سياسات تعمق سيطرة أقلية على الإقتصاد وتزيد من عبء المسئولية والتكاليف على الفقراء والطبقات المتوسطة ورغم عدم تقبل أو تحفظ الكثيرين على سياسات الصندوق إلا أن وضعه فى النظام المالى الدولى يضعه فى موقف قوى حتى لو إختلفت معه.. فى سبيل فهم ما يجرى عقد صندوق النقد الدولى مؤتمرا موسعا فى العاصمة الأردنيةعمان حضره 200 من أبرز النخب السياسية والإقتصادية والمالية ومنظمات مدنية ووجوه شابة من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بغية رسم تصورات جديدة عن كيفية المساهمة فى الإصلاحات الدائرة فى تلك المنطقة المضطربة.. وقد إلتقت «الأهرام» بالسيد مسعود أحمد مسئول الشرق الأوسط فى الصندوق للتعرف على أخر التطورات فى العلاقة مع مصر بعد ثلاث سنوات من الشد والجذب ومدى تداخل المؤسسة الدولية فى الأوضاع الاقتصادية والسياسية فى الدول التى تمر بمراحل تحول بالمنطقة. فإلى نص الحوار :
قالت مديرة الصندوق كريستين لاجارد أن هناك ضرورة للتحرك فى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أجل توفير فرص عمل للشباب وتحقيقا للعدالة والمساواة فى الدول التى تمر بمراحل تحول مثلما هو الوضع فى مصر وتونس وليبيا وغيرها من دول المنطقة. ألا ترى معى أن تلك العناوين العريضة هى مجرد شعارات مكررة؟! أعتقد أننا نحاول أن نكمل ما بدأته بعض الدول من خلال إهتمام جاد للتحرك فعليا فى إتجاه النمو والمساواة وخلق فرص عمل والشهور الثمانية عشر الأخيرة -حسب دراستنا وأرقامنا- تقول أن هناك تحسنا فى الإتجاه السابق، على الرغم من أن مستويات الإنفاق قد إرتفعت وتراجع حجم الإستثمارات وتقليل الإستثمار فى قطاعات عديدة من أجل توجيه التمويل للأجور والدعم السلعى وبنود أخري. العام الحالي، وربما للمرة الأولي، نرى الإستثمارات تصعد من جديد خاصة فى المغرب والأردنوتونس وهى قامت بتلك الخطوة من خلال توجيه جزء من الإنفاق العام وترشيد الدعم الكبير للسلع الأساسية. فى الحالات التقليدية السابقة للتعامل مع تلك الأزمات، قامت الحكومات بزيادة التحويلات النقدية إلى الأسر الفقيرة وبالتالى تقليل الدعم على السلع وهو ما قامت به الأردن فى فترات سابقة، وبالمثل أقدمت المغرب على خطوات مختلفة للتعامل مع الأمر. والسؤال المطروح من الجميع اليوم هو هل من الممكن القيام بإصلاح نظام الدعم فى ظل المناخ الحالى والإجابة التى أقدمها دائما هى «نعم» وهناك امثلة فى تونس والمغرب والأردن. ما هو تقييم المؤسسة الدولية اليوم لما يسمى ب «شبكات الضمان الإجتماعي» خاصة أن مؤتمركم الأخير ربما يريد أن يدعم فكرة البعد الإجتماعى فى سياستكم وتقديم وجه أكثر إنسانية بدلا من أحاديث الأرقام وتقديرات الخبراء للمناحى السياسية والاقتصادية؟ صندوق النقد الدولى لفترة طويلة يعتقد أن الحلول المثلى لقضايا مثل دعم الطاقة لابد أن تكون «متدرجة» وليست فجائية، والخلل الذى ساد ثلاثين عاما فى بلد مثل مصر لا يمكن اصلاحه فى ثلاثة شهور فقط ولكنه يحتاج إلى فترة زمنية معقولة..ولكن يجب أن تكون هناك نقطة بداية حقيقية للتدرج المطلوب وبناء على تصميم محكم يحمى الفقراء وهو ما يعنى تفعيل شبكات الضمان الاجتماعى وشرح ما يجرى للرأى العام وأن يتفهم الناس المنطق من وراء الإجراءات التى سوف تطبق على أن تلعب وسائل الإعلام دورا فى توضيح السياسات للجمهور فى كل خطوة تقدم عليها الحكومة.. هل لديكم صورة واضحة عن الأوضاع فى مصر اليوم، ولا أقصد هنا فقط مجرد التدخل بتقديم قروض لمساندة الوضع القائم ولكن من حيث تقييم الخبراء للوضع الإقتصادى بشكل عام؟ الحكومة المصرية نفسها هى التى شرحت الحالة التى تعالجها اليوم، والمسئولون يتحدثون عن التكلفة العالية للدعم السلعى بشكل مفتوح فضلا عن تعاملهم مع عجز الموازنة العامة والذى يمكن أن يرتفع حسب تصريحات أخيرة قرأتها لوزير المالية المصرى هانى قدرى إلى 14 % فى موازنة العام المقبل فى مقابل 11.5 % فى السنة المالية الحالية. كما أشير إلى تصريحات الوزير المصرى عن ضرورة التعامل السريع مع عجز الموازنة وفى مصر، مثل أى بلد آخر، يجب أن تكون عملية خفض العجز بشكل «متدرج» وليس بين ليلة وضحاها مثلما يظن البعض.. أعتقد أن الحكومة المصرية قامت ب «عملية تحليل جيدة» لقضايا الوضع المالى وعندما ستبدأ فى تطبيق الحلول ستكون البداية أكثر مرونة ويسر.. هل مازال الفريق الفنى التابع للصندوق موجودا فى القاهرة؟ نعم، الفريق الفنى كان موجودا فى مصر قبل أسابيع قليلة وهو يعمل مع الحكومة فى عدد من المناطق المهمة، وعلى سبيل المثال ساعد الفريق الأخير من الخبراء الحكومة المصرية، بناء على طلبها، فى مسائل متعلقة بضريبة القيمة المضافة، وساعدنا من قبل فى الجوانب الإحصائية. ما هو توقعكم لنتائج عمل فرق الخبراء الفنيين وتأثيره على العلاقة بين المؤسسة الدولية ومصر؟ فريق الخبراء يقدم مشورات ونصائح حول كيفية تعامل الدول الأخرى مع مشكلات مماثلة، والقرارات تعود إلى السلطات المصرية فى نهاية الأمر.. هل حدث تغير فى العلاقات مع مصر بعد ثورة 30 يونيو الماضي؟ الموقف الواضح لإدارة الصندوق ومديره العام وهو ما عبرنا عنه مرارا أن مصر دولة مهمة بالنسبة لصندوق النقد الدولى ودولة محورية فى الشرق الأوسط، ونحن على استعداد اليوم لتقديم الدعم المطلوب سواء كان الدعم الفنى الحالى أو تقديم مساعدات مالية للحكومة المصرية، عندما تكون الحكومة جاهزة ببرنامج إقتصادي، وقد كانت اللقاءات الأخيرة مع المسئولين المصريين صريحة وجيدة خاصة اللقاءات التى جرت أثناء زيارة وزير المالية لحضور الإجتماعات السنوية أخيرا وطلب المسئولون المصريون من الصندوق المساعدة الفنية فى عدد من المجالات الأخرى وتطرقنا إلى المساعدات المالية الممكن تقديمها والتى قال وزير المالية إنه من الأفضل الإنتظار بعض الوقت قبل الحصول عليها، خاصة وأن المساعدات التى وفرتها دول الخليج شكلت دعما مهما وجيدا لمصر فى الشهور الأخيرة.. هل سيكون صندوق النقد مستعدا لتقديم قروض جديدة وربما زيادة قيمة القرض فى المستقبل؟ لا يوجد ما يمنع من تقديم المساعدات المالية إلى مصر وسيتوقف الأمر على ما سوف تطلبه الحكومة المصرية.. ويمكن أن يكون الرقم المطلوب هو نفسه ال 4.8 مليار دولار التى طلبتها مصر فى السابق ويمكن أن يكون اكثر .. فقد سبق أن رفعت الحكومة المصرية قيمة القرض المطلوب قبل عامين من 3.6 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار بناء على دراسات الجدوي.. فلا توجد قيمة ثابتة أو محددة ونحن ننظر إلى الإحتياجات المالية للدول وهى أموال سوف يستردها الصندوق بعد خمس سنوات وليست منحا لا ترد.. وبالمنطق لا توجد دولة تريد أن تقترض أموالا لا تحتاجها ولكن يجب أن يكون هناك برنامج تتوافر الأموال اللازمة لتمويله وهو ما نقوم ببحثه فى حينه.. ... وربما يكون هدف القرض هو بث جرعة من الثقة فى الاقتصاد المصرى فى أسواق التمويل الدولية؟ أعتقد أن المؤشرات المالية فى مصر قد تحسنت كثيرا فى الشهور الأخيرة بعد التقدم فى خريطة المستقبل وعملية الإنتقال السياسى التى توفر مزيدا من الإستقرار وبالقطع لعبت مساعدات دول الخليج دورا مهما فى تحسين الصورة.. وفى كل الدول التى يعمل معها الصندوق توفر بالفعل العلاقة مع الصندوق قدرا من الثقة فى الأسواق المالية العالمية التى تتواصل معها الدول للحصول على تمويلات مطلوبة وفى أغلب الحالات يكون قرض الصندوق بمثابة «خاتم الموافقة» على مزيد من التمويل من مؤسسات أخري.. وهذا لا يمنع أن هناك دولا تذهب مباشرة للأسواق الدولية طلبا لتمويلات والتعامل مع الصندوق ليس شرطاًوحيدا للحصول على تمويلات معتبرة من الأسواق المالية الكبري.. ما هى التطورات الأكثر إزعاجا فى مسار الأحداث فى دول التحول الديمقراطى او دول الربيع العربى فى السنوات الثلاث الماضية؟ إرتفاع أرقام البطالة فى دول الربيع العربى من التطورات السلبية التى تحتاج إلى تدخل سريع، وقد كانت معدلات البطالة مرتفعة بالفعل وهو مازاد من الضغوط على الحكومات.. وهى ضغوط تدفعنا الى تنظيم مؤتمرات إقليمية نتبادل فيها الأفكار والخبرات.. إقتصاديات المنطقة تحتاج إلى الإنتقال من مرحلة »الاستقرار« إلى مرحلة »النمو« .. ومن النمو إلى «خلق الوظائف».. فمن أهم دروس الربيع العربى اليوم أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادى دون تحقيق نمو أقتصادى حقيقى وهو النمو الذى يجب أن يستند إلى خلق وظائف جديدة ومساواة وعدالة فى سوق العمل.. ومؤكد أن دول المنطقة أمامها الكثير تفعله لتوفير فرص عمل بمسار أسرع من السابق لتلبية طموحات الشباب، وهو التحدى الأهم فى المرحلة القادمة. دعوتكم فى التقارير الأخيرة إلى دور جديد للدولة فى خلق فرص عمل غير مفهومة لو نظرنا إلى تاريخ صندوق النقد الدولى ومجموعة البنك الدولى فى تشجيع القطاع الخاص ودوره فى الاقتصاديات الوطنية؟. تركيزنا الرئيسى على دعم دور القطاع الخاص فى خلق فرص العمل ودور الدولة المقصود لم يعد هو توفير فرص العمل لان الحكومات أو الدولة لا يمكنها توفير وظائف أكثر فى أى بلد.. وفى دول كثيرة حجم القطاع العام أو الحكومى ضخم ولا يمكنه خلق مزيد من الفرص.. ودور الدولة فى تلك الحالة هو توفير البنية التحتية اللازمة لتمكين القطاع الخاص من تدبير الوظائف الجديدة..والأهم هو توفير المناخ المناسب لإزدهار القطاع الخاص وهو ما أقصده بالتأكيد على وجود دور للدولة فى خلق الوظائف حيث يمكن للدولة أن تقوم بدور رئيسى فى عملية إفساح الطريق أمام القطاع الخاص.