قدمت إثيوبيا بادرة دبلوماسية أمس، أبدت فيها استعدادها لبحث اقتراحات القاهرة بشأن سد النهضة، فيما يتعلق بمواصفاته «المخيفة» وسبل علاج مخاوف دولتى المصب مصر والسودان تجاهه، واللافت هنا هو استجابة إثيوبيا لتصريحات نبيل فهمى وزير الخارجية منذ أيام حول حتمية التفاوض الهاديء بشأن المشروع وتحاشى القطيعة والصدام واعتبار السد حقيقة واقعة لا مناص منها. إن الأشقاء فى إثيوبيا يدركون أن نهر النيل هو شريان الحياة وعصبها بالنسبة للمصريين منذ فجر التاريخ، وقطعه يعنى فناءهم. ولكن دبلوماسيين إثيوبيين فى القاهرة يوضحون جانبا آخر من الصورة. فهم لا يخفون غيرتهم من سحر النهر ونظامه الدقيق فى مصر: فمساره هاديء، ومناسيبه وتصرفاته محسوبة بدقة من أسوان حتى مصبه فى البحر المتوسط. ويضمن هذا لمصر حسن استغلال النهر على مدار العام فى أغراض الزراعة، والملاحة النهرية، والسياحة. وتختلف الصورة فى إثيوبيا تماما: فالمياه الهادرة عند هضبة الحبشة وقت موسم الأمطار الصيفية توجد نهرا قويا جارفا وخطيرا أحيانا. وبانتهاء الموسم فى سبتمبر من كل عام يصبح النهر شبحا بالنسبة لهم ويتعذر عليهم تحقيق الاستفادة المثلى من مساره وخيره فى معظم الأحيان. ولعل هذا ما دفع الأشقاء منذ عقود إلى التفكير جديا فى بناء سد يضاهى السد العالى «المصرى». والمعضلة التى يتعين على الدول الثلاث مجتمعة (مصر والسودان وإثيوبيا). حلها تتمثل فى ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وصارم يحقق لإثيوبيا حلمها فى تهذيب النهر وتوليد الكهرباء، مع احترام حق المصريين فى الحياة دون خوف من شبح المجاعة بعد بضعة أعوام، وحق السودانيين فى الحياة دون قلق من خطر إغراق بلادهم تماما إذا ما انهار السد بفعل كارثة طبيعية. إن بادرة حسن النية التى قدمتها أديس أبابا أمس، تتطلب سرعة فى التجاوب من مصر. وعلينا أن نجمع الأشقاء ونقنعهم بهواجسنا ونقدم لهم يد العون حتى إن تطلب الأمر المشاركة فى بناء السد لمصلحتنا جميعا. لمزيد من مقالات رأى الاهرام