قال لى جمع من طلبة وطالبات الجامعة عن حوار الساعة دعونى إلىه قبل نهاية العام الدراسى: البلد محتاجة تفرح.. واحنا محتاجين نفرح.. وكفاية غم وهم وخراب وحرائق ودم شباب زى الورد ضاع فى تراب السكك.. وخناقات ومحاكمات لا أول لها ولا آخر.. امتى بس مصر ترجع زى ماكانت... مصر اللى احنا عارفينها كويس واللى عشنا فيها واتربينا على مبادئها فى الحق والصدق والخير والسلام.. راح الأمان ياباشا وبقينا عايشين فى خوف ورعب وقنابل بتفرقع يمين وشمال وعصابات بتخطف العيال والكبار.. وجرائم ما سمعناش عليها طول عمرنا.. أصبحت تحدث كل يوم وكل ساعة.. ايه اللى جابته الفوضى لمصر إلا زى ما أنت شايف كده.. خراب +خوف + فقر+ عدم أمان+ ضرب وحرق+ سرقة وقتل.. وآخرتها ايه ياباشا.. ضاعت الضحكة وضاعت النكتة البلد عاوزة تفرح من تانى.. لكن ازاى؟ ماحدش عارف.. وماحدش عارف حاجة أبدا.. احنا رايحين على فين بعد أن ضاع من أقدامنا ومن عقولنا الطريق؟ قلت لهم: انتم ليه عايشين داخل خيمة سوداء حمقاء من التشاؤم: خيمة لونها أسود.. بره وجوه.. حتى ما فيهاش شباك واحد يدخل منه بصيص من نور.. أو كلمة حلوة.. أو شعاع من أمل فى غد مشرق بسام! قالت طالبة تجلس فى آخر صفوف القاعة التى اجتمعنا فيها بنبرة حزن: وأين هو ياسيدى هذا الغد المشرق البسام الذى تتحدث عنه.. ومصر قد تغير حالها.. وانقلب منوالها؟.. هل تريد ياسيدى وانت سيد العارفين.. ان تعرف إلى أين وصل المصريون بعد ثلاث سنوات ويزيد من الثورة التى أطاحت بحكم طاغية جبار ومتجبر أدخل الفساد إلى حياتنا اليومية مع لقمة العيش والغموس على مائدة المصريين؟ حتى أصبح الفساد فى البر والبحر نتجرعه على فنجان القهوة ورغيف العيش صباحا ومساء!.. يتدخل طالب طويل القامة يقف فى آخر الصف بقوله: موش بس الفساد ياحضرة.. عندك كمان الفقر الذى ارتفعت اعداده وكانت نسبته 36% من اعداد المصريين لم يصبحوا فقراء فقط.. بل تحت خط الفقر كمان وكمان! قلت له ضاحكا فى محاولة منى لكسر حاجز الهم والغم: دا انت كمان بتلحنها وبتغنيها كمان! ...................... ..................... بعد فاصل قصير من الضحك من جانب الطلبة والطالبات.. قلت للشباب الصاعد الواعد الذى تعده مصر للمستقبل: خلونا فى موضوعنا الأساسى وهو متى يعود الفرح مشرقا فوق جبين مصر؟ متى نضحك من قلوبنا ضحكا صافيا.. وليس ضحكا مصطنعا.. كما البكاء.. كما قال لنا يوما شاعر العرب الأول الذى اسمه المتنبى؟ الضحك يا أعزائى يأتى أول ما يأتى مع الشبع.. تقاطعنى طالبة أروبة بقولها: فى البلد عندنا مثل بلدى بيقول: «مين شبعوا غنوا ومن جاعوا زنوا!.. تمام زى الأطفال لما يتعشوا بالليل.. يغنوا ويرقصوا ويفرحوا.. ولما يجوعوا يعيطوا بالدموع.. موش كده برضه؟ وقديما قال أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه: انتصرت فى كل معاركى.. وصارعت الدنيا كلها.. إلا الفقر فقد صرعنى! وقال أيضا: لو كان الفقر رجلا.. لقتلته! يا له من ارث كبير سوف يحمله من سيجلس على كرسى الحكم بعد الانتخابات.. وفى تصورى أيا من يكون الجالس على كرسى مصر بعد الانتخابات الرياسية.. فهو قادر مع الشعب المصرى على الخلاص من قبضة الفقر الأذلى الذى أصابنا فى مقتل.. علينا أن نعمل بجد واخلاص حتى نخرج من دائرة الفقر هذا.. لأنه ليس بالقرارات وحدها نتخلص من قبضة هذا العنكبوت الذى اسمه الفقر!
...................... ..................... تتقدم من المنصة التى أجلس عليها ثلاث طالبات قدمن إلى ورقة مكتوبة.. ماذا تقول الطالبات فى ورقتهن؟ فتحت الورقة وقرأت بصوت عال: الأهم والأخطر من الجوع ولقمة العيش هو الأمان.. نحن لانشعر بالأمان طول الوقت.. لا فى البيت ولا فى الشارع.. ولا فى الجامعة نفسها.. ولا عندما تركب المترو أو أى مواصلة.. نحن لا نستطيع أن نمشى فى الشارع أو حتى نتسوق أو أن نشترى حاجياتنا من الأسواق.. طول الوقت الخوف يركب فوق رؤوسنا ويظللنا بظله الأسود.. ودليلنا حوادث الخطف والاغتصاب والسرقة فى وضح النهار والتحرش الجنسى بنا أصبح فى كل مكان.. فى الشارع وفى المواصلات.. لا فرق بين ساعة وأخرى.. وبين ليل أو نهار.. ماذا نفعل نحن نون النسوة؟ الأمن الآن ياسيدى أصبح أمنا سياسيا فقط.. أما أمن الناس الغلابة.. فقد تبخر فى الهواء وذهب مع الريح! قلت لهم: الأمن المصرى يا أعزائى يواجه الآن مأزقا وتحديا صعبا للغاية.. فهو يحارب تقريبا فى كل الجهات فى الداخل.. فى نفس الوقت فهو يجارب البعبع نفسه! يسألوننى: ومن هو هذا البعبع؟ قلت لهم: الارهاب الدولى.. المتمثل فى فصائل القاعدة التى تركت مواقعها فى باكستان وأفغانستان وجاءت إلى سيناء.. ومنها تتسلل فلولها المدربة التى تحمل أشد الأسلحة فتكا إلى الداخل.. كما حدث فى تفجيرات مبنى مديرية أمن المنصورة وبعدها مديرية أمن القاهرة.. المهمة التى يقوم بها الأمن المصرى فى غاية الصعوبة.. وفى غاية الخطورة.. إلى جانب مواجهتهم جماعات الاخوان التى نزلت إلى باطن الأرض.. وربنا معاهم فى تأمين عمليات انتخاب الرئيس الجديد.
..................... ...................... نأخذ فترة راحة.. مع قطع الجاتوه وأكواب الشاى.. ثم فنجان القهوة المضبوط.. بمجرد عودتنا إلى القاعة قلت للجمع السعيد الظريف المقبل على الحياة: بكره سوف يكون أحلى من النهاردة.. لأن كل ليل وله آخر يا أعزائى.. وانتم ستكونون يوما ما أصحاب القرار فى هذا البلد.. يعنى الغد القريب.. كان أول سؤال بعد هذه الراحة القصيرة من فتاة ترتدى الجينز والتى شيرت قالت: يعنى حضرتك عاوزنا نأجل موضوع التحرش الجنسى الذى نتعرض له الآن فى كل مكان لحد اما تنتهى هوجة انتخابات الرئيس الجديد.. وأن نترك له هو حل هذا اللوغاريتم؟ قلت لها: وهو الرئيس الجديد حيلاقيها منين واللا منين يا ست البنات.؟ التحرش الجنسى يا أعزائى سببه هجوم العشوائيات التى أصبحت تعيش إلى جوارنا فى أطراف العاصمة .. الجوع + البطالة + الجهل بعيد عنكم + التسرب من التعليم + موجة فن التكاتك الذى ملأ مصر كلها .. لا أغانى ولا أفراح .. وشوفوا انتم آخر انتاج فن العشوائيات اللى إسمه «حلاوة روح»! ولولا همة وعزيمة رجل شجاع اسمه إبراهيم محلب كنا رحنا وراء الشمس. ......................... ......................... ومازلنا مع حوار الساعة مع حنايا القلوب فى بلد ضاع منه الموال.. وذهبت الضحكة وماتت النكتة.. والعوض على الله{! لمزيد من مقالات عزت السعدنى