«صراعات السياسة أهدرت الرصيد المهنى والأخلاقى للصحافة المصرية الذى راكمته على مدى قرنين». كانت هذه الكلمات, التى قالتها د.عواطف عبدالرحمن بحزن، كافية لإدراك أن الإعلام المصرى فى أزمة كبيرة..فى السطور التالية نحاور أستاذة الصحافة الشهيرة بكلية الإعلام جامعة القاهرة عن أزمات الإعلام عامة ، والصحافة خاصة، نلتمس منها تشخيص الداء، ووصف الدواء: كيف ترين دور الإعلام؟ رغم القيود التى حاصرت الإعلام والإعلاميين خلال فترة مبارك فإن الهامش الذى كان مسموحاً به لحرية التعبير أتاح تقديم خطابات نقدية ساعدت فى التمهيد لثورة يناير، ولا شك أن النقلة النوعية التى أحدثتها الثورة التكنولوجية فى الإعلام والمعلومات وتفاعلت معها الأجيال الجديدة عبر شبكات التواصل الاجتماعى مكّنت الشباب من التواصل والحشد والتعبئة فى العالم الافتراضى والانتقال بحزم وعزم إلى أرض الواقع، الأمر الذى منح قوة تأثيرية غير مسبوقة لهذا الإعلام الجديد وأصبح أداة رئيسية للتغيير والثورة والتأثير فى الرأى العام، رغم ارتفاع نسبة الأمية الأبجدية والرقمية التى تزيد على 60% فى مصر. ما أبرز التحديات التى تواجه الإعلام المصرى الآن؟ الواقع أن الإعلاميين والصحفيين المصريين يواجهون فى المرحلة الحالية تحديات كثيرة ومعقدة فى ظل تعاظم نفوذ السلطة التنفيذية واحتكارها السلطة التشريعية وتأثيرها على السلطة القضائية وغياب ثقافة المسئولية الاجتماعية للإعلام. ورغم أن المشهد الإعلامى الراهن يؤكد اتساع هامش الحريات فإن ذلك جاء على حساب الالتزام المهنى والمجتمعي. إذ أصبح كثير من الصحفيين والإعلاميين خصوصاً حديثى الخبرة يبالغون فى تقييم ذواتهم قبل أن يتمكنوا من أدواتهم المهنية وتكوينهم الفكرى والثقافى، ويعتبرون أنفسهم شخصيات مقدسة لا يجوز المساس بهم أو مساءلتهم عما يكتبون أو يبثون من أخبار وآراء، بل يعتقدون أنهم يملكون حق محاسبة الجميع دون ضوابط أو معايير مهنية وفكرية وأخلاقية. ولا شك أن الصراعات السياسية التى أعقبت ثورة يناير قد اكتسحت فى طريقها معظم إيجابيات الرصيد المهنى والأخلاقى التى أرستها الصحافة المصرية على مدى قرنين من الزمان، واستخدم كل فريق الإعلام كأداة أساسية من أدواته للترويج لمصالحه وزيادة مكاسبه ومحاربة خصومة، مما أسفر عن سقوط الإعلاميين بين شقى الرحي، فهم مطالبون بمسايرة السلطة بكل اشكالها (السياسية والامنية والاقتصادية) للحفاظ على أمنهم المهنى والمعيشى وفى ذات الوقت عليهم الالتزام بالضوابط المهنية والأخلاقية. ما ملاحظاتكم على أداء الإعلام المصرى فى متابعة انتخابات الرئاسة؟ هناك محاولات جادة من جانب معظم الصحف المصرية على اختلاف انتماءاتها لمراعاة التوازن فى متابعة الماراثون الرئاسي،و لكن هناك تحيزا و ميلا واضحين من جانب القنوات الفضائية الخاصة و الحكومية لصالح عبد الفتاح السيسي، رغم انه ليس فى حاجة الى هذا الكم المبالغ فيه من الدعاية. تُرى من الخاسر الحقيقى فى ظل غياب المهنية الإعلامية؟ الإعلاميون والإعلام هم الضحية الأولى للصراعات والتجاذبات السياسية والتناقضات الاجتماعية والثقافية ,علاوة على اختراقات أباطرة السوق والمعلنين التى ازدادت ضراوتها فى ظل تعثر الثورات العربية، والخاسر الحقيقى هو الجمهور الذى أُهدرت حقوقه فى المعرفة والمشاركة. هل السلطة الحاكمة ستكون لها الكلمة العليا فى مجال الإعلام فى المرحلة المقبلة؟ هناك عدة معوقات أمام السلطة الحاكمة ستحول دون فرض سيطرتها وهيمنتها على الإعلام، بعضها يرجع إلى تنامى دور الإعلام الفضائى والالكترونى خصوصاً الانترنت، والأهم من ذلك استمرار نضال الصحفيين والإعلاميين من أجل تحقيق الاستقلال المهنى وتشكيل النقابات وتعديل القوانين المنظمة للعمل الإعلامى والسعى الجاد لإشراك كل منظمات المجتمع المدنى والأحزاب والنقابات المهنية من أجل إيجاد إعلام مجتمعى حقيقى. وماذا تقدمين من اقتراحات؟ 1- تعديل القوانين المنظمة للعمل الصحفى وتفعيل النص الدستورى الخاص بإلغاء العقوبات السالبة للحريات. 2- تفعيل الاستقلال المهنى والإدارى للمؤسسات الصحفية من خلال اختيار رؤساء التحرير بالانتخاب، وإعداد كادر مالى جديد للصحفيين، وفصل الإعلان عن التحرير. 3- تفعيل دور نقابة الصحفيين فى إرساء آليات رادعة لحماية الحقوق المهنية من خلال مواثيق الشرف الصحفية. 4- السعى بجدية لإلغاء المجلس الأعلى للصحافة ووزارة الإعلام. 5- الإسراع فى تأسيس نقابة فى مجال الإعلام المرئى والمسموع وتفعيل دورها فى حماية حقوق الجمهور فى المعرفة والاتصال.