عرفته منذ أكثر من عشرون عاما , إنسانا مخلصا متواضعا وفيا متفان فى عمله , لا يعرف الغرور طريقا إلى سلوكه رغم شهرته الواسعة وسط أبناء مهنته , فقد حباه الله نعمة القناعة والإحساس بالآخر فى زمن ضن على الكثيرين بهذه النعمة , هو الدكتور محمود نيازى عاشق تراب هذا الوطن كما يحلو له القول دائما. تشعر كأنها تخرج من قلب يصرخ وهو يغالب دموعه بصعوبة قائلا : " أحبوا هذا البلد الذى كرمه الله فى كتابه وسنته ولا تبخلوا عليه بالعطاء والبناء ولا تخافوا عليه فهو محفوظ بحب الله .. " , لا يعرف الاستغلال طريقا إليه ففى الوقت الذى يتاجر فيه الأطباء بالبشر غيلة وطمعا فى الكسب , تكتشف أنه لازال يملك زمام القناعة والرضا , لأنه ببساطة منحازا للفقراء ويخاف يوم الوقوف بين يدى الله وسؤاله ماذا اقترفت يداه ؟ فى لقاء قريب جمعنى بالدكتور نيازى باغتنى وكله ألم بالسؤال الحائر على شفاهنا ماذا بعد ؟ تحدث بمرارة عما يحدث الآن فى الشارع المصرى وما وصل إليه حال المصريين من عسف العيش وانهيار القيم الأخلاقية , ثم أهدانى كتيب صغير بعنوان " مصر فى القرآن والسنة " الذى تطوع بتجميعه وطباعته على نفقته الخاصة وكتب عليه يهدى ولا يباع , مستعينا أولا بالقرآن الكريم ثم بكتاب " حسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة " لجلال الدين السيوطى وبكتب التفسير , كل ذلك فى حب مصر وإهداء لكل مصرى يعشق مصر ويخاف عليها , ويطمئنه بأنها محروسة ومصانة من الله وستظل . رغم انشغاله وضيق وقته إلا أن أن حبه لهذا البلد طغى على ما دونه فانبرى الدكتور نيازى مجتهدا بجمع وترتيب لما ورد فى كتاب الله تعالى من آيات مباركات عن هذا البلد العظيم الذى تهواه القلوب ويملأ حبه حنايا الأفئدة ويبهر جماله وسحره العيون كما يقول , لنجد أن مصر ذكرت فى القرآن فى أكثر من ثلاثين موضعا صريحا مذكورة بالاسم أو كناية يشار إليها فى سياق الآية بإشارة يفهم منها أنها المقصودة , كما بشر الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مصر سيكون لهم دور عظيم فى الجهاد فى سبيله . " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا " ( يونس : 87 ) "وقال الذى اشتراه من مصر لإمراته اكرمى مثواه " ( يوسف : 21 ) " وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " ( يوسف : 99 ) " ونادى فرعون فى قومه قال يا قوم أليس لى ملك مصر " ( الزخرف : 51 ) "اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم " ( البقرة : 61 ) فيا ليتنا نعلم قدره كما عظمه الله بذكره فى كتابه , ويا ليتنا نرفع راية البناء لتقدمه وليس معاول الهدم لتخريبه , ويناشد الطبيب المتيم بحب مصر كل مصرى تربى على هذه الأرض المباركة أن يحبها لأنها أرض الكنانة وكم من الأنبياء عاشوا عليها وقاموا على أرضها لله خاشعين , ولأنها أيضا ناصرة الاسلام وحضن الأمان ومنارة العلم وقبلة العلماء , فحب مصر بالنسبة له يعنى تشابك الأيدى بمختلف الأفكار والعمل على نهضتها وتقدمها بالجهد والبناء والعمل لتسمو وتصبح قمة بين القمم . عندما يكون الحديث عن الوطن يكون الدكتور محمود نيازى فى أضعف وأرق حالاته , يتذكر واقعة جعلته يبكى طويلا حينما كان فى أحد الأسواق القديمة يمارس هوايته بالبحث عن كل ما هو أثرى مثل العملات المعدنية , فشق صفاء ذهنه ذاك الطفل الذى يساوم بائع على شراء بقايا كرة ممزقة , الأمر الذى أوجع فؤاده وأبكاه كثيرا وهو فى خلوة ومصارحة مع الذات متسائلا كيف سأقابل وجه ربى , وهناك أناس تأكل من صناديق القمامة وطفل لا يملك حلم اللعب بكرة سليمة وأحفادى يرفلون برغد العيش وهناء الحياة الكريمة . شكرا لهذا الطبيب المحب لبلده والمؤمن بعظمته , فقد أضاء الطريق لكل مصرى كى يعرف كيف يحب وطنه مثلما أحبها الله وحماها من كل سوء .