انتهى العام الدراسى بعد تقليص الفصل الدراسى الثانى من خمسة عشر أسبوعا الى ثمانية أسابيع فى معظم الجامعات، فى سابقة لم تحدث فى تاريخ التعليم بمصر، بسبب الظروف الأمنية والحرص على الانتهاء من الامتحانات قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها يومى 26/27 مايو الحالى وبهذا القرار، تم إلغاء أجزاء كاملة من المقررات الدراسية ولاسيما بالجامعات، وهو أمر ستكون له مردوداته السلبية المؤكدة على طلاب السنة النهائية، فليست هناك فرصة لأن يدرسوا ما فاتهم فى وقت لاحق، والأدهى أن الفترة الأخيرة شهدت اجازات لعدة أيام متصلة كان الأوقع إلغاؤها هذا العام فى ظل هذه الظروف الاستثنائية، ولكن للأسف لم يحدث وكأننا نعيش ظروفا عادية ومن حقنا (الاستمتاع) بإجازاتنا التى تزيد على الحد وتتفوق بعدد أيامها على الإجازات فى كل دول العالم، حتى وأنه يمكن القول بلا تزيد أننا فى إجازة طويلة يتخللها عمل على عكس شعوب الأرض ولاسيما فى الدول المتقدمة حيث العمل الدائم الذى تتخلله أجازات، ناهيك عن تدنى الأداء فى مصر والذى تقدره بعض الهيئات الدولية بما لا يزيد على سبع وثلاثين دقيقة عمل يوميا، أما (ساعات) العمل فهى تضيع فى أمور أخرى ليست لها علاقة من بعيد أو قريب بالعمل كالدردشة والنميمة وقراءة الصحف واستقبال الزوار وخلافه.. قارن حالنا وحال اليابانيين الذين يعشقون العمل واتقانه حتى إن حكومتهم تحثهم على طلب إجازات لكى يستجموا ويروحوا عن أنفسهم. إن حال مصر لن تتغير ما لم يتغير سلوكنا ونظرتنا للعمل، وكما قيل فإن السلوك يولد العادة، وهذه تشكل الثقافة، ونحن فى أمس الحاجة لتغيير ثقافتنا إزاء العمل من منطلق (أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) كما علمنا المصطفى صلوات الله عليه وسلامة وللأسف فإن واقع الحال يشى بأن غالبية المصريين لا يتقنون عملهم فالمدرس فى المدرسة لا يتقن شرح الدروس لأنه يدخر طاقته للدروس الخصوصية، والطبيب فى المستشفيات العامة لا يتقن عمله لكى يجتذب أكبر عدد من المرضى إلى عيادته الخاصة، والمهنى لا يتقن عمله لأنه لم يتعلم أصول المهنة ويمارسها بالفهلوة.. وهلم جرا. ومن الإجابات «المعلبة» فى هذا السياق: «نحن نعمل على قدر فلوسهم»، وهى إجابة مرفوضة بكل المقاييس، والأنكى أن بعض المثقفين الذين صدعوا رؤوسنا من خلال برامج التوك شو لا يملون من تكرار مقولة أن المرء لا يكون منتميا للوطن إلا إذا توافرت له لقمة العيش والأمن والصحة وذلك على خلفية (هرم مازلو للحاجات) نسبة إلى عالم النفس الأمريكى مازلو، ومفاده باختصار أن الحاجات الأساسية كالجوع والعطش والأمن ينبغى إشباعها أولا قبل أن يكون فى مقدور الفرد الإحساس بالانتماء والحب والتعاطف، بيد أن د.قدرى حفنى فى مقالة بالأهرام تحت عنوان(الفقراء والانتماء للوطن) فند هذا التصور مؤكدا أن حقائق التاريخ فضلا عن وقائع الحاضر تشير الى أنه لا علاقة البتة بين الفقر وعدم الانتماء، فكما أن هناك من الأثرياء الشباعى من يجودون بأموالهم بل وبحياتهم فى سبيل انتمائهم لأوطانهم فإن الفقراء الجوعى بحكم أنهم الغالبية كانوا دوما الوقود لكل دعوات العدل السماوية والدنيوية عبر التاريخ فى حين كان لغالبية الشباعى والمترفين مواقف أخرى. فى قول واحد إن مصر ليست فى حاجة الى (رئيس منقذ) ولكنها فى حاجة إلى (شعب منقذ) فمشاكل مصر المتراكمة والمعقدة لن تحل إلا بالعمل وسيكون من الخطأ والخطر فى آن واحد الاعتقاد بأن الرئيس القادم يملك عصا سحرية سيحل بها مشاكل مصر بين عشية وضحاها.. ومثل هذا الاعتقاد لا يعدو أن يكون وهما أو سرابا أو كقبض ريح، وسيؤدى حتما إلى زيادة السخط على الرئيس القادم الذى تم تقديمه للرأى العام على أنه «الرئيس المنقذ»، ولعل الجميع يتأملون مقولة المؤرخ البريطانى المعروف أرنولد توينبي: (إن تقدم الأمة أو تأخرها يكون بقدر استجابتها للتحدى الذى تواجهه). د.محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية