الهند والبرازيل تطالبان بعضوية دائمة في مجلس الأمن: "حجمنا لا يُهمّش"    الحكومة تقرر إعادة تخصيص أراضٍ زراعية لصالح "جهاز مستقبل مصر" لتنفيذ مشروعات تنموية ولوجستية    صفقات ريال مدريد في صيف 2025 حتى الآن    مدبولي: الرئيس السيسي يوجه بتشكيل لجنة عاجلة للتحقيق في أسباب حريق "سنترال رمسيس"    أحمد السقا يحتفل بعرض "أحمد وأحمد" في الإمارات وزيزو يشاركه تقطيع التورتة    وكيل الأزهر: «المشروع الصيفي القرآني» مبادرة تعزز دور الأزهر في خدمة كتاب الله وتحفيظه للنشء    "عبدالغفار" يبحث مع المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية تعزيز التعاون الصحي    الخميس.. فتح باب الطعون على أسماء المرشحين في انتخابات نقابة الأطباء    مجلس الوزراء يقف دقيقة حداداً على أرواح شهداء الدائري الإقليمي وسنترال رمسيس    ترامب يهدد برسوم جمركية 200% على الأدوية و50% على النحاس    وزير الخارجية لنظيره الفرنسي: الحاجة ملحة لسرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة    جيش الاحتلال يعلن تنفيذ عملية برية جنوب لبنان بذريعة تدمير بنية تحتية لحزب الله    "إنترفاكس": القوات الروسية وجهت ضربات لمطارات عسكرية في أوكرانيا ليلًا    4 مرشحين يتقدمون بطلبات الترشيح في انتخابات مجلس الشيوخ بشمال سيناء    الأهلي يقترب من حسم بديل وسام أبو علي.. وكارلوس الأقرب    انطلاق منافسات تتابع الناشئين والناشئات ببطولة العالم للتتابعات للخماسي الحديث    وزير الرياضة يصل إلى الأردن| تعرف علي السبب    رئيس مجلس الدولة يستقبل وفدًا قضائيًا عمانيًا للاطلاع على جهود التحول الرقمي في المنظومة القضائية    «التعليم» تستعد لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 في هذا الموعد    المشدد 6 سنوات لعامل لاتجاره في المواد المخدرة بالقناطر الخيرية    «الإحصاء»: تراجع معدل التضخم 0.1% لشهر يونيو الماضي    نورهان تُقدم حفل ختام فعاليات «القومي للمسرح المصري» في طنطا اليوم    بعد اتهامات بسرقة تصميمات.. مها الصغير تغلق صفحة ماركة الحقائب الخاصة بها    استرداد عدد من الوحدات السكنية من قاطنيها بأكتوبر    موعد طرح كراسات شروط الطرح الثاني لإعلان سكن لكل المصريين 7    سقوط عنصر جنائي بتهمة النصب والتزوير بالطالبية    رغم الفوز على فلومينينسي.. كول بالمر يشعل أزمة داخل تشيلسي    تحركات سريعة ومفاجئة في سعر الدولار.. اعرف بكام اليوم    وزير الخارجية الروسي يزور كوريا الشمالية هذا الأسبوع    ذكري وفاة أستاذ "الكوميديا" عبد المنعم مدبولي صاحب مدرسة الضحك الراقي    «كلمة حاضر بتريّح».. نصيحة غريبة من علي غزلان للسيدات    لغياب المنافس، شرط أساسي لفوز القائمة الوطنية من أجل مصر بانتخابات الشيوخ    ضبط (3643) ألف واقعة سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط التعاقد    وكيل الصحة بالوادي الجديد: شبكات الاتصال تعمل بكفاءة بين المستشفيات ووحدات الرعاية    مرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تخطط لاحتجاز سكان غزة قسرا في معسكر اعتقال فوق أنقاض رفح    مصرع طفلة إثر سقوطها من الطابق الثاني عشر بكفرالشيخ    وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس اجتماع اللجنة العليا للأسر البديلة الكافلة    لاول مرة مساعد رقمى يتنبأ بالخطر بالمحطات النووية قبل وقوعه ب30 دقيقة    عودة خدمات فوري إلى كفاءتها التشغيلية بعد حريق سنترال رمسيس    بالأسماء، تعيينات قيادات جديدة بكليات ومراكز جامعة القاهرة    "قلبي ارتاح"، لطيفة تعلن موعد طرح أغاني ألبومها الجديد    دليل اختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة.. مكتب التنسيق يوضح كيفية التسجيل.. محظورات خلال أداء الامتحانات.. و7 خطوات لسداد الرسوم    بعد حريق سنترال رمسيس.. المصرية للاتصالات تعلن استعادة الخدمات بعد نقلها إلى سنترالات بديلة    الممثلة الكورية لي سي يونغ تعلن حملها من جنين مجمد لزوجها السابق بعد الطلاق    طب قصر العيني تستضيف الامتحان الإكلينيكي للزمالة المصرية في تخصص الأنف والأذن والحنجرة    ارتفاع في الطماطم.. أسعار الخضار اليوم الأربعاء في أسواق مرسى مطروح    هربا من الحر للموت.. وفاة طالبين غرقًا داخل ترعة في قنا    الاستماع لأقوال شهود عيان لكشف ملابسات مقتل سيدة على يد طليقها بأكتوبر    تشغيل وحدة القسطرة القلبية بمستشفى طنطا العام وإجراء 12 عملية    وزير الصحة يبحث مع المدير الإقليمي للصحة العالمية التعاون في ملفات المبادرات والتحول الرقمي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 9-7-2025 في محافظة قنا    مدرب الزمالك السابق يحذر الإدارة من التسرع في ضم نجم بيراميدز: "تحققوا من إصاباته أولًا"    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم سياحة وفنادق    دعاء الفجر| اللهم ارزقني الرضا وراحة البال    «تأكدوا من إصاباته».. مدرب الزمالك السابق يحذر مسؤولي الأبيض من الصفقة المنتظرة    منتخب الناشئين تحت 17 عاما يواصل تدريباته ويحتفل بعيد ميلاد الكاس (صور)    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا ما قرأت فى حوار السيسى
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 05 - 2014

يراهن المشير عبد الفتاح السيسى المرشح الرئاسى على استدعاء رصيد الشخصية المصرية القديمة فى عصورها الذهبية حين كانت تمثل النموذج والقدوة فى السلوك والأخلاق والعمل والتدين الصحيح ..
ان الشواهد كثيرة ابتداء بصورة الحياة فى المحروسة بشرا وعملا وانتاجا وانتهاء بالنماذج الفريدة التى كانت يوما من اهم جسور التواصل بيننا وبين اشقائنا فى الدول العربية .. لا انكر اننى استمتعت كثيرا بالحوار الذى اجراه بعمق ووضوح ابراهيم عيسى و لميس الحديدى مع المشير السيسى .. بدا السيسى فى افضل حالاته رغم صعوبة المواجهة فى اول تجاربه الحوارية امام المواطن المصرى وامام الرأى العام الذى سيذهب بعد ايام ليدلى بصوته .. كان السيسى هادئا فى معظم الأحيان منفعلا تجاه بعض الأسئلة حاسما فى مواقف لا تحتمل المساومة او المراوغة .. كان السيسى على درجة عالية من الثقة بالنفس والقدرة على صياغة افكاره او الهروب الذكى من اشياء قد يرى ان الإجابة عليها ليس مجالها الآن .. اعتقد ان السيسى قد نجح فى اول اختبار امام الناس وان كنت اعتقد ان هناك فصيلا من المنظرين لن ترضيه كثيرا بعض الإجابات لأنها تحتاج الى المزيد من الوضوح والصراحة.
لابد ان اعترف بأن هناك بعض الرؤى والأفكار التى وجدت صدى فى نفسى وهى الثلاثية التى توقف عندها فى الحلقة الأولى واثارت حولها تساؤلات كثيرة ..

كان السيسى حريصا ان يؤكد خوفه من الله فى اكثر من مكان .. نحن جميعا نخاف الله سبحانه وتعالى ولكن تأكيد السيسى يعنى انه لا يواجه دينا ولا يرفض ايمانا وانه انسان مصرى مسلم يحترم جميع الأديان .. كان حريصا ان يتوقف اكثر من مرة على الجانب الأخلاقى فى سلوكيات الناس وليس معنى ذلك انه سيحمل العصا لتأديب الناس ولكنه سيكون حريصا ان يتعامل بمنطق القيم والأخلاق وسيكون حريصا ان يعامل الآخرين بنفس الأسلوب، كما انه يضع الوطن فوق كل الحسابات والأفكار والرؤى ولأن كل جهد ينبغى ان يصب فى النهاية فى خدمة الوطن وان كل فكر يتعارض مع مصالح هذا الوطن لا مكان له ولهذا لا مستقبل لفكر الإخوان فى دولة مصر الجديدة لأن هذا الفكر يتعارض تماما مع طبيعة وتكوين الشعب المصرى ولهذا اغلق المصريون صفحة الإخوان المسلمين بعد ان اكتشفوا حقيقتهم خلال عام من الفشل فى إدارة شئون اكبر دولة عربية ..

كان من الواضح فى حديث السيسى انه رجل متدين بفهمه الصحيح للإسلام وليس بفهم الآخرين الذين اساءوا للإسلام وان الحاكم حين يكون مسئولا عن شعب فإن فى هذا الشعب نوعيات من البشر تختلف فى السلوك والأديان والثوابت وانه مسئول عن الجميع .. وكان واضحا انه يحتكم دائما لمبادئ الأخلاق فى آرائه واحكامه وسلوكياته وكل ما يريده من الآخرين ان يدركوا ان البعد الأخلاقى يمثل ضرورة فى حياة البشر حكاما ومحكومين .. وحين تحدث عن محاولات الاغتيال والخوف من المؤامرات كان قدريا فى رده ان إرادة الله تسبق كل شىء وان حياة الإنسان فى يد خالقه..ان الخوف من الله هو التدين الصحيح المتسامح..والأخلاق مقياس السلوك الإنسانى فى دنيا البشر..والوطن هو الحلم والغاية..ثلاثية اخلاقية تعكس فكر ورؤى إنسان مصرى بسيط نشأ فى اعرق واقدم احياء القاهرة وهى الجمالية حيث توحدت الأديان فى المعبد والمسجد والكنيسة .. وتجسدت الأخلاق فى سلوكيات الإنسان المصرى البسيط .. وكانت مصر الوطن والحلم والقضية .

لا شك ان هذه الثلاثية الذكية التى دار حولها حديث المشير السيسى وجدت صدى عند المواطن المصرى البسيط العادى .. ان السيسى الرجل الذى اطاح بحكم الإخوان امام إرادة شعبية جارفة انسان متدين يخاف الله ويعمل له الف حساب وهو انسان مسلم شديد الاعتزاز بدينه .. هذه الصورة تعنى الكثير امام فئات كثيرة من المصريين خاصة اننا امام جماعات دينية احتكرت الحديث باسم الدين وجعلت نفسها موطنا للإيمان الحقيقى وصورت للناس ان من خرج عليها كافر وعدو لدينه .

وحين حاول السيسى ان يسترجع صورة الأخلاق امام الشارع المصرى كان حاسما وهو يؤكد دور الاعلام والتعليم والأسرة ومعهما الدولة فى ترشيد اخلاق الناس .. وقدم بعض النماذج التى تحدث فى الشارع والتى ينبغى ان نرفضها جميعا وان يكون للدولة دور فى ذلك وهو ما تتعرض له المرأة المصرية من سوء الأخلاق والسلوك والتحرش الذى اصبح من اسوأ الظواهر فى حياة المصريين ..

كان السيسى ايضا حريصا ان يسترد المصريون مشاعرهم الوطنية القديمة ابتداء بالكلمات فى حب الوطن وانتهاء بالعمل والإنتاج خاصة اننا فى احيان كثيرة نسينا كلمة الوطن امام نزعات فردية اتسمت بالجشع وحب الذات وعدم تقدير المسئولية تجاه مجتمع ننتمى اليه .

فى تقديرى ان التمهيد كان ذكيا للدخول الى البيت المصرى من اوسع ابوابه وحين يجتمع الله والوطن والأخلاق فى بطاقة دخول لقلوب الناس فإن الأبواب مفتوحة والطريق ممهد .

فى الحديث عن هموم الوطن كانت لغة الأرقام هى اخطر ما قدم السيسى عن حقيقة الواقع المصرى .. وفى دفعة قليلة من الحقائق قال ان ديون مصر اقتربت من 1.7 تريليون جنيه وان خدمة الدين اكثر من 200 مليار جنيه وان العجز فى الميزانية يقترب من 350 مليار جنيه وان 30% من المصريين فى منطقة العوز وليس الفقر وان البطالة لغم يهدد امن واستقرار حياة المصريين واننا سنظلم كل اجيالنا القادمة إذا تركنا لهم هذا الإرث الثقيل ..

طرح السيسى حلولا كثيرة حول إعادة توزيع الأراضى على المحافظات من خلال ظهير صحراوى لكل محافظة وان ذلك سوف يضيف الى ثروة هذه المحافظات وسوف يفتح آفاقا لمشروعات جديدة وانتاج جديد وان خطة تطوير المحافظات ان تمتد الى الشواطئ لتفتح مجالات عمل وانتاج فى السياحة والتعدين والزراعة والإسكان .

وحين تحدث عن ازمة الطاقة كانت دعوته الأولى الى الترشيد لأن إنشاء مصادر جديدة للطاقة يحتاج وقتا ومالا وهو يراهن على موقف المصريين ودعمهم خلال فترة قصيرة .. وان اكد على ضرورة التوسع فى الطاقة الشمسية .. وحول الطبقات الفقيرة اكد ان الحكومة ستوفر السلع وتفتح ابوابا للمنافسة وهى لن تمنع القطاع الخاص ولكنها ستدخل فى منافسة سعرية وانتاجية تفرض عليه ترشيد خططه وسلوكياته ..

وحول مصادر التمويل قال السيسى انه سيعتمد على ثلاثة مصادر اولها دعم المصريين فى الخارج ومساعدات الدول الشقيقة وفتح المجال امام الإستثمارات الخارجية مع تشجيع القطاع الخاص المصرى .. واشاد السيسى بموقف الدول العربية الشقيقة السعودية والإمارات والكويت وقال ان مساعداتها لمصر تجاوزت 20 مليار دولار وان هذه الدول تدرك ان استقرار مصر يمثل ضرورة حتمية للجميع وقال ان اول زيارة له خارج مصر رئيسا ستكون الى السعودية ..

فى كلمات عتاب قليلة كان الحديث الى حماس مؤكدا ان القضية الفلسطينية تعيش فى وجدان كل مصرى وطالب المصريين بألا يكون موقف حماس على حساب موقف تاريخى تجاه القضية الفلسطينية .. وقال ان المصريين تألموا كثيرا من موقف قطر وان مصر تتعامل مع الشعوب وليس الأنظمة

لم يخل الحديث من العواطف الجياشة وكانت للأسرة مكانة خاصة فى حوار السيسى وهو يتحدث عن امه التى لم يسمعها يوما تذكر احدا بكلمة سوء وتحدث عن زوجته وابنائه مؤكدا انه لن يقبل ان يستغل احد من اسرته اسمه فى اى مجال وانه بدأ فى اختيار فريق عمله ولن يكون الاختيار على اساس اهل الثقة او اهل الخبرة ولكن الكفاءة وحدها هى المقياس وانه لن يقبل اساليب الوساطة وانتهاك حقوق الناس وفرصهم.

بقيت عندى عدة ملاحظات حول الحوار:
اولا : اننا امام رجل جاء فى مهمة انقاذ وهى بلغة العسكرية عملية فدائية لا تحتمل الفشل ولا تقبل غير النجاح وسوف يطلب من الشعب المصرى ان يكون سيفه ودرعه ومصدر حمايته فى هذه المهمة والدليل انه قرر الا يكون له حزب سياسى ولن ينتمى الى حزب وان حزبه هو ملايين المصريين .

ثانيا : ان المهمة ثقيلة والعبء ضخم وهو يحتاج الى ارادة شعب وليس قدرات حاكم مهما كان دوره وقدراته وانه لايستطيع ان ينقذ الوطن وحده ولهذا كان حديثه الواضح عن دور مؤسسات الدولة فى الإعلام والتعليم والإدارة والتخطيط والترشيد والمتابعة.

ثالثا : لم يتحدث السيسى عن انظمة الفساد السابقة اوالأموال الهاربة سواء فى عهد الوطنى او الإخوان .. ولم يذكر شيئا عن القطاع العام وكيف يمكن إنقاذ ما بقى منه وكان متحفظا فى احيان كثيرة فلم يذكر النخبة بخير او شر رغم انه يعرف الكثير من رموزها ولم يتوقف عند رموز العمل السياسى وإن كان قد وضع الولاء الوطنى قبل الانتماء السياسى.

رابعا: كان واضحا اعتزازه الشديد بنجاح القوات المسلحة كنموذج مصرى رفيع فى الإدارة والدور والنتائج وهو على حق فى ذلك امام خرائب كثيرة دمرها الفساد فى مؤسسات الدولة وتمنى السيسى ان تكون مؤسسات الدولة على هذه الدرجة من الالتزام والمسئولية .

خامسا: لا مكان للماضى فى حساباته للمستقبل وليس امام المصريين وهو واحد منهم غير ان ينظروا للأمام.. ان ما كان قبل ثورة يناير لن يعود.. وما كان قبل ثورة 30 يونيه صفحة طواها الشعب المصرى وانه لن يوجد حاكم يقرر مستقبل شعب دون ارادته وان علينا جميعا ان نستعد لرحلة انقاذ الوطن.
هذا ما قرأت فى حوار السيسى..

..ويبقى الشعر
عودُوا إلى مصْر ماءُ النِّيل يكفينَا

منذ ارتحلتمْ وحزنُ النهْر يُدْمينا

أيْن النخيلُ التى كانتْ تظللَنا

ويرْتمى غصْنُها شوقًا ويسقينَا ؟

أين الطيورٌ التى كانتْ تعانقُنا

وينتشى صوْتُها عشقَا وَيشجينا؟

أين الرُّبوعُ التى ضمَّتْ مواجعَنَا

وأرقتْ عيْنها سُهْدًا لتحْمينَا ؟

أين المياهُ التى كانتْ تسامرُنَا

كالخمْر تسْرى فتُشْجينا أغانينَا ؟

أينَ المواويلُ ؟..كم كانتْ تشاطرُنَا

حُزنَ الليالى وفى دفْءٍ تواسينَا

أين الزمانُ الذى عشْناه أغنية

فعانقَ الدهْرُ فى ودٍّ أمانينَا

هلْ هانتِ الأرضُ أم هانتْ عزائمنَا

أم أصبحَ الحلمُ أكفانًا تغطِّينَا

جئنا لليلى .. وقلنا إنَّ فى يدهَا

سرَّ الحيَاة فدسَّتْ سمَّها فينَا

فى حضْن ليلى رأينا المْوت يسكنُنَا

ما أتعسَ العُمْرَ .. كيف الموتُ يُحْيينا

كلُّ الجراح التى أدمتْ جوانحَنَا

وَمزقتْ شمْلنا كانتْ بأيدينَا

عودوا إلى مصْر فالطوفانُ يتبعكُمْ

وَصرخة ُ الغدْر نارٌ فى مآقينَا

منذ اتجهْنا إلى الدُّولار نعبُدُهُ

ضاقتْ بنا الأرضُ واسودتْ ليالينَا

لن ينبتَ النفط ُ أشجارًا تظللنَا

ولن تصيرَ حقولُ القار .. ياسْمينَا

عودوا إلى مصْرَ فالدولارُ ضيَّعنَا

إن شاء يُضحكُنا .. إن شاءَ يبكينَا

فى رحلةِ العمْر بعضُ النَّار يحْرقنا

وبعضُهَا فى ظلام العُمْر يهْدينَا

يومًا بنيتمْ من الأمجَاد مُعجزة ً

فكيفَ صارَ الزَّمانُ الخصْبُ..عنينا؟

فى موْكبِ المجْد ماضينا يطاردنَا

مهْما نجافيهِ أبى أن يجَافينَا

ركبُ الليالى مَضَى منا بلا عَدَدِ

لم يبق منه سوى وهم يمنينَا

عارٌ علينا إذا كانتْ سواعدُنَا

قد مسَّها اليأسُ فلنقطعْ أيادينَا

يا عاشقَ الأرْض كيفَ النيل تهجُرهُ ؟

لا شىءَ والله غيرُ النيل يغنينَا..

أعطاكَ عُمْرا جميلا ًعشتَ تذكرهُ

حتى أتى النفط بالدُّولار يغْرينَا

عودوا إلى مصْرَ..غوصُوا فى شواطئهَا

فالنيلُ أولى بنا نُعطيه .. يُعْطينَا

فكسْرة ُ الخُبْز بالإخلاص تشبعُنا

وَقطْرة ُ الماءِ بالإيمَان ترْوينَا

عُودُوا إلى النِّيل عُودُوا كىْ نطهِّرَهُ

إنْ نقتسِمْ خُبزهُ بالعدْل .. يكْفينَا

عُودوا إلى مِصْرَ صَدْرُ الأمِّ يعرفُنا

مَهْمَا هَجَرناهٌ.. فى شوْق ٍ يلاقينَا

«قصيدة عودوا الى مصر سنة 1997»

لمزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.