كلما اشتد الكرب بالمصريين, أو أصابتهم مصيبة, أو تعرضوا لظلم حاكم جبار, تعالت أصواتهم بالنداء: ياخراشي. كانوا يستغيثون بالشيخ أبوعبدالله محمد الخراشي, أول من تولي مشيخة الأزهر في مصر عام 1090ه (1679م). وكان رجلا متواضعا زاهدا, يسخر نفسه لخدمة الناس وقضاء حاجاتهم بنفسه, تعلم علي يديه طلاب العلم من شتي بقاع الأرض, ومنهم من أصبح شيخا للأزهر بعد ذلك. مات الشيخ الخراشي عام 1101ه (1690 م) أي منذ 322 عاما, لكن المصريين استمروا في النداء عليه كلما تعرضوا لأي موقف ظالم, حتي تحول اسمه إلي مفردة أساسية في التراث الشعبي والوجدان المصري, دون أن يعرف معظمنا أصل الكلمة. والآن, هل يمكن أن يفرز لنا قانون استقلال الأزهر الذي صدر منذ أيام, شيخا يستطيع المصريون الاستغاثة به كلما ألمت بهم المصائب, خاصة بعد أن أصبح اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب من هيئة كبار العلماء ؟ التاريخ يقول لنا: إن هناك مشايخ للأزهر كثر وقفوا إلي جانب الحق ودفعوا الثمن, مثل الشيخ عبدالمجيد سليم, الذي أقاله الملك فاروق من منصبه بعد اعتراضه علي تخفيض ميزانية الأزهر, وعبارته الشهيرة تقتير هنا وإسراف هناك, في إشارة إلي البذخ الذي كان يمارسه فاروق وحاشيته. ولكن هناك أيضا مشايخ للأزهر كانوا يجاهرون بأنهم موظفون لدي الدولة, أو يتمسكون بالولاء للحزب الحاكم. قد لايكون القانون وحده كافيا ليعود الأزهر منارة للإسلام والمسلمين في كل أنحاء العالم, وليس في مصر فقط, لأن الأهم من القانون العقلية التي ستطبقه. وقد لا نري شيخا للأزهر علي مستوي الشيخ الخراشي إلا بعد عدة أجيال, برغم الصحوة التي تشهدها المشيخة منذ ثورة يناير. لكن الأكيد أن عجلة التغيير لن تعود إلي الوراء. المزيد من أعمدة فتحي محمود