التقيت به مرة واحدة فأحببته .. وكنت أكن له إعجابا بما قرأته له اعجب إذ لم نحتف به حيا وميتا ، والحق أننى لا أعجب فهذا حالنا .. أما هو فلم يكن يبالى ذهبت الى منزله عندما كان يسكن في مصر الجديدة مع « عبد الغنى أبو العينين «و«ايهاب شاكر» ، اثنان من كبار الفنانين التشكيليين في الزمن الذهبى . أبو العينين كان زميلى بعض الوقت في مجلة «كاريكاتير» التى أسسها يحيى زيدان (رجل اعمال غاوى) واحمد طوغان صاحب المواقف برسومه الكاريكاتيرية حتى وهو يحمل السلاح مقاتلاً في صفوف ثوار الجزائر .. وقد رأس تحرير المجلة أشهر رسامى مصر مصطفى حسين وفيلسوفها «محمد حاكم» ومعظم المبدعين . .. هذا الى جانب كوكبة من الكتاب الساخرين من يوسف عوف وعلى سالم وفايز حلاوة وشباب سرعان ما لمعوا مع « مجدى صابر» في مسلسلات التليفزيون « وبشير عياد شاعراً مشاغباً .. وليعذرنى الآخرون . فلما جاء ابو العينين .. كان إضافة جميلة، وهو صانع كثير من الصحف والمجلات يضفى عليها فنا وبهجة ومصمما لأزياء فرق الفنون الشعبية وصاحب لوحات لها مذاق خاص، وكان من حظى أنى عرفته اكثر ولم اكن دائماً على قوة مجلة كاريكاتير وانما يستدعوننى صديقاً فألبى ، ويسعون للتخلص منى فلا أقاوم . أما ايهاب شاكر الفنان التشكيلى المتميز الذى اختار أن يرسم للأطفال ويصدر كتباً مثل «عندما رقص الاسد « ومن الذى رقصه ؟ الحمل البرئ !! قال عنه مراسل جريدة الاتحاد الامارتية أنه اعتكف في مرسمه أربع سنوات ليخرج بألوان تراقص الجدران ، مبهجة للانسان البسيط . واضح أن ايهاب كان صديقاً للسفير الأديب حسين احمد أمين « الذى سعينا إليه كى يكتب في مجلة كاريكاتير التى بلغ طموحها حد محاولة أن تضم كل كتاب و رسامى مصر الساخرين. رفض أحمد رجب بدون مناقشة ؟ إذ كان زواجه من أخبار اليوم – وما زال – كاثوليكياً. واستقبلنا « حسين أحمد أمين » بالود الصافى والبساطة المريحة، وسألنا بصراحة عن مشاركة رأس المال السعودى في المجلة ، وهو مالم ننكره ولو أننا لم نسمع يوماً عن تدخلهم في توجيه سياسة التحرير ، ولا حتى رئيس مجلس الادارة المصرى وصاحب النصيب الاكبر في ملكيتها ، فقد كان يحيى زيدان واحدا منا ويسمع كلامنا . ولكن الكاتب الكبير لم يقتنع بما نقول .. والغريب أنه أضاف بصدق شديد : طيب أنا اكتب في صحيفة كويتية تصدر من لندن بعد احتلال صدام حسين لبلادها كنوع من المقاومة الكويتية. فرحنا إذ تصورنا أنه سوف يوافق على الكتابة في كاريكاتير وقلنا في نفس واحد : كل ما تطلبه مجاب قال ،وكأنه يحدث نفسه : كام يعنى؟.. أنا باكتب في الجريدة الكويتية بخمسمائة جنيه المقال وفي مجلة الهلال بخمسين وفي الاهالى ببلاش ولم يوافق .. وكان صادقا كتبه باقية ، ومن أحبها الى قلبى ، وان لم يكن أهمها كتاب « شخصيات عرفتها »، تحدث فيه عن أربعة وعشرين شخصية بصراحته وطلاقته وحبه ونظرته الثاقبة للنفوس من واقع تجربته المباشرة معهم . لم يبق منهم على قيد الحياة سوى مكرم محمد احمد وصافيناز كاظم أطال الله عمرهما عندما يغير الله من حال الى حال أول ما تعرف على الصحفى الكبير في مكتب « يوسف القعيد » بدار الهلال .. يصف المكتب بأنه غرفة ضيقة متربة .. وقتها كان حسين أحمد أمين «يعيش فترة ركود واكتئاب وحيرة بعد أن تسبب نشر مقالاته في مجلة الدوحه في اصدار حكم من رئيس المحكمة الشرعية بدولة قطر بفصل رجاء النقاش رئيس تحرير المجلة والناقد الادبى المصري صاحب الأيادى البيضاء على الحركة الأدبية في مصر وفي العالم العربى .. وكان قرار الفصل مصحوباً بإبعاد « رجاء عن قطر» وإيصاء كافة الاقطار الاسلامية بعدم تمكين « حسين أحمد أمين» من نشر سمومه من خلال وسائل إعلامها . في هذا الجو نشر « أنيس منصور » مقالاً في مجلة أكتوبر التى كان قد اسسها ويترأس تحريرها مشيداً بأول كتاب لحسين أحمد أمين هو «دليل المسلم الحزين « فشكره اذ رفع من معنوياته وارسل له مقالا عن (عودة النساء الي الحجاب) فنشره على الفور ، وطلب منه أن يواصل الكتابة في أكتوبر . ولكنه في زيارته ليوسف القعيد حدث أن استأذنه لخمس دقائق ، عاد بعدها يواصل حديثه معه « حتى رأيته يهب واقفاً فجأة ويتجه مسرعاً الي الباب ليتحدث الي رجل عنده جاء في طلبه , ونظر الرجل الي ثم الي القعيد كالمستفهم عن هويتى ، فأسرع يوسف يعرفه بى : الاستاذ «حسين أحمد أمين » مؤلف كتاب « دليل المسلم الحزين» والمتسبب في نكبة رجاء النقاش .. ثم التفت الىّ يقول : الاستاذ « مكرم محمد احمد « رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة المصور - اعترف لى يوسف القعيد ضاحكاً بعد عدة أشهر أنه إنما استأذن منى مدة الخمس دقائق حتى يخبر مكرم بوجودى في مكتبه – صاح مكرم وهو يشد على يدى في حرارة : مش معقول ياراجل يا راجل !! مجلة أكتوبر مجلة يكتب فيها أمثال حسين أمين كيف؟؟ولا تكتب للمصور؟ اننا نجاهد في سبيل قضيه واحدة ونفس المبادئ ، وهى بالضبط عكس قضيه اكتوبر، إن كان لأكتوبر قضية . هكذا أصبح « حسين أحمد أمين » كاتباً في المصور محاطاً بكل الرعاية والترحيب ، بعد أن امتدت يد مكرم الى حقيبته السوداء ولدهشته الشديدة أخذها وفتحها دون استئذان باحثاًعن مقال في الحقيبة , وقد كانا مقالين في طريقهما لأنيس منصور , اخذ منهما مقال « دفاع عن الكلاب في الاسلام » وترك الثانى لمجلة أكتوبر على ان يكون آخر مقالاته بها . عندما استأذن في الذهاب الى العجمى لقضاء اجازته السنوية طلب منه « مكرم محمد أحمد » أن يسلم مقالاته للصحفيه « سميرة شفيق» التى تقضى هى الأخرى إجازتها هناك وتأتى الى القاهرة كل يوم أربعاء لحضور اجتماع مجلس تحرير المصور.. و«سميرة» التى أصبحت كاتبة أطفال مرموقة هى زوجة الفنان إيهاب شاكر . ولعلها كانت بداية صداقته لحسين أحمد أمين بعد شهر عسل لم يدم طويلا تحول الحال , جرى خلاله حوار شخصى مع صديقه المستشار « طارق البشرى » الذى قال له في الختام: سيؤدى بك غرامك بالشهرة الى أن تذعن لما يريدون فرضه عليك ، أو أن تجد نفسك وقد أصبحت كماً مهملاً وملقى على قارعة الطريق حين سيتنفذون أغراضهم منك . يصف مكرم محمد أحمد بأنه ظل دائماً سراً غامضاً لا يستطيع سبر أغواره .. رجل غويط بكل ما تحمل العبارة من معان .. هو صحفى من الطراز الأول نعم ، ذو حاسة صحفية نادرة لم ألمس مثلها في غيره ، وقدرته خارقة على اكتشاف المواهب ، وجس نبض القراء .. ومسايرة رغبات رجال النظام وتوجهاتهم في كفاءة تامة ، وهو مع ذلك ذو مبادئ وقضايا واتجاهات ليبرالية معينه يخدمها في إصرار ويحاول اقناع المسئولين في الدولة بها .. غير أنه لم يكن يفتح قلبه لأحد ولا يفصح لمخلوق عما يدور في خلده ، نادراً ما يرفع عينيه لمقابلة عينى محدثه ويظل طوال الحديث إليك يقلب ناظريه فيما على مكتبه وكأنه يبحث عن ورقه أو ولاعة أو مفتاح ، وطوال حديثك اليه يقلب فكره في أمور أبعد ما تكون عن موضوع الحديث وهو « ينكش منخاره بسبابته » دون حرج شأن الامبراطورة التى تتجرد من ملابسها أمام خدمها وكأنهم أصنام دون أحاسيس . طلب منه زميله في وزارة الخارجية الدكتور « مصطفى الفقى » أن يتوسط لدى « مكرم» لنشر مقال كتبه في المصور ، فألقى عليه مكرم نظرة خاطفة ثم طرحه في أحد أدراج مكتبه دون اكتراث ودون أن يعد بشئ معطياً انطباعاً بأن المقال سرعان ما سيأخذ طريقه الى سلة المهملات . غير انه بعد شهر أو شهرين كان « حسين أحمد أمين « في مكتب « مكرم» عندما أخبرته السكرتيرة بأن مصطفى الفقى « بالباب ويريد أن يقابله ، فإذا به يهب سريعاً وفي لهفة ويتوجه بخطى سريعة نحو الباب للترحيب بالضيف يحتضنه ويبالغ في الحفاوة به ، وكان « الفقى» قد أختير سكرتير خاصاً لرئيس الجمهورية !! من الذى يحب سعد الدين ابراهيم ؟ *قارن « حسين أحمد أمين « بين كتابات « صافيناز كاظم « في الاسلاميات وكتابتها في غير الاسلاميات ..هذه المرأة الموهوبة الفذة لا في مجال النقد المسرحى والسينمائى والأدبى فحسب ، ولا في ميدان الكتابة وحده ، بل وفي محاكاتها البديعة للشخصيات التى تعرفها من صوت وحركات ومسلك بحيث تنفذ بك خلال ثوان قليلة الى اعمق أغوار الشخصية التى تقلدها . هذه المرأة التى لا تستمع الى غنائها إلا آمنت أنه كان بوسعها أن تصبح من أبرز المغنيات .. ولا تجلس منصتاً الى حديثها إلا أثارت من الضحك ما تدمع له عيناك . هذه المرأة الفريدة الفنانة من قمة رأسها الى أخمص قدميها نسيج وحدها ، تلك التى خلقت الرعب بمقالاتها النقدية في قلوب الجميع . هذه المرأة كيف تسنى لها أن تضل الطريق على ذلك النحو فتحسب أن كتاباتها الضحلة في الاسلام وبمجادلاتها المتعثرة حوله واحاديثها الغثه فيه ،هى أهم ما سيبقى لها في الرصيد الختامى لحسابها ، وانما حققت ذاتها ووجدت نفسها حين ارتدت الحجاب وأبت أن تصافح الرجال . كانت ضآلة حصيلتها من المعارف الدينية هى سبب هزيمتها المنكرة في جدالها على الهواء مع النائبة الاردنية « توجان الفيصل » في برنامج تليفزيونى خليجى ، وشاهد الجمهور « صافيناز» وهى تغادر الاستديو فجأة غاضبة لاعنة والمذيع يحاول عبثاً أن يثنيها عن عزمها فتتزرع بأن «توجان» جاوزت حدود الأدب . نادراً ما تصبر «صافيناز» على اختلاف معها في الرأى ، حتى بات مألوفاً لمن يجلس معها أن يسمعها تلعن هذا وتندد بذاك وأن يراها تسخر أو تقلد تقليداً يثير الضحك منه والازدراء له. ليس هذا موقفها دائماً فهناك استثناءات ، ولحسن حظ « حسين أحمد أمين » أنه واحد من المستثنين ، فهو وزوجته على علاقة صداقة حميمة معها ، بل هى من أعز الناس .. ومع ذلك كثيراً ما كانت تهاجمه في الصحف والمجلات وتسفه كتاباته وافكاره ..يتناولان طعام العشاء معاً ثم تكتب مقالا لاذعاً ضده في اليوم التالى ، فيتصل بها تليفونياً ليهنئها على توفيقها في سبابه وهى تضحك وتقول : موش كده بذمتك ؟؟ مش بذمتك مسخرت بيك الارض؟ وعندما تقابلا في حفل بدار الاوبرا ومعه الدكتور سعد الدين ابراهيم فاجأته بقولها :«حسين أمين باكره افكاره بس ماباكرهوش هوه.. انما انت باكرهك واكره أفكارك وما بأحبش أشوف وشك » ثم تنهال عليه بسباب غليظ يدفع ابنتها نوارة الى الابتعاد سريعاً وهى تلطم خديها في انزعاج شديد تطرب لثناء الناس عليها وعلى ما تكتبه ، وتستشيط غضباً من أى انتقاد لها أو مساس بها – انفجرت يوماً بالبكاء حين قرأت هجوماً عليها بقلم «فريدة النقاش » في صحيفة الدستور في نفس العدد من الجريدة الذى نشرت فيه «صافيناز» هجوما عنيفاً على « حسين أحمد أمين « لا تمتلك سيارة ، بل ولا تمتلك إلا ما يكفى لسد رمقها ، وهى مع ذلك تأبى أن تضطرها الحاجة الى التفريط في استقلالها الفكرى بتملق السلطة أو بيع القلم بها الكثير من طباع الأطفال وسرعة تقلب مشاعرهم، فهى تصب في مقالاتها ألذع الهجاء لجابر عصفور ، فإن هو رحب باقتراحها اقامة حفل بذكرى خالها الأديب محمد فريد أبو حديد مؤلف أبو الفوارس عنتر بن شداد ووالد المهندس أيمن وزير الزراعة الحالى تحول موقفها منها مائة وثمانين درجة وصارت تمتدحه وكأننا فاقدو الذاكرة . يقول عنها في الختام أنها كاتبة لا يماثلها كاتبة وامرأة لاتشابهها إمرأة ، متعبة في جميع الحالات . غير أنها كفيلة بمجرد وجودها أن تشيع في الكون بهجة وأن تملأه صخباً وضجة . ودعا لها بالتوفيق والهداية فيصرفها عن الحديث في الاسلاميات !!