استحقت أيام حرب أكتوبر1973 الخلود في ذاكرة الوطن, ليس لكونها سببا في تحرير سيناء الغالية فقط, وإنما أيضا بما شهدته من بطولات لا حصر لها لرجال القوات المسلحة البواسل الذين سطروا بدمائهم الطاهرة صفحات من نور في كتاب التاريخ و كان نخبة من الإذاعيين شهود عيان عليها من علي خط النار, فماذا قالوا عنها؟ في البداية يقول الإذاعي حمدي الكنيسي: بدأت عملي كمراسل حربي بعد نكسة67 مباشرة عند اندلاع حرب الاستنزاف التي قررت تغطية أحداثها, مما جعلني أسافر يوميا إلي جبهة القتال لإجراء لقاءات للإذاعة مع المقاتلين وأبناء منطقة القناة وقد كنت أول من رصد رفض بعضهم التهجير من مدنهم فقرروا التمسك بالبقاء في السويس وبورسعيد والإسماعيلية, ومن واقع تجربتي العملية علي الأرض فإنني أؤكد أن حرب الاستنزاف كانت من أهم أسباب الانتصار في حرب أكتوبر73 حيث نجحت القوات المسلحة في بناء قواعد الصواريخ برغم الغارات الإسرائيلية كما كانت مجموعات من المقاتلين المصريين تعبر القناة إلي الشرق وتشتبك مع الإسرائيليين وعندما اشتعلت شرارة حرب أكتوبر واصلت عملي ولكن من داخل سيناء ولن أنسي الدقائق القليلة التي عبرت خلالها القناة إلي الشاطئ الشرقي مع أحد الزملاء الذي شاركني في تقبيل أرض سيناء بمجرد الوصول إليها, نظرا لعلمنا بأن الموانع التي كانت أمام القوات المسلحة المصرية كانت متعددة ومن الصعب جدا مواجهتها مما دفع عددا من خبراء الاتحاد السوفيتي لان يقولوا في ذلك الوقت: يجب أن يستعد المصريون لاستشهاد30 ألف جندي وضابط في القناة إذا قرروا عبورها واقتحام خط بارليف, وقال آخر: إن المصريين يحتاجون لقنبلة ذرية لمواجهة موانع عبور القناة, غير أن أبطال القوات المسلحة المصرية قد انتصروا عليها ودمروا تلك الموانع تدميرا, ومنهم أحد الجنود الذي أجريت معه لقاء في7 أكتوبر وكان ممن اقتحموا النقطة القوية من خط بارليف في الفنطرة شرق وقتلوا الجنود والضباط الإسرائيليين في داخلها وأسروا الذين حاولوا الهرب, وقال الجندي البطل محمود الذي مازلت أتذكر اسمه جيدا,عندما بدأ هجومنا علي تلك النقطة القوية كانت مقاومة الجنود والضباط الإسرائيليين محدودة جدا وبسرعة لافتة للنظر انهاروا واستسلموا, وفي اليوم الثالث للحرب رأيت أحد الجنود الأبطال يكتب بحجر علي سور النقطة القوية( انتهي الشوط الأول بفوز مصر2 صفر) وعندما سألته: لماذا ليس أكثر من اثنين؟ أجاب:( نقدر طبعا) ولم يكمل الا بابتسامة عريضة فرحا بالإنتصار,ويضيف الإذاعي كامل البيطار: كنت مراسلا لإذاعة صوت العرب في أثناء حرب الاستنزاف التي كنت أقدم خلالها رسائل إذاعية من الجبهة, ولكنني عندما بدأت حرب أكتوبر كنت في مبني الإذاعة, والحقيقة أنني استقبلت البيان الأول للقوات المسلحة بقلق مثل كثير من الناس بسبب ما حدث في حرب67 ولكن في9 أكتوبر73 علمت أن إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة قد وجهت الدعوة لعدد من الإعلاميين لزيارة الجبهة ونقل الصورة كاملة للمستمعين وعلي الفور طلبت من سعد زغلول نصار رئيس إذاعة صوت العرب الموافقة علي سفري لأداء تلك المهمة, وبعد موافقته سافرت في نفس اليوم مع زميلي المخرج عادل جلال إلي السويس وبمجرد الوصول كنا علي موعد مع استقبال غير متوقع من صاروخ( سام6) نجح في ضرب طائرة إسرائيلية تحطمت تماما وتناثرت حولنا وفي المساء اتجه الوفد الإعلامي إلي الضفة الشرقية مع رجال المخابرات الحربية من خلال أحد المعابر التي أقيمت لزحف القوات المصرية إلي شرق القناة, وسجلت مع قائد المجموعة التي حررت تلك المنطقة واستولت عليها والذي تجولنا معه في مجموعة من النقاط الحصينة التي كان يحتمي بها الجيش الإسرائيلي. في تصريح قبل وفاته قال الإذاعي محمود سلطان: شاركت في تغطية حرب أكتوبر عندما كنت مذيعا بإذاعة صوت العرب في وقت كان فيه كل الزملاء يرغبون بشدة في الذهاب إلي جبهة القتال التي زرتها مع مجموعة من الإعلاميين عندما قام الرئيس الراحل أنور السادات بتفقدها بعد الحرب مباشرة وشاهدت النقاط الحصينة من الداخل بعد تحريرها كما أنني لا أنسي أحد أهم الأحداث في تلك الفترة حين أعاد السادات افتتاح قناة السويس للملاحة والذي كنت أقف بالقرب منه في ذلك الوقت ورأيت وسائل إعلام العالم ترصد واحدة من النتائج المهمة لنصر أكتوبر وهي استعادة مصر هيبتها بعد حرب الكرامة التي لولاها ما رأيت قضبان الحديد في النقاط الحصينة المدمرة من أبطال الجيش المصري حيث استمعت من عدد منهم لتضحياتهم من أجل الوطن عند اقتحام النقاط الحصينة. ويقول الإذاعي وجدي الحكيم: بعد توقف إطلاق النار ذهبت لزيارة جبهة القتال مع عدد كبير من الفنانين منهم وردة وفايزة أحمد ومحمد سلطان وشادية وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل وغيرهم وفوجئت بمجرد الوصول إليها بأن قائد المنطقة العسكرية يطلب استدعائي وعندما قابلته قال: إن أغنياتكم الرائعة في الإذاعة قد حفظها المجندون وأخذوا يرددونها للدرجة التي كادت تكون بحق( خطرا) علي حياتهم, فقلت متسائلا: كيف؟ فأجاب: قام أحد الجنود بإصابة دبابة إسرائيلية وقبل إنفجارها بلحظات اقترب منها وفتح غطاءها ووقف فوقها وظل يغني ويرقص فرحا( وأنا علي الدبابة بغني) وكاد يستشهد لولا أن الله لم يكتب له ذلك, ولي الشرف أن شقيقي اللواء شريف الحكيم يرحمه الله كان أحد أبطال حرب أكتوبر حيث كان قائدا في الجيش الثالث في أثنائها وكثيرا ما حاولت التعرف منه علي اجابات لكثير من الأسئلة التي كانت حول الحرب وموعدها, ولكنه كان دائم التمويه والرد بما كان فيه مصلحة الوطن مثل كل الذين خططوا ونفذوا حرب أكتوبر وحققوا النصر الذي أعاد سيناء إلي حضن الوطن.