عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية تعد من أصعب وأعقد عمليات التفاوض على مستوى العالم. فعقب العراقيل التى وضعتها إسرائيل أمام المفاوض الفلسطينى والتأرجح وعدم التوازن الذى اتسم به موقف الوسيط الأمريكى، تجاه مطالب الطرف العربى على وجه الخصوص، دخلت عملية السلام فى منعطف جديد وضعها أمام عدة سيناريوهات وبدائل تتراوح بين التجميد الكامل والتسوية. وقد عقدت منظمة تضامن الشعوب الآفرو آسيوية ندوة بعنوان "مصر والقضية الفلسطينية" بمشاركة لفيف من الساسة والسفراء والدبلوماسيين والصحفيين والإعلاميين المصريين والفلسطينيين للتذكير بالقضية وبدور مصر المحورى فى مساندة القضية والشعب الفلسطينى بالإضافة لاستعراض عدد من السيناريوهات والإحتمالات المتوقعة لعملية السلام فى المرحلة القادمة. القضية والعراقيل وفى البداية أشار د. حلمى الحديدى، رئيس منظمة تضامن الشعوب الآفرو آسيوية إلى أن القضية الفلسطينية هى قضية العروبة وقضية دول الجنوب. وعبر عن أسفه من أن القضية الفلسطينية مر عليها أكثر من 66سنة ومازال الإحتلال الإسرائيلى يجثم فوق صدر فلسطين لتبقى فلسطين هى الدولة الوحيدة المحتلة الآن فى العالم كله. وتساءل مستنكرا ماذا يراد بنا؟ وماذا يراد لنا؟ فى عالم تهيمن عليه قوى ظالمة وتؤخر فيه هيمنة أمريكية خالصة وإحتلال إسرائيلى يعذب أبناءنا وإخوتنا وأشقاءنا فى فلسطين، وليتهم يقفون عند هذا الحد، وإنما يدبرون المكايد لكل الدول العربية فى المنطقة كلها هدفهم التقسيم والزعزعة والشرذمة والضعف، لتصبح إسرائيل الدولة الكبرى بالمنطقة كلها، حتى وصل الإنقسام إلى الشعب الفلسطينى نفسه مما يضعف كل مانملكه من أوراق قليلة للضغط على العدو أولاكتساب حق أو للوصول إلى نتيجة فى مفاوضات تستمر لأمد طويل!! وأكد أن حماس لاتمثل شعب فلسطين وأن شعب فلسطين أكبر وأعظم وأقوى وأقدر من فصيل من فصائله ولابد أن نضع ذلك فى الحسبان. وأكد السفير د. محمد بدر الدين مصطفى زايد، مساعد وزير الخارجية لدول الجوار وممثل وزارة الخارجية المصرية، من خلال كلمة الوزارة أن الوضع الخطير والمأساوى الذى تشهده الأراضى الفلسطينيةالمحتلة بشكل عام جراء الإحتلال الإسرائيلى وما يخلفه من تدمير وقتل وحصار قد خلق أوضاعا إنسانية بالغة الخطورة وتسبب فى تدهور إقتصادى فى الأراضى الفلسطينية، وهو الأمر الذى يستدعى مطالبة الجانب الإسرائيلى بإيقاف جميع الإنتهاكات التى يرتكبها بحق الشعب الفلسطينى ووقف الإستيطان فى جميع الأراضى الفلسطينيةالمحتلة بما فى ذلك القدسالشرقية وإنهاء حصار إسرائيل لقطاع غزة. وأكد أن القضية الفلسطينية كانت ومازالت وستظل على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية ليس فقط باعتبارها قضية تمس الأمن القومى، وإنما لأنها تحتل أهمية قصوى لدى الشعب المصرى."لذا فإن مصر تبذل أقصى ما يمكنها لدعم الشعب الفلسطينى ومساندة كافة الجهود الرامية لإستقلاله وإقامة دولته الموحدة القابلة للعيش، وذلك رغم التحديات الجمة الداخلية والخارجية التى تواجهها وعلى رأسها محاربة الإرهاب". وإستعرضت الكلمة الجهود المصرية الداعمة للقضية الفلسطينية بعد التطورات التى شهدتها على مدار السنوات الثلاث الماضية. وأشار السفير سمير سيف اليزل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية فى كلمة الجامعة إلى أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب المحورية الأولى وأكبرها وهى قضية لايزال عدم حلها يؤثر سلبا ليس فقط على الوجدان العربى بل أيضا على مستوى الإقليم ككل وعلى نمط العلاقات الدولية بشكل عام. وأكد سيف اليزل أن إستمرار "الإحتلال الإسرائيلى الغاشم" للأراضى العربية له تداعيات متعددة تطال مصالح الجميع وتتحدى القواعد القانونية التى ارتضاها المجتمع الدولى وتوافق عليها. "ومع ذلك نجد للأسف الشديد أن المجتمع الدولى اكتفى فى السنوات الأخيرة بإدارة النزاع وليس حل النزاع معتمدا على طول الوقت على أساس أن إسرائيل تعتمد فى منهجها التفاوضى على طول الوقت لتحقيق أغراضها"!! وأشار إلى مباركة ودعم جامعة الدول العربية الجهود المصرية، وكافة الجهود الدولية المبذولة بهدف إيجاد تسوية عادلة للنزاع وإقامة سلام دائم وشامل فى المنطقة. وأكد أن العراقيل التى تواجهها المفاوضات ليست من قبل الجانب الفلسطينى بل تصنعها المواقف الإسرائيلية خاصة فيما يتعلق بالإفراج عن الأسرى. ونبه إلى موقف الجامعة العربية النابع من قرار وزراء الخارجية العرب خلال إجتماع القاهرة فى 9ابريل 2014 الذى حمل إسرائيل بالمسئولية الكاملة عن المأزق الخطير الذى آلت إليه المفاوضات ودعا الولاياتالمتحدة إلى مواصلة مساعيها من أجل إستئناف مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بما يلزم الجانب الإسرائيلى بتنفيذ تعهداته وإلتزاماته بمرجعيات عملية السلام وفقا للجدول الزمنى المتفق عليه، كما أكد القرار دعم جهود دولة فلسطين للحصول على عضوية جميع منظمات الأممالمتحدة والوكالات الدولية المتخصصة والإنضمام إلى المعاهدات والبروتوكولات الدولية بإعتبار ذلك حقا أصيلا أقرته الشرعية الدولية. ومن جانبه وجه السفير بركات الفرا، سفير فلسطين لدى القاهرة، التحية لمصر وشعبها على مواقفها من الفلسطينيين وقضيتهم على مر التاريخ وإستعرض الجهود المصرية الداعمة منذ البداية وحتى اليوم. ونبه إلى أن كل بيت مصرى به شهيد أو جريح مصرى سقط دفاعا عن فلسطين. ووجه الفرا التحية لمصر شعبا وحكومة على مواقفها الثابتة الداعمة والمؤيدة للفلسطينيين وقضيتهم العادلة وأعرب عن تمنياته لمصر"الشقيقة العزيزة" أن تتم خريطة المستقبل الخاصة بها بنجاح مؤكدا بالقول أن "مصر قوية للأمة العربية ولنا". بدائل وسيناريوهات الكاتب الصحفى هانى المصرى، الذى وصفه السفير سعيد كمال عضوالسكرتارية الدائمة بمنظمة تضامن الشعوب الآفرو آسيوية ومدير جلسات الندوة بأنه نموذج للمعارض البناء، قال إن الموقف الحالى يضعنا أمام عدة سيناريوهات. فهناك أكثر من 700ألف مستوطن إسرائيلى فى الضفة الغربية والتعداد فى تزايد ويتلازم مع بناء الجدار وهدم المنازل وسياسات تهويد و"أسرلة" القدس. وهناك إنقسام فلسطينى، ووصلت إستراتيجيات المفاوضة والمقاومة الفلسطينية إلى طريق مسدود. ويرى أن القلسطينيين بحاجة إلى مصالحة ومكاشفة ومراجعة وشق طريق جديد للخروج من المأزق. و يرى المصرى أن الإدارة الأمريكية ووزير الخارجية كيرى تستثمر الوضع العربى الراهن، المنشغل بالقضايا الداخلية، لفرض تصفية، وليس تسوية، القضية الفلسطينية. وقد جاء فشل الولاياتالمتحدة فى مصر وسوريا والعراق ولبنان ليؤكد وجود توجهات معاكسة تحول دون تحقيق الولاياتالمتحدة لأهدافها وقد تفشل فى فلسطين. ونبه إلى خطورة التفاوض فى ظل إنعدام وجود عناصر قوة. والمفاوضات ليست صنما نعبده وبالتالى فيجب أن تستخدم الأساليب المناسب وفق الوقت المناسب والزمن المناسب وحسب خدمتها للمصالح والحقوق االفلسطينية ضمن مرجعية وإستراتيجية توصل الفلسطينيين إلى أهدافهم. والإحتمالات المطروحة هى البقاء بالوضع الحالى المتمثل فى تمديد المفاوضات فى ظل أجواء اللاحل واللاحرب". وهناك إحتمال آخر يتمثل فى التوصل لإتفاق إطار واضح المعالم. وهناك إحتمال ثالث يتمثل فى إنهيار المفاوضات مع إمكانية الدخول فى دهاليز التفاوض السرى. أما يحيى عاشور أحد مؤسسى حركة فتح فأشار إلى أن المفاوضات غيرت مفهوم السلام إلى مفهوم التسوية الذى وفى ظله إسرائيل أقوى من الفلسطينيين. وبالتالى يجب إشراك طرف آخر غير الولاياتالمتحدة تكون له مصلحة فى صنع السلام. فالولاياتالمتحدة تمسك بزمام المنطقة بواسطة "حالة اللاسلم". أما نورى عبد الرزاق سكرتير عام المنظمة فيرى أن المفاوضات الحالية تعد بمثابة هدنة بين صراعين وقد تطول الهدنة أو تقصر إعتمادا على وضعية الجانب الفلسطينى وتماسكه وإتصالاته على الساحة الدولية. وأعرب عن إعتقاده بأن الفلسطينيين بحاجة إلى حشد الرأى العام العالمى جنبا إلى جنب مع رأى عام المجتمع المدنى وتقليص الخلافات الداخلية. وهو يعتقد أن إسرائيل دخلت إلى مرحلة الأفول لأنها أصبحت تمثل عبئا على الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبى. أما الكاتب الصحفى نبيل زكى فيرى أننا أصبحنا أمام مجموعة أكاذيب إسمها "قضايا التسوية". ونبه إلى تأكيد المحللين الإسرائيليين فى كتاباتهم أن المفاوضات لن تحقق أى شئ خاصة أن اليمين الإسرائيلى فى أوجه الآن مما يعرقل تمرير أى موافقة على أى إتفاق فلسطينى إسرائيلى. ويقدم زكى حلا للمأزق التفاوضى الحالى يتمثل فى :1- على العرب أن يقرروا أن القضية الفلسطينية هى القضية المركزية لكل الدول العربية وأن يدعموا القضية الفلسطينية سياسيا وماديا، وأن تكون العلاقات بين الدول العربية وباقى دول العالم فى ضوء مواقف تلك الدول من القضية الفلسطينية. 2- إنهاء إحتكار أمريكا لرعاية المفاوضات وإشراك دول أخرى خاصة أننا لم نعد نعيش فى عصر القطب الواحد. 3 المضى قدما فى الإلتحاق بكافة المنظمات الدولية وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية لأنها ستسهل تقديم الأدلة على ما ارتكبته وترتكبه إسرائيل من إنتهاكات ضد الفلسطينيين. 4 تحرير الإقتصاد الوطنى الفلسطينى بإقامة البنك المركزى الفلسطينى وإطلاق العملة الوطنية التى تعد من مقومات السيادة. 5 تعاون مصرى فلسطينى لتحريك قوى الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة لخدمة هدفين هما تأمين الأمن القومى المصرى والمساهمة فى توحيد الشعب الفلسطينى. أما د. سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية فيرى أن الفصائل الفلسطينية “قد ماتت وحان وقت دفنها” بعد أن فشلت فى تحقيق الأهداف الفلسطينية الأساسية مثل وقف الإستيطان. وهو يرى أن الوقت قد حان لإفساح المجال لظهور قوى سيسية تعبر عن طبقات وقوى إجتماعية فى الشارع الفلسطينى. وهو يرى أن الوقت الحالى يشهد مسارين الأول وهو مسار التفاوض الذى يبدو أنه لن يوصل إلى شئ. أما المسار الثانى فهو “التدويل” فهناك فى إسرائيل (ليبرمان) من يشير إلى الرئيس الفلسطينى أبو مازن بوصفه ممارسا للإرهاب الدبلوماسى عبر إستراتيجية التدويل. فقد ذهب تكرارا وبإصرار لطلب العضوية فى المؤسسات الدولية. وشبه غطاس قابلية عضوية الفلسطينيين بالمنظمات الدولية والعضوية كمراقب فى الأممالمتحدة بأنها بمثابة «قنبلة نووية» فى يد الفلسطينيين. فبعد الحصول على العضوية كمراقب والتدويل يمكن للفلسطينيين الإنضمام إلى أكثر من ستين منظمة دولية والسير فى طريق طلب الوصاية الدولية وهو السلاح الأخير أمام الفلسطينيين. وتتلخص خطوات الوصول إلى وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية فى إعادة سلطة الإحتلال الإسرائيلى لتكون «سلطة إحتلال واضحة» بعد إنهاء السلطة الفلسطينية ومظاهرها. وعندها يتحرك المفاوض الفلسطينى فى مسار يطالب فيه من الأممالمتحدة ومجلس الأمن بإنهاء سلطة الإحتلال الواضحة بعد إختفاء الحكم الذاتى، فتوضع الأراضى الفلسطينية تحت الوصاية الدولية، ويشكل لها مجلس الوصاية الذى يحدد اليات لنقل الأراضى الواقعة تحت الاحتلال إلى الدولة الفلسطينية. وقد علق الحديدى بالقول لايوجد حق يضيع وراءه شعب لديه إرادة، ولابد أن يتوافق الشعب الفلسطينى ويتوحد وأن يسير نحو هدف رئيسى حقيقى معلن، بعيدا عن الكلمات الإنشائية، وخطة للوصول إلى تحقيق هذا الهدف، وأن يتحول الشعب كله إلى جبهة واحدة تناضل من أجل تحقيق هذا الهدف.